تشهد الساحة هذه الأيام دعوة خطرة، خبيثة ومخادعة، تقوم بها هيئة تحرير الشام، تدفع من خلالها إلى قيام ما يسميه دعاتها بمقاومة شعبية، يناط بها إعداد العدة، وتهيئة الرجال، والتجهيز - كما يزعمون - لعمل عسكري ضد النظام المجرم.
وإن الخطر والخبث في هذه الدعوة أنها تخلي الفصيل الذي يحوز المال والسلاح والمقاتلين من مسؤوليته الشرعية في فتح المعارك وتحرير الأرض وإسقاط نظام الإجرام، وتبرر له أن يبقى معطِّلاً لهذه الإمكانيات التي يحوزها، ومنفِّذاً لأوامر الدول، فلا يقوم هو بالعمل ضد النظام المجرم، بل يقوم بإشغال الناس، واستنزاف طاقاتهم، في عمل مخطَّطٍ مسبقاً لإفشاله، إضافة لما فيه من تحصيل المعلومات التي ستتوفر عن المجموعات المخلصة التي يمكن أن تتحرك في الوقت المناسب ضد النظام، ومعرفة أعدادها وتسليحها ومكامن قوتها ونقاط ضعفها، وتهيئة المجرمين للقضاء عليها.
ومن هنا فإننا نؤكد أن أي عمل عسكري ضد النظام المجرم مرتبط بالفصائل هو عمل محكوم عليه بالفشل، وإن الفصيل الذي قاتل الفصائل، وصادر السلاح، وجمّعه في المخازن، واستولى على قرار السلم والحرب بحجة توحيد الساحة، لهو أول مسؤول شرعاً أمام الله ثم أمام الناس عن القيام بالأعمال العسكرية المطلوبة ضد نظام الإجرام. فكيف يجلس الآن متفرجاً بحجة أنه ممنوع من الدول، ويدفع الناس بإمكانياتهم المتواضعة إلى قتال النظام المجرم؟!
إن إيهام هيئة تحرير الشام الناس إعلامياً بأن هناك معركةً قادمة على النظام، وطلبَها منهم تقديم ما لديهم، بدعوى أن الهيئة مرتبطة باتفاقات مع الدول، فلا تستطيع هي العمل المباشر، لكن إذا عملت مجموعات من خارجها فيمكن أن تدعمها. إن هذا الإيهام وذلك الطلب وتلك الدعوى ما هي إلا محاولة لإخلاء مسؤولية قادة الهيئة، ولتغطية جرائمهم، ولتخفيف الضغط عنهم، ومحاولة لكشف أوراق المخلصين البعيدة عن أعين قادة الهيئة وأمنييها، وتحريك أوساطهم واختراقها واحتوائهم وتبريد أجوائهم، بإلهائهم بأعمال ما يسمى المقاومة الشعبية، تمهيداً للتخلص منهم والقضاء على حركتهم.
إننا مع أي عمل مخلص ضد النظام المجرم، هدفه تحرير الأرض وحفظ الدماء والأعراض، ولكننا ننبه إلى خطورة الخبث والخداع، ومحاولات امتصاص فورة الناس، واحتواء الحاضنة الشعبية المخلصة، واستنزاف جهود المخلصين، بأعمال خلّبية لا تفيد. فمَن سفك الدماء، واغتصب المال والسلاح، واستولى على قرار الثورة، ثم رهنه لدى الدول، كيف له أن يقول للمندفعين المخلصين اذهبوا فقاتلوا النظام وأنا معكم؟! وإذا نسّق المخلصون مع هؤلاء، وشاركوهم المعلومات، فهل سيأمنون على ظهورهم من غدرهم ومكرهم؟!
فليعلم المجاهدون المخلصون من عناصر الهيئة وغيرها من الفصائل أن القائد الذي يصرح بارتباطه بالدول، وعدم قدرته على الخروج عن أوامرها، غير أهلٍ لأن يكونوا جنوداً تحت قيادته، ويخضعوا لأوامره، لأنه ينفذ من خلالهم إرادة الدول في إنهاء الثورة. وإن قادتكم الذين سفكوا الدماء، واغتصبوا المال والسلاح، بحجة توحيد الساحة لإكمال المعركة، واجب عليكم استعادة قراركم منهم، ومحاسبتهم ومحاكمتهم، ثم ترتيبُ أعمالكم خارج سيطرتهم وسيطرة الدول التي تشغلهم.
وإلى أهالي أبنائنا المقاتلين من جنود الهيئة وغيرها من الفصائل المرتبطة نقول: هذه ثورتنا ودماؤنا وأعراضنا، فجدير بكم إعانة أبنائكم على استعادة قرارهم من قادتهم العملاء، وعدم السماح للمجرمين باستخدامهم في تنفيذ مخططات الدول.
وإننا نثمن ارتفاع الأصوات الداعية إلى فتح المعارك، وإعادة ألق الجهاد، واستعداد أهلنا العظيم للتضحية، لكن ذلك كله يجب أن يكون تحت قيادة مخلصة، قرارها بيدها، وإلا فإنه إضاعة للجهود. ولا ننسى أعمال التحصين والتدشيم وحفر الخنادق على مدى السنوات الماضية كيف ضاعت في طرفة عين، عندما أتت الأوامر إلى القادة المرتبطين بتسليم المناطق.
ولا يقولنّ قائل إننا غير قادرين.. فإذا تسلحنا بالوعي والإيمان، وتجنبنا المخاطر، فنحن أقدر الناس على إحداث التغيير، وإحراز النصر بإذن الله العلي القدير.
فرغم أن قادة الفصائل متآمرون، ومستعدون للطعن في ظهور المجاهدين، وإفشال أي عمل مخلص خارجاً عن إرادتهم وإرادة مشغليهم، ويشهد على ذلك القائد أبو خولة في تادف وأبو حسين بيوش في إدلب وغيرهما من المجاهدين المخلصين، لكننا قادرون على فعل ما نقرر فعله إذا قررنا فعله بإذن الله، وحينها لن يقوى على الوقوف في وجهنا شيء. فقادة الفصائل اليوم باتوا أوهن من أن يستطيعوا الوقوف في وجه تحرك الناس أو أن يطعنوهم في ظهورهم إن أرادوا، لأنهم سيواجهون حينها رأياً عاماً ساحقاً، وإذا حاولوا فستكون نهايتهم بعون الله، فإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
فإذا وجد قادة مخلصون مستقلون، منفكّون عن قرار الدول، مرتبطون بالله ثم بحاضنتهم وثورتهم، وحاضنة شعبية واعية تكون لهم العون والمدد، وجنود أوفياء صادقون مخلصون، واعون على طبيعة المعركة، ومرتبطون بالله متوكلون عليه، يستمدون همتهم من إيمانهم بأن النصر من عند الله، يقاتلون بمال وسلاح طيبين مباركين مما تجود به نفوسهم ونفوس أهليهم وحاضنتهم، مبتعدين هم وقادتهم عن أي ظلم وبغي.. عندها فقط تكون العدة كاملة، وليس بيننا وبين النصر إلا أن ندخل عليهم الباب، فإذا دخلناه فإنا بإذن الله لغالبون، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، والحمد لله رب العالمين.
بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع