إنّ هذه الجعجعات التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين، وخاصةً عن وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، ورئيس حزبها في لبنان حسن نصر الله، باتت لعبةً مكشوفة لا تنطلي على أحد، فهي أشبه بثرثرات إعلامية ليس لها من هدف سوى إثارة الدغدغة الإعلامية للجماهير الغاضبة، وامتصاص الهيجان العاطفي المُصاحب للمجازر الذي يُنفّذها الاحتلال في حق المسلمين الغزيين، ومن ثمّ ركوب موجة ما يُسمّى بمحور المُمانعة والمُقاومة الوهمي والفتّ في عضده، وهو نهج ثابت اعتادت عليه سياسات التدجيل الإيرانية من قبل.
فهذه الجعجعات الإيرانية المُستمرة في الواقع لا تزيد المقاومة إلا خبالا، ولا هدف لها سوى نشر الدعاية الكاذبة عن ارتباط إيران وتوابعها بمحور المقاومة والمُمانعة الوهمي، وهي مُجرد صخب إعلامي رخيص يرمي إلى تلميع صورة إيران البغيضة، ويسعى لتمجيد صورة مليشياتها ومُتعلّقاتها الطائفية المُنخرطة في حروب أهلية مع الشعوب الإسلامية لمصلحة أعداء الأمّة.
ولو تناولنا أهم ما ورد في خطاب حسن نصر الله المُتعلّق بالموقف من دعم المقاومة في غزة والذي ألقاه بعد انتظار طويل، واعتبر مرجعيةً سياسية مهمة تُعبّر عن وجهة النظر الإيرانية في الصراع مع كيان يهود في فلسطين، ويُعوّل عليه الكثير من المفتونين بإيران وحزبها في لبنان الشيء الكثير في دعم المُقاومة في غزة، والانخراط معها في المعركة نفسها وبكل قوة، وتمّت إحاطة الخطاب بهالةٍ من الغموض والدعاية المُضلّلة، وزعم البعض أنّه سيلقي من الكلام ما فيه دُرر وحكم وصواعق، فإذا به يصعقهم بخيبة أمل مُدوّية، جعلت بعضهم يعتذر عن مواقفه السابقة المؤيدة له.
لقد أكّد حسن نصر الله في خطابه هذا على أنّ قرار عملية طوفان الأقصى كان قراراً فلسطينياً خالصاً نُفّذ بدون علم سائر أطراف محور المُقاومة، وكأنّه يقول: بما أنّ القرار كان فلسطينياً خالصاً، فإذاً لا دخل لنا نحن بالمشاركة في الحرب، واكتفى بلعب دور المُساند والمُتضامن، والقيام بمناوشات مسرحية حدودية فقط لرفع العتب، وهو ما يعني أنّ محور المقاومة غير مُوحّد ولا مُتناسق ولا يثق أطرافه بعضهم ببعض، وأنّ ما يُشاع من كلام عن وحدة العمل ووحدة المصير ووحدة القرار في محور المقاومة ما هو إلا مُجرد شعارات جوفاء.
ثمّ ناشد نصر الله في خطابه أمريكا بوصفها المسؤولة عن العدوان (الإسرائيلي) على غزة، وطالبها بمنع اندلاع حرب إقليمية، ودعاها لأنْ تُسارع إلى وقف العدوان على غزة، ولا شك بالنسبة لكل واعٍ سياسي وكل مُقاوم مُخلص أنّ هذه المُناشدة التي وردت في خطابه لأمريكا ما هي إلا سقطة شنيعة لنصر الله ولحزبه ولإيران الداعمة له، فأنْ يتحوّل زعيم (المقاومة) إلى مُناشدة أمريكا ومُطالبتها بأي شيء فهو يدل على أنّه شخص لا يختلف عن حكام العرب المُتخاذلين، وأنّه لا فرق بين حكام دولة إيران التابع لها وبين حكام الدول العربية التي لا تُجيد إلا مُخاطبة أمريكا ومناشدتها، واستخدام عبارات السياسي العاجز من مثل المُناشدة والمُطالبة والاستجداء!
وأخيراً خاطب نصر الله في بيانه الدول والأنظمة العربية وطالبها بالضغط على أمريكا لوقف العدوان (الإسرائيلي) عبر استخدام أوراق قوتها الاقتصادية، ومن خلال المصالح التي تربطها بأمريكا من نفط وغاز وغيرها من إمدادات، وكأنّه لا يعرف أنّ هذه الدول لا تملك من قرارها شيئاً، ولا يعلم أنّها دول تابعة ذليلة، وهو بمخاطبتها بذلك يعترف بها كونها أنظمة عميلة، ويتساوى معها في التبعية والعمالة.
فلو كان نصر الله جاداً في المُواجهة لدخل الحرب فوراً ضد كيان يهود وفي اليوم نفسه الذي دخلت فيه حماس والمُقاومة في غزة، ولأحدث فرقاً هائلاً في النتائج، وربما أدّى دخوله المعركة مُبكراً إلى جعل كيان يهود يستجدي من المقاومة وقف إطلاق النار، لكنّه آثر القعود والسلامة، فهو لا يتحرّك إلا بإشارةٍ من سيدته إيران التي تُنسّق كل أعمالها مع أمريكا، كما كانت تُنسّق من قبل معها في حربي أفغانستان والعراق.
لقد ثبت أنّ مُقاومة جماعات إيران وحزبها في لبنان لا تكون فاعلة إلا إذا حاربت ضد الشعوب الإسلامية في سوريا والعراق واليمن، ولا تؤدي إلى نتائج محسوسة ومُدمّرة ضد مصالح الأمّة إلا إذا كانت تدعم الطواغيت والعملاء الفاسدين كبشار الأسد وحكام العراق الطائفيين.
فقد كان نصر الله يفتخر في اجتياح المدن السورية وتدميرها وقتل أهلها، وكان يتبجح ويقول: "إذا كنا قد أرسلنا ألفا إلى سوريا فسنرسل ألفين وإذا أرسلنا خمسة آلاف سنرسل عشرة آلاف"، فوضع كل قواته تحت تصرف الأسد المجرم للقضاء على ثورة الشام.
فهو يُقاتل بكل شراسة في سوريا مع المجرم بشار بينما يقوم بمناوشات مسرحية مع كيان يهود، فهذا هو مفهوم المقاومة عنده وعند أسياده في إيران!
لذلك فإننا نحذّر إخواننا في حماس وفصائل المقاومة الأخرى في غزة بأن لا يثقوا مطلقاً في حكام إيران وتابعها نصر الله وحزبها في لبنان، فهؤلاء غير موثوقين قطعاً، فهم يُمارسون أعمالهم السياسية بوجهين، ويتعاملون مع أمريكا وعملائها، وينسقون معهم بكل السياسات الخارجية، وهم أيضاً يدعمون طواغيت الدول العربية كبشار الأسد بكل خسة ونذالة، ولا يهمهم شيء إلا خدمة مصالح إيران الفئوية الشعوبية، والاستمرار في تغذية الصراع الطائفي في بلاد المسلمين.
رأيك في الموضوع