قال تعالى في سورة يونس: ﴿وَيَسْتَنبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾
"يقول تعالى لنبيه ﷺ: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ أي: يستخبرك المكذبون على وجه التعنت والعناد، لا على وجه التبين والرشاد.
﴿أَحَقٌّ هُوَ﴾ أي: أصحيح حشر العباد، وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؟
﴿قُلْ﴾ لهم مقسماً على صحته، مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان: ﴿إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه.
﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ لله أن يبعثكم، فكما ابتدأ خلقكم ولم تكونوا شيئاً، كذلك يعيدكم مرة أخرى ليجازيكم بأعمالكم." انتهى تفسير السعدي.
كم من الوعود والأمور التي وعد الله الناس بها وقرر لهم حتمية وقوعها؟ إنها كثيرة ومتنوعة كمثل هذه الآية المتعلقة بالبعث والنشور، فهي حقائق لا شك فيها ولا ريب في حتمية وقوعها.
وكم من الوعود التي وعدها الله تعالى بنفسه لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ هي أيضا كثيرة وهي أيضا حتمية الوقوع والحصول بلا شك وريب.
ومن أمثلة هذه الوعود والبشرى قوله تعالى في سورة النور: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
انظر لهذا الوعد من الله لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في كل زمان ومكان، فالآية لم تحدد وقتا ولا زمانا، وعدهم بالاستخلاف في الأرض وتمكين دينهم الذي ارتضى لهم وتبديلهم من بعد خوفهم أمنا.
وكيف يتحقق وعد الله عز وجل لهؤلاء المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالاستخلاف في الأرض دون أن تكون لهم دولة. السلطان فيها لهم فيها وقرارها السياسي بيدهم وهو مستقل عن إرادة الكفار والأعداء؟ إذ لا يتصور أن يمكن الله للمؤمنين في دار كفر أو في سلطان كفار. فهذا يخالف منطوق الآية ويخالف فهم الواقع. فالتمكين يكون في أرض يملكها المسلمون ويبسطون عليها سلطانهم وتطبق فيها أحكام دينهم الذي ارتضاه الله لهم وتكون محمية بجيوشهم وليس بجيوش وإرادة غيرهم، وبذلك يتم تبديل خوفهم بأمن.
إلا أن الاستخلاف والتمكين والأمن مشروطات بطبيعة دستور دولتهم، أي إذا كانت مواد هذا الدستور منبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله استمر الاستخلاف والتمكين والأمن، وإلا فإن كل هذه النعم ستزول ويحل محلها الضعف والهوان والشرذمة وتحكم الأعداء في بلادنا وأعراضنا وثرواتنا وقرارنا.
إن التمكين لا يكون بلا دولة والاستخلاف لا يكون بلا سلطان وتبديل الخوف بالأمن لا يكون بلا راع. والسؤال أليس فينا مؤمنون اليوم؟ لم لا يستخلفنا الله تعالى ويمكننا؟ لم لا يستبدل خوفنا أمنا؟
وإذا نظرنا للآية فإنها لم تكتف بوجود المؤمنين، بل قالت ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وأي عمل صالح بعد الإيمان بالله أكبر من العمل لإقامة دولة الإسلام؟ وأي فرض أعظم من فرض العمل لاستئناف الحياة الإسلامية؟ كم منا ومن علمائنا ومفكرينا ووجهائنا وخطبائنا وأساتذتنا وعامتنا يعملون بجد لإقامة هذا الفرض العظيم الذي هو تاج الفروض؟ هل بذل كل هؤلاء وسعهم من أجل تحقيق هذا الفرض؟ وإذ لا، فكيف سيستخلفنا الله ويمكن لنا في الأرض ويستبدل خوفنا هذا أمنا؟
كيف يتحقق لنا هذا الوعد وهذه البشارة وجمهور كبير من علمائنا وخطبائنا ومفكرينا ومثقفينا ووجهائنا يوالون الحكام الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويوالون الغرب المستعمر ويحكمون بالكفر؟ أهذا هو الدين الذي ارتضاه الله لنا؟! ثم كيف يكون تمكين للمؤمنين في الأرض وجمهور من علماء المسلمين يرسخون الفرقة بين المسلمين بدعوتهم لاحترام الحدود التي وضعها الكافر المستعمر لتكريس وتمزيق المسلمين؟! كيف يكون تمكين واستخلاف في دويلات كرتونية وُضع عليها حكام عملاء ألعوبة في يد المستعمرين؟! ثم نتساءل أين التمكين وأين الاستخلاف وأين الأمن؟!
فالله الله في هذا الفرض العظيم، فرض العمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، هذا الفرض الذي سيحول حالنا من ذل لعز ومن خوف لأمن ومن ضعف لتمكين ومن شرذمة لاستخلاف في الأرض ومن فقر لغنى ورخاء.
وختاما فهذا وعد وبشرى لمن أراد أن يتقدم لتحقيق هذا الفرض من علمائنا ومثقفينا وسياسيينا وجنودنا وضباطنا وعامتنا وخاصتنا، إنه وعد وبشرى ممن لا ينطق عن الهوى ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» رواه أحمد.
رأيك في الموضوع