اعترفت إيران الشاه بكيان يهود عام 1950، وبعد انتصار ثورة الخميني عليه عام 1979 قطعت العلاقات بين الطرفين، وتحول مقر سفارة كيان يهود بطهران إلى سفارة فلسطين. وتجاوب ذلك مع مطالب أهلها المسلمين المعارضين لتلك العلاقات.
ولكن إيران بعد شن العراق حربا عليها عام 1980 واحتجازها للرهائن الأمريكيين انقطعت علاقاتها الدبلوماسية بأمريكا، فسيراً وراء مصالحها بدأت سراً تشتري من كيان يهود قطع الغيار للطائرات والمعدات العسكرية الأمريكية التي ورثتها من عهد الشاه، ولا يكون ذلك إلا بإذن أمريكا. بل تكشف عام 1986 فيما عرف بفضيحة "إيران كونترا" أنه كان هناك اتفاق سري مع أمريكا لشراء الأسلحة وقطع الغيار لطائرات الفانتوم وآلاف الصواريخ من طراز تاو مضاد للدروع وهوك مضاد للطائرات. وعقد الاتفاق بباريس بين رئيسها بنو صدر وبين بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي ريغان بحضور آري بن ميناشيا مندوب مخابرات يهود. حيث لعبت إيران دورا في إنجاح مرشح الجمهوريين ريغان ونائبه في الانتخابات الرئاسية عندما اتفقوا معها سرا على عدم إطلاق الرهائن إلى ما بعد الانتخابات ليفوزوا فيها ويخسرها الرئيس كارتر مرشح الديمقراطيين.
ومن هنا بدأ دورها في المنطقة، بل عندما ساعدت أمريكا الخميني في إسقاط الشاه وجلبه من باريس ليتسلم مقاليد الحكم عندما تعهد لها بالسير في فلكها. وعندما اندلعت الثورة السورية الأولى في ثمانينات القرن الماضي دعمت إيران نظام الأسد التابع لأمريكا، وأجبرت الفصائل الإسلامية في لبنان مثل حركة التوحيد على الاستسلام له. وفي الثورة السورية الثانية المستمرة منذ عام 2011 أرسلت عساكرها وأشياعها ليقاتلوا أهل سوريا المسلمين الثائرين على النظام والداعين لإقامة الخلافة وحكم الله.
ودعمت إيران أمريكا في احتلالها لأفغانستان والعراق وجعلت أشياعها يؤيدون الاحتلال، وجعلتهم منذ عام 2014 يقاتلون بجانبها المسلمين الثائرين على أمريكا وعملائها، ودعمت الحوثيين الذين دعمتهم أمريكا للاستيلاء على الحكم في اليمن.
ولهذا سمحت أمريكا لإيران بتطوير آلتها العسكرية وبرنامجها النووي لتكون فزاعة لدول الخليج لإحكام سيطرتها عليها وإزالة نفوذ بريطانيا، ودعمت أشياعها في البحرين الذين أقاموا علاقات مع أمريكا. واعتبرت البحرين جزءا منها والخليج منطقة سيطرة لها تهدد بإغلاق مضيق هرمز وتجوبه سفنها الحربية قبالة هذه الدول مع وجود الأسطول الأمريكي الخامس ومركزه البحرين، ولم يقم بضرب قوتها البحرية.
وشمل الخوف منها، الأردن وهي ركيزة أساسية لنفوذ بريطانيا في المنطقة، حيث تنطلق منه وتستخدمه للعمل في سوريا، وكذلك في العراق بعد سقوط عميلها صدام. وكان من أشد المحرضين لصدام لشن الحرب على إيران لإسقاط نظام الخميني وإعادة عميلها الشاه إلى الحكم. وإيران تدرك ذلك، ولكنها لم تستطع العمل في الأردن.
وقد أقامت بريطانيا الأردن ليكون منطقة عازلة لمنع الهجوم على كيان يهود من الشرق. وأكد ذلك، الصفدي وزير خارجية الأردن يوم 30/9/2024 بأنه مستعد ضمن 57 دولة في البلاد الإسلامية ليكونوا ضامنين لأمن كيان يهود. حيث قال: "لن نكون ساحة حرب لأحد"، ففلسطين لا تعنيه، فهو منطقة محايدة! وتصدى نظامه لصواريخ إيران المنطلقة نحو كيان يهود.
وهكذا أصبحت دول المنطقة تخشى إيران التي اعتبرت القوة الإقليمية الكبرى، وهذا لم يعجب كيان يهود الذي يريد أن يكون هو القوة الإقليمية المهيمنة، رغم العلاقات السرية التي أقيمت بين الطرفين ضد نظام صدام الذي كان يعمل لأن يكون هو القوة الإقليمية المهيمنة، وقد ضرب كيان يهود مفاعله النووي عام 1981 بموافقة أمريكية.
وانفضح أمر الجماعات التابعة لإيران في المنطقة بأنها عبارة عن أدوات لحساب نفوذها الإقليمي الذي يخدم النفوذ الأمريكي في المنطقة. وإذا ضرب كيان يهود هذه الأدوات كما هو حاصل في لبنان فلن تحرك جيوشها لنصرتها. فهي تعمل لتحقيق مصالحها على حساب تلك الجماعات، ولا تريد أن تتضرر بخوض حرب مع كيان يهود، الذي يعد العدة ليدمر قواها ومفاصلها الحيوية وخاصة منشآتها النووية والنفطية ومصانعها الحربية والصاروخية. وكان يخطط لشن هجوم عليها بدعم أوروبي منذ عام 2012 ولكن أمريكا أفشلته، وفرضت عقوبات قاسية على إيران لإسكاته وإسكات الأوروبيين.
فكيان يهود لا يستطيع ضرب إيران إذا لم تدعمه هذه القوى وخاصة أمريكا، وإذا تصدت له دول المنطقة بجدية وصدق فلن يجرؤ على ضرب أحد، ومنها إيران، لأنه أجبن من أن يقوم بأي عمل بمفرده.
وإيران لا تقوى على ضرب الدول التي تتعاون مع يهود، ودليله الأردن الذي تصدى لصواريخها مرتين. والإمارات والبحرين تتعاونان مع كيان يهود، وكذلك أذربيجان التي جعلت من نفسها قاعدة لهذا الكيان. وقد صغت لأمريكا بعدم توسيع نطاق الحرب، ولو أنها خاضتها من أول يوم ودخلت قواتها شمال فلسطين من سوريا ولبنان لكانت في موقع عزة.
وأمريكا بقيادة الديمقراطيين تعارض ضرب إيران، وتأكد ذلك من خلال المكالمة الهاتفية التي جرت يوم 9/10/2024 بين رئيسها بايدن ورئيس وزراء كيان يهود نتنياهو الذي أصر على ضرب إيران، فذكرت قناة كان اليهودية الرسمية أن "هناك أزمة ثقة بين الطرفين وخيبة أمل أمريكية تجاه سياسة (إسرائيل)". فظهر بايدن الذي يتفاخر بصهيونيته، بمظهر الرئيس الضعيف، فلم يقم بممارسة ضغوطات حازمة على نتنياهو. حتى إنه طلب مجيء وزير جيش كيان يهود غالانت إلى واشنطن للتنسيق معه فيما يتعلق بالضربة لإيران.
وتخشى إيران مجيء ترامب الذي يزاود على الديمقراطيين بدعم كيان يهود المطلق ويتوعد بفرض عقوبات جديدة عليها كما حصل في فترته الأولى. وقد اعترف بالقدس وبالجولان باعتبارهما جزءاً من كيان يهود وأجبر دولا في المنطقة على التطبيع معه، ونسف مشروع حل الدولتين بصفقة قرنه الخيالية. وإذا وصل للحكم مجددا فسيجبر السعودية ودولا أخرى على التطبيع.
وكل ذلك سيطوق إيران ويحد من نشاطها الإقليمي ويجبر نظامها على تقديم مزيد من التنازلات، حتى في داخلها ومنها التنازل عن تطبيق بعض الأحكام الشرعية التي يطبقها، وتقييد سلطة الحرس الثوري. وهذا يظهر من القيادة الجديدة برئاسة بيزشكيان الذي أعلن استعداده للتصالح مع أمريكا ونائبه ظريف عرّاب أمريكا.
إن سبب ما حلّ بإيران أنها لم تضع دستورا على أساس الإسلام هادفة سيادته، وجامعا لكل المسلمين بدون فروقات مذهبية وقومية، عاملة على وحدتهم في ظل دولة إسلامية واحدة، بعيدا عن موالاة أمريكا ودعم عملائها في المنطقة.
رأيك في الموضوع