إنّ الإسلام وحده هو القادر على أن يقود البشرية قيادة فكرية تحقق لها الطمأنينة والعدل؛ لأنه مبني على عقيدة عقلية تقنع العقل وتوافق الفطرة، وتنظم علاقَة الإِنسان بخَالِقِهِ من خلال العَقَائد والعِبَادَات، وبِنَفْسِهِ من خلال الأَخْلاقَ والمَطْعُومَاتِ والمَلْبُوسَاتِ، وبغَيْرِهِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ من خلال المُعَامَلاتِ والعُقُوبَاتِ، ولأنّه لم يترك التشريع للعقل البشري الذي هو عرضة للنقص والاحتياج والتفاوت باختلاف الزمان والمكان والأشخاص كما هو حاصل في التشريع في النظام الوضعي، فليس البشر هم الذين يقررون ما هو الصواب وما هو الخطأ، وما هو أخلاقيّ أو غير أخلاقيّ، اعتماداً على المزاج داخل المجتمع في أي وقت معين، وعلى مصالح المشرعين، بل جميع الأحكام والتشريعات نزلت من لدن حكيم خبير ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، فالإسلام عقيدة تُعيّن وجهة نظر الإنسان في الحياة، وله طراز عيش خاص به، وعقيدته تشكل قاعدة فكرية يبنى عليها كل فكر، وتنبثق عنها معالجات لجميع المشاكل والأزمات التي يواجهها الإنسان في جميع جوانب الحياة، فهو دين منه دولة.
إنّ العقيدة الإسلامية تدفع معتنقها إلى أن يرعى شأنه وشأن من حوله بالإسلام وأحكامه ومعالجاته. فرسالة الإسلام رسالة عالمية، جاءت لتنقذ البشرية وتأخذ بيدها إلى برّ الأمان ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، فهو لم يأتِ لاستعمار الشعوب ونهب ثرواتها، ولم يفرق بين النّاس على أساس لونهم أو جنسهم أو مكانتهم المجتمعية أو غناهم وفقرهم، فجعل مقياس التفاضل بين الناس هو التقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، ومن الناحية الاقتصادية، فإنه نظر للمشكلة الاقتصادية على أنّها تكمن في توزيع الثروة وليست في زيادة الإنتاج، فشرّع أحكاماً لضمان عدالة التوزيع وقسّم الملكيات إلى ثلاث: خاصة وعامة وملكية دولة، وأناط بالدولة مسؤولية توفير الحاجات الأساسية للناس من مأكل وملبس وتعليم وتطبيب وأمن، وعلى صعيد الناحية الاجتماعية نظّم الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة وجعل لكل منهما حقوقاً، وجعل عليه واجبات، وجعل الزواج هو الطريق الشرعي لإشباع الميل الجنسي واستمرار النسل، وجعل الأسر تقوم على المودة والرحمة والسكينة وليس على الصراع والندية، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، وشرع أحكاماً من شأنها صيانة المجتمع والحفاظ على قيمه كغض البصر وتحريم التبرج والخلوة.
إنّ الإسلام الذي كفل تحقيق العدل والحياة الكريمة للبشرية بالتشريع قد ضمنه بالتطبيق من خلال الدولة، فالدولة في الإسلام دولة رعاية وليست دولة جباية، يخاف خليفتها أن يحاسبه الله سبحانه إن عثرت بغلة في أي جزء منها فكيف بالبشر؟! لقد شهد التاريخ أنَّ غير المسلمين تركوا وما يعبدون وما يعتقدون وكيف عاشوا في ظل دولة الخلافة لهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف دون تفرقة عنصرية وتمييز، وقد شهد التاريخ على عدل دولة الخلافة وكيف كانت تتعامل في سياستها الخارجية مع غيرها من الدول وكيف أنّها كانت تهب لرفع الظلم وإجابة الاستغاثة حتى ولو كانت من غير المسلمين؛ فقد استنجدت فرنسا بالسلطان سليمان القانوني لتخليص ملكها من الأسر، وكما خلصت الدولة العثمانية اليهود من ظلم محاكم التفتيش في إسبانيا.
لقد آن الأوان للأمة الإسلامية لتستعيد موقع الصدارة في العالم، وتقيم دولتها التي ستنشر الخير والعدل في ربوع العالم. لقد آن أوان عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
رأيك في الموضوع