لا يملك عقل أحدنا وهو يقرأ تفاصيل غزوة بدر إلا أن يقرر أنها كانت أعظم انتصار على مر التاريخ، كيف لا وقد جند الله لها أعظم جنود السماء بقيادة الأمين جبريل عليه السلام، وأعظم جنود الأرض بقيادة الأمين محمد عليه الصلاة والسلام.
نتحدث عن بدر ونحن نعيش زمن الهزائم، لأجل ذلك حري بنا أن نتعلم من غزوة بدر أيّ جيش هو الذي ينصره الله؟
لقد خاض حكامنا معارك كثيرة ففشلوا مع أن الأمة وجيوشها مسلمون!
هل هي قضية عدد وعدة؟ بالتأكيد لا فجيش بدر كان الفارق بينه وبين جيش الكفر عددا وعدة شاسعا فكيف انتصر؟
ما هي صفات الجيش المستحق لنصر الله، بحيث يجب أن يحقق كل جيش وكل مجاهد هذه الصفات قبل دخول أي معركة؟
لو أردنا الاختصار فهذه الصفات جميعا تحققت في جيش بدر، ومَن تأملها وجد أنها ما وجدت في جيش إلا انتصر وما نقصت في جيش إلا كُسر، حتى ولو كان فيه رسول الله، وهذا ما حصل في غزوة أحد.
فما أحرانا اليوم ونحن نتطلع إلى نصر أمتنا أن نتعلم تلك الصفات اللازمة، وأن نتخذ من جيش بدر المرآة التي نرى فيها نتيجة المعركة حتى قبل أن تبدأ.
إحدى عشرة صفة للجيش المنتصر:
- الغاية التي يقاتل من أجلها، العقيدة القتالية:
نقاتل لتكون كلمة مَنْ هي العليا؟
هل لتكون كلمة الرئيس هي العليا، أم كلمة الوطن، أم الغنائم؟
الجيش العلماني جيش منهزم، جيش المرتزقة، جيش المصالح منهزم، الجيش الذي لا يعرف لماذا يقاتل هو جيش منهزم.
جيش الكفر لا عقيدة له، يقيس الغنيمة في مقابل التضحية، لأجل ذلك نرى الكفار يهربون أو يصابون بأمراض نفسية في الحرب.
يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾.
آيات الجهاد أتت لتؤكد نية القتال ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وفي الحديث «لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا» وكلمة الله هي شريعته.
هذه الغاية تبدّت بشكل واضح في جيش بدر، يقول سعد بن معاذ رضي الله عنه لرسولنا ﷺ: "فَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَداً، إِنَّا لَصُبُرٌ في الحَرْبِ، صُدُقٌ في اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُرِيَكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ".
- القائد الفذ الثابت:
الجيش الذي يرى قائده مهتزا مضعضعا، هو جيش منهزم، وقد بدت قيادة الرسول ﷺ الحكيمة بشكل استوقد منه الصحابة شعلاً من العزة والشموخ. لم يجدوه مترددا أو خائفا حاشاه، يقول علي رضي الله عنه: «كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْوَطِيسُ وَاشْتَدَّتِ الْمَعْرَكَةُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ» البخاري ومسلم.
- الثقة والحب لهذه القيادة:
اللحمة بين القائد وجنده تشكل قوة تلقي الرعب في نفوس الكفار فتضعفهم، يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً! قال مثلها عروة بن مسعود وهو يقنع قريشا ألا تقاتل الرسول. جيش لا يثق ولا يحب قيادته هو جيش منهزم غير متفان. «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ».
وقد بدى هذا الحب في بدرٍ جلياً، فهذا الجندي سواد بن غزية، يقبل بطن الرسول تبرّكاً قبل المعركة، كيف ستكون بسالة سواد وغيره في المعركة بعد هذا؟
- الشورى:
عندما يجد المقاتل نفسه مهمشا فلن يقاتل بشراسة، أما إن كان معنيا، فسيستبسل في القتال، وقد فاضت صفحات بدر بمواقف الشورى، ينادي رسولنا «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ»، بل وهو يختار الموقع العسكري للمعركة، يتقدم الحُباب بن المنذر، فيشير بتغيير الموقع فيقبل منه ﷺ دون تردد. يقول أبو هريرة: «مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» الترمذي.
- الحسم وعدم التردد:
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾، لا مجال للتلكؤ بعد الشورى بل الجميع ينبري للتنفيذ طائعين.
- الثقة بنصر الله:
الجيش المحبط لا ينتصر، الله لا ينصر من لا يثق بنصره، وقد بشَّر رسولنا ﷺ أصحابه في بدر بقتل صناديد قريش، بل وحدد مكان قتل كل واحد منهم. وكان يقول: «أَبْشِرْ أَبَا بَكْرٍ»
ولأجل هذا العنصر اللازم لأي نصر، تعمَد أجهزة الطواغيت مجندة بجيش من علماء السوء، ووكالات الإعلام، إلى زرع ثقافة الهزيمة التي تهد المعنويات في نفوس شبابنا ليل نهار.
- الوحدة المبدئية بين عناصر الجيش:
الرابطة التي نظمت جيش أحد لم تكن وطنية ولا قبلية ولا مصلحية بل رابطة الإسلام، لذلك كانوا متلاحمين منسجمين أشداء. أما الجيش الذي تمزقه الولاءات الوطنية والقبلية والمصلحية، فهو جيش مفكك محكوم عليه بالفشل.
- توسيد الأقوياء الأمناء:
جيش قادته يعينون بحسب المحسوبيات والقرابة هو جيش فاقد للأهلية القيادية التي تدير دفته بأمانة، ومن المعلوم المحتوم أن القائد التقي والخبير بأساليب القتال هو من كان موضع اختيار الرسول ﷺ. فقادة بدر كانوا حمزة وأبا بكر وعمر وعلياً رضي الله عنهم.
- عنصر الشباب: معظم جيش بدر كانوا جنودا في ريعان الشباب، فالجيش الهرم جيش ضعيف لا يصمد.
- السبق والمبادرة:
كان الرسول ﷺ دائما هو الأسبق إلى وضع الخطة، وفرض الشروط على أعدائه، ولا يقبل أن يكون أبدا في رد الفعل، وهذه أبرز أسباب القوة والتفوق. فقد سبقهم في بدر إلى اختيار الموقع، وأنزلهم على خطته.
- الأخذ بالأسباب المتاحة:
أعد رسولنا الخطة وأمن السلاح واختار الموقع وصف الصفوف، وعبأ الجيش، ثم بعد ذلك رفع يديه ودعا الله «اللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» أما التواكل والتمني على الله الأماني دون أخذ بأسباب النصر فهو مخالفة لسنن الله وعجز طالما استعاذ منه رسول الله ﷺ.
هذه أبرز الصفات التي ميزت جيش بدر فصنعت انتصاره الساحق، وما نقص بعضها في معركة إلا اهتز الجيش وهزم، حري بنا ونحن نتلمس خطا النصر أن نجسد هذه الصفات لتكون بإذن الله نبراس جيش الخلافة الذي يصنع انتصاراتنا من جديد كما صنع انتصار بدر بإذن الله تعالى.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوفي (أبو نزار الشامي)
رأيك في الموضوع