(مترجم)
في 20 من أيار/مايو 2016م، قدمت باكستان طلبًا رسميًا للانضمام إلى (مجموعة موردي المواد النووية). ففي رسالته إلى رئيس مجموعة موردي المواد النووية، أرسل سفير باكستان لدى فيينا في البريد الإلكتروني أوراق اعتماد باكستان للانضمام إلى المجموعة التي تضم 48 عضوًا، وقد جاء في الرسالة: "باكستان تولي أولوية عالية للسلامة والأمن النووي، وقد اتخذت التدابير القانونية والتنظيمية والإدارية اللازمة لتحقيق السلامة والأمن النووي بما يتطابق مع المعايير الدولية".
وتأتي هذه الخطوة الساخنة في أعقاب اجتماع فريق باكستان والولايات المتحدة لبحث "الاستقرار الاستراتيجي، ومنع انتشار الأسلحة النووية"، حيث أقر وفد الولايات المتحدة بأهمية جهود باكستان في تنسيق وضبط التجارة الاستراتيجية مع مجموعة موردي المواد النووية، وأنظمة الرقابة على الصادرات متعددة الأطراف، واتفق الجانبان على استمرار مشاركة الطرفين للتواصل والاندماج في نظام عدم الانتشار النووي الدولي... كلا الجانبين ملتزمان بمواصلة التعاون المتعلق بتصدير وبناء القدرات بموجب برنامج الصادرات الأمريكية لأمن الحدود (EXBS). وبعد عدة سنوات من المعارضة، يبدو أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر أخيرًا لباكستان لتقديم طلب رسمي لمجموعة موردي المواد النووية، لكن لماذا؟
في عام 2008م، ضغطت الولايات المتحدة على المجموعة النووية للسماح بعقد الاتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند، ومع ذلك، فقد قاومت مجموعة موردي المواد النووية محاولة عضوية الهند في المجموعة؛ بسبب عدم توقيع نيودلهي على أية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. فمن وجهة نظر مجموعة موردي المواد النووية، يُعتبر توقيع دول المجموعة على جميع معاهدات حظر الانتشار النووي ومعاهدة الحظر الشامل إلزاميًا لدخول النادي.
لقد كانت مجموعة موردي المواد النووية منقسمة في موقفها تجاه السماح للهند بدخول النادي، وهذا هو أكثر ما يلفت الانتباه بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي. فأمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا يدعمون عضوية الهند في مجموعة موردي المواد النووية، وهذا إلى حد كبير لأسباب تجارية. أما الصين من ناحية أخرى فإنها تعارض الانضمام، وقد كانت الصين تستخدم عدم دخول باكستان في مجموعة موردي المواد النووية كذريعة لمنع دخول الهند، ومرد القلق الرئيسي للصين هو أن عضوية الهند في المجموعة سيسمح لنيودلهي بالاستفادة من أحدث التقنيات النووية الغربية، وبالتالي يخل بالتوازن النووي في آسيا، وخصوصًا بين الهند وباكستان.
إن مخاوف الصين مبررة، وقد تم تغذيتها بشكل رئيسي من قبل المحور الأمريكي لاستراتيجيتها في آسيا، فلا تقتصر هذه الاستراتيجية على الحفاظ على التفوق التقليدي على الصين، ولكنه يشمل أيضًا الحد الأدنى من الردع النووي للصين. فهناك شقان لهذه الخطة النووية؛ الأول: دعم أمريكا لانتخاب آبي (رئيس وزراء اليابان)، لتغيير دستور اليابان السلمي وتبني مواقف أكثر عدوانية، وجزء من هذه المواقف الجديدة هو مراجعة الموقف النووي المحرم لدى اليابان، وإجبارها على امتلاك أسلحة نووية، مما يهدد هيمنة الصين في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية، وتصريحات ترامب حول كوريا الجنوبية واليابان تنذر بالأسوأ. الثاني (وهو الشق الآخر من هذه الاستراتيجية): يعتمد على رفع مستوى قدرات الهند النووية، واستخدام قدراتها النووية لتقويض الردع النووي للصين، فالصواريخ الهندية الجديدة القادرة على إطلاق رؤوس نووية من البحر قد أطلقت أجراس الإنذار في كل من بكين وإسلام أباد، وتعارض الصين نشاط الهند وعرض قوتها البحرية خارج حدودها، كما أن قيام الغواصات الهندية المسلحة نوويًا بدوريات في الممرات المائية الدولية يغير من التكافؤ النووي في آسيا.
علاوة على ذلك، فإن سباق التسلح النووي بين باكستان والهند قد بدأ بعد تبني الهند لعقيدة عسكرية جديدة تسمى "البداية الباردة"، والتي تحول طريقة الهند من الدفاع إلى الهجوم. وكان رد فعل باكستان من خلال تطوير رؤوس حربية نووية استراتيجية، وشرعت الهند في تنفيذ برنامج شامل لتطوير وتنويع ترسانتها النووية. أما أمريكا، فهي حريصة على الاستمرار في سباق التسلح هذا، حيث إنه يوفر غطاء كاملًا لها لدعم رفع مستوى البنية التحتية النووية في الهند من دون التعرض للانتقادات الصينية، التي ستظهر بلا مبرر.
بالتالي، فإن قصد أمريكا من "الموافقة" على دخول باكستان إلى مجموعة موردي المواد النووية هو الحصول على موافقة الصين على أن تحذو الهند حذوها. إلا أن كلاً من باكستان والصين ستكونان الخاسرتين الحقيقيتين، فالحد الأدنى للردع النووي الصيني سيصبح دائمًا تحت التهديد، حيث تُجبر بكين على الدخول في سباق تسلح جديد مع واشنطن، والذي قد يؤدي إلى انهيار الصين، وسيكون على باكستان فتح أصولها النووية لوكالة الطاقة النووية، وغيرها من الوكالات الدولية، التي تزود الغرب بمعلومات عن حجم الأسلحة النووية الباكستانية، ومكانها، وطبيعتها، مما يجعل تحييد قدرة باكستان النووية سهلًا.
إن المخرج الوحيد لباكستان يكمن في التخلي عن القيادة السياسية والعسكرية الحالية، التي لا تزال ترتكب الخيانة في كل خطوة تخطوها لإرضاء أمريكا، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي تضع مصلحة الإسلام والمسلمين أولًا.
بقلم: عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع