على كل مسلم أن يعي على أمر دينه وأن يعرف أن الحكم بما أنزل الله هو رأس الطاعات الذي به يحافظ على الإيمان وبه تقام الدعوة وبه ينشر الدين. ويقابل ذلك الحكم بغير ما أنزل الله وهو رأس المعاصي وهو اتباع للشهوات والأهواء والضلال.
من هذه المقدمة نعلم أنه واجب على الأمة أن تجتمع جميعها على إقامة هذه الفريضة وليعلم كل مسلم يتلو آيات الله تعالى أن هذا الخطاب يقصده شخصيا حيث قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾.
وإن من عجيب الأمر أن نرى من يقوم ويدعو لإقامة الإسلام من غير أن يصب جهده على إيجاد الدولة الإسلامية.
وإن من عجيب الأمر كذلك أن نرى من بين المسلمين من لا ينظر إلى الدولة الإسلامية والعمل لإيجادها إلا على أنها حكم شرعي عادي لا يَفْضُل ولا يُقدَّم على غيره.
ومن عجيب الأمر أيضاً أن نرى من بين المسلمين من يعمل لتطبيق الأحكام الشرعية من خلال الأنظمة الحاكمة القائمة (العلمانية) على حساب العمل لإقامة الدولة الإسلامية التي تقوم بما أناطه الشرع بها من أحكام.
من ذلك كله يدرك كل مسلم أن أدق اقتداء برسول الله ﷺ وأصحابه، أن الرسول ﷺ أقام الدولة فأقام الإسلام وظهرت أحكامه. فإذا علم المسلم ذلك يكون قد حضر نفسه ليوم الحساب عندما يُسأل عما قدم وأخّر. فيُسأل عن قيامه بالفروض العينية كلها وينتهي عن جميع المحرمات وكلها عينية. ثم يُسأل عن الفروض الكفائية التي يعلم عنها أو يحضرها أتمها هو والمسلمون أم لا؟
ويُسأل عن الفرض الكفائي الأول الذي بقيامه به يسقط عنه كل الفروض المتعلقة به وما أكثرها؛ فمن يعاقب تارك الصلاة أو مانع الزكاة أو المجاهر بإفطاره في رمضان؟ من يمنع الربا والرشا والقمار والميسر وشرب الخمر؟ من يعاقب على عدم لبس المرأة الجلباب في الحياة العامة، من يقوم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».
فالإسلام أناط بجهات محددة إقامة الدين وتنفيذ الأحكام الشرعية، لأن الأمة فيها الأفراد وفيها الحكام وفيها الجماعات، وكل جهة من هذه الجهات أناط بها الشرع مجموعة من الأحكام لتلتزم بها، ومن ثم تُنصح وتحاسب وتقوَّم بحسب تقصيرها فيما أُنيطَ بها. فالأفراد مطالبون بإقامة أحكام الإسلام على أنفسهم مما فرض الله عليهم القيام به عيناً وترك كل ما نهاهم عنه عيناً، مثل القيام بالصلاة والصوم والحج والزكاة، والابتعاد عن المحرمات من خمر وميسر وربا وسرقة وقتل وزنى وكذب وغش وغيبة وما شابهها. والمسلمون مطالبون بهذه الأحكام سواء أكانوا في دار كفر أم في دار الإسلام. وكل فرد مسؤول عن أفراد أسرته الذين هو ولي أمرهم، فإذا كان في دار كفر والنظام الكافر يمنعه من التقيد بأحكام الشرع الفردية، وجب عليه الهجرة إلى دار أخرى سواء أكانت دار إسلام أو دار كفر عملاً بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾.
وهناك أحكام شرعية منوطة بالدولة والخليفة مثل إقامة الحدود وإعلان الحرب أو عقد الصلح أو سن القوانين الإلزامية ورعاية شؤون الناس. وهناك أحكام منوطة بالجماعة أو الحزب، كالعمل على إقامة الخلافة ومحاسبة الحكام وحملهم على الحق وقصرهم عليه. وكل جهة من هذه الجهات يجب عليها الالتزام بما هو منوط بها ولا تحاسب على أمر لم يوكل لها. والأمة كلها تقوم بالشرع كله، فإذا قام الأفراد المسلمون بما هو مطلوب منهم، وقامت الجماعة (الحزب) بما هو مطلوب منها، وقام الخليفة بما هو مطلوب منه فقد وجد التطبيق الكامل للإسلام.
وهنا لا بد أن نلفت النظر إلى:
- أنه على الفرد المسلم أن يؤمن بالإسلام كاملاً وبشكل مجمل.
- لقد طلب الشرع من المسلمين، كل المسلمين، أن يقوموا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل بحسب علمه وطاقته.
- وهذا فرض على جميع المسلمين أفراداً وجماعات وحكاماً، وهو واجب في كل الأحوال، سواءٌ أكانت هناك دولة إسلامية أم لم تكن.
- على كل مسلم أن يقوم بما أوجبه الله عز وجل عليه، فيأتمر بالمعروف المتعلق به أي بكل أوامر الله، وينتهي عن المنكر أي كل ما نهى عنه الله عز وجل. لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
وحتى نلخص ما سبق لا بد أن نعرف وظيفة الدولة، أي الحاكم المسلم في إقامة الدين (الإسلام). فالإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وهي الولاية العامة على كافة الأمة والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها. فالدولة هي الوسيلة لتحقيق إقامة أمر الله عز وجل في الأرض على الوجه المشروع وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحتى يُقام الإسلام، لا بد للدولة أن تقوم بعشرة أمور:
- حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فيكون الدين محروساً من خلل والأمة ممنوعة من زلل.
- تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
- حماية البيضة والذب عن الحريم حتى ينصرف الناس في معايشهم وينتشروا في الأسفار آمنين.
- إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق العباد من الإتلاف أو الاستهلاك.
- تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، فيُمنع العدو من الغدر بالمسلمين.
- جهاد من عاند وعادى الإسلام حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى.
- جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع.
- تقدير العطايا وما يستحق في بيت مال المسلمين من غير إسراف ولا تقتير ودفعه دون تأخير.
- تعيين الولاة وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من أعمال لتكون الأعمال بالكفاية مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
- أن يباشر الخليفة بنفسه جميع الأمور وتصفّح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الدين والملة.
قال عمر بين الخطاب رضي الله عنه: "إنما بعثت عمالي عليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم".
بقلم: الأستاذ سعيد الكرمي
رأيك في الموضوع