(مترجم)
إننا نسمع عادةً عن الجرائم الفظيعة التي تقترفها روسيا بحق المسلمين خارج حدود دولتها، لكن هل لدينا نحن في الدولالعربية فكرة واضحة عما يعانيه إخوتنا وأخواتنا الذين يعيشون في روسيا، والذين يزيد عددهم عن 20 مليون شخص؟ حيث إن روسياقامت مؤخرا بضم شبه جزيرة القرم إليها مما أدى إلى تعريض أكثر من نصف مليون مسلم من تتار القرم إلى الضربات المستمرة من النادي الروسي الكافر. في هذا المقال سأستعرض حلقة واحدة من حياة المسلمين الروس:
في الثاني من شباط/فبراير 2017، قام الإعلام الروسي بنشر تقارير تتحدث عن اعتقال اثنين من المسلمين من قرية بيلوزيري في موردوفيا. حيث تم اتهام كل من فايل ساليخوف وإلدر قاديف، وهما رجلا أعمال معروفان، بمحاولة رشوة رئيس شرطة المرور المحلية. وحسب التحقيقات، فإنهما أرادا زيادة أرباح أعمالهما من خلال دفع الرشوة. بالإضافة، وأثناء البحث في سيارة الدار قاديف، فإن قوات الأمن "عثرت" فجأة على قنبلة يدوية، ومسدس مع ذخيرته في صندوق القفازات بالإضافة إلى عثورهم على المخدرات في ملابسه.
في الحقيقة، لا تعتبر هذه جريمة عادية، حيث إنه قبل عدة أسابيع كانت القرية الموردوفية بيلوزيري مركز فضيحة سياسية، مما جعلها حرفيا محط أنظار الإعلام الروسي.
حيث إن بيلوزيري تتبع إداريا لجمهورية موردوفيا، والتي لا تزال الموطن الأم للتتار المسلمين (يختلفون عن المغول الذين هاجموا الخلافة في القرن الثالث عشر تحت قيادة خان هولاكو). هؤلاء التتار هم أحفاد سكان فولغا في البلغار، والتي دخلت الإسلام بشكل رسمي عام 992م، وأصبحت من ولايات الخلافة العباسية تحت قيادة خليفة بغداد المقتدر بالله. اليوم، وبعد خمسة قرون من الاحتلال، أصبح من المستحيل القول بأن المسلمين من منطقتي فولغا والأورال لا يزالون يحافظون على الفهم الصحيح للإسلام. إلا أنه لا يزال هناك أماكن حيث يتقيد سكانها بأحكام الإسلام، فالنساء يرتدين الزي الشرعي، كما أن المنتجات المحرمة لا تباع في متاجرهم. وبيلوزيري هي واحدة من هذه الأماكن. كما أنها واحدة من أغنى القرى في المنطقة، حيث إن العديد من سكانها رجال أعمال. القرية هي واحدة من أكبر المزودين الروس لبذور دوار الشمس. والقرية تنتج أيضا منتجات اللحم الحلال، والتي توزع في العديد من المناطق الروسية. وعلى عكس العديد من القرى المشتهرة بإدمان الكحول والانحطاط، فإن بيلوزيري تعد مثالا على الحياة الريفية. هذه الحقيقة تسببت بكُره وحقد الكافرين والسلطات الروسية على القرية. بيلوزيري معروفة في روسيا بطريقة عيشها، حيث يضرب فيها المثل بالعمل الجاد والنظام. وأهل القرية يرون أن السبب في ذلك هو دينهم الإسلامي. وبذلك يظهر أن القرية عبارة عن مثال حي عن أن اتباع الأحكام الشرعية الإسلامية يرفع من قيمة المجتمع ويحقق رفاهيته، على عكس القرى الروسية الأخرى التي تنتشر فيها ظاهرة الإدمان على الكحول والتي تسبب العديد من التحديات السياسية.
فما الذي كان وراء فضيحة القرية؟ وما الإجراءات التي اتخذتها السلطات الروسية ضد المسلمين؟ لقد تبين أن السلطات قررت إجبار جميع طالبات ومدرسات بيلوزيري على خلع الخمار في المدارس بذريعة أن المدارس هي مؤسسات علمانية. وبهذا يكون الكفار قد قرروا استهداف أكثر الفئات ضعفا، الفتيات المسلمات، وذلك بوضعهم تحت اختيارين: إما التعليم أو ارتداء الخمار. بالإضافة إلى أنه عندما بدأ النقاش عبر وسائل الإعلام بخصوص ارتداء الخمار في بيلوزيري، أصبح من الواضح أن المسلمين يتعرضون للاضطهاد منذ زمن طويل، وذلك بهدف إجبار المسلمين على التخلي عن أحكام دينهم. فعلى سبيل المثال: طالبت السلطات المتاجر المحلية ببيع الفودكا (نوع من الكحول)، وذلك في دولة تعاني من موت نصف مليون شخص سنويا نتيجة تناول الكحول، حيث تعتبر الكحول مأساة وطنية! وعلاوة على ذلك، فإن المعلمين المسلمين ومن بينهم كبار السن الذين عملوا في المدارس عقودا طويلة أعلنوا أنه في العديد من المرات تم إعطاؤهم الفودكا بدلا من النقود كراتب لهم. فما كان منهم إلا أن رموا الفودكا، واستمروا بالتعليم مجانا دون مقابل، فقط ليكملوا تعليم الأطفال! والآن فإن المخلوقات الملعونة تطالب أخواتنا الطاهرات بخلع اللباس الشرعي. فيا لهم من مخادعين! فحق قول رسول الله e: «يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر».
وعندما جعلت السلطات من الخمار موضعا للنقاش، قام أحد القرويين، وهو رجل أعمال صاحب تأثير، إلدر قاديف، بالوقوف لدعم أخواته في الإسلام. وقد انتشرت على الإنترنت الفيديوهات التي يتحدث فيها عن جرائم السلطات ضد مسلمي بيلوزيري، داعيا الزعماء المسلمين بدعم أخواتهم. بعد هذا كله، قامت قوات الأمن بوضع الأسلحة والمخدرات، وتلفيق التهمة الجنائية الخاصة بالرشوة ضده. هذه القصة تحوي المزيد من التفاصيل التي لا تصدق، إلا أن حجم هذه المقالة لا يسمح بسردها جميعها.
وكما لاحظنا فإن روسيا أعلنت بصراحة الحرب ضد الإسلام والمسلمين. فها هي تقترف ضدهم المجازر المروعة في سوريا وللأسف تسخر منهم في عقر دارها. وعدو الله بوتين يحاول باستمرار نزع الإسلام من قلوب المسلمين بإجبارهم على اعتناق نسخته "الروسية" من الإسلام. إلا أن محاولاته ستذهب أدراج الرياح لأنه لا القيصرية الروسية على مدى قرون ولا النظام الاشتراكي الشيوعي لمدة 70 عاما تمكنا من تحقيق ذلك.
لهذه الأسباب تعد روسيا مكانا يشعر فيه المسلمون باضطراد بعواقب غياب الخلافة الحقة القائمة على منهاج النبوة، حيث إن الدرع الحامي للأمة هو وجود الخليفة، حيث قال رسول الله e: «الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به». إن شاء الله يعجل في عودته، آمين.
بقلم: محمد منصور
رأيك في الموضوع