إنه لم يعد خافيا أن النظام في الأردن بحكوماته وأجهزته في أزمة عميقة لا يملك خلالها أي طرق للحل أو العلاج، فهو من جهة أمنية وسياسية قد فتح البلاد على مصراعيها للقواعد الأمريكية والأوروبية في طول البلاد وعرضها، ومن جهة اقتصادية فهو لا يفكر في حلٍّ لمشاكله وديونه التي بلغت حوالي خمسين مليار دولار، إلا بالتغول على أقوات الناس وتفريغ جيوبهم بالضرائب الباهظة بحيث أصبحت ميزانيته تعتمد بالكامل على الرسوم والضرائب التي يبدع في جبايتها، وقد أوصل الناس بظلمه ورعونة تصرفاته إلى حال لم يعودوا يطيقون عليها صبراً، فهو على سبيل المثال قد رفع سعر المشتقات النفطية أربع مرات خلال الأربعة أشهر الأخيرة وأكثر من عشر مرات خلال السنتين الأخيرتين، ما أدى بالتالي إلى أن ينتفض الناس في مدن معان والكرك والزرقاء ومأدبا وإربد وغيرها.
وكان رفع سعر المشتقات النفطية بالنسبة للناس كمن يصب الزيت على النار، ما أدى إلى انفجارهم في وجهه، ويشلَّ الإضراب الذي بدأ في أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر واستمر لأيام حركةَ الشحن والنقل على وجه الخصوص، وتبع ذلك مشاركة المحلات التجارية التي أغلقت أبوابها في معان وغيرها، وشمل الإضراب أيضا سيارات الركوب الصغيرة والحافلات المتوسطة ما أدى إلى شل حركة النقل وتعطّل الحياة الطبيعية للناس، وقد فعلت الدولة بأجهزتها الأمنية كل ما تستطيع من أجل فك هذا الإضراب وعودة الشاحنات ووسائط النقل إلى العمل بعد أن وعدتهم بزيادة الدعم النقدي، بالإضافة إلى أنها ستحاول إعادة النظر في أسعار النفط من جديد وإذا كان بالإمكان تخفيضه بعض الشيء، وقد ساعدها في فك الإضراب وشيطنته مقتل بعض من رجال الأمن، تقول الدولة إن قتلهم كان على يد من أسمتهم بالمخربين دون أن تقدم دليلا بالطبع على زعمها إلا رواية تبناها الإعلام (إن الدولة قامت بمداهمة المكان الذي تحصّن فيه أحد المخربين وقتلته بعد أن تبين أنه من قام بقتل العقيد نائب قائد شرطة معان وثلاثة من رجال الشرطة).
إن أهل الأردن قد وصلوا إلى حالة من الاحتقان والغضب لم يعد بمقدور الدولة أن تتغلب عليها، فالأمر بالنسبة لهم لم يعد رفع مشتقات النفط فقط أو الزيادات اليومية في أسعار السلع والخدمات، والتضخم، بل إن الأمر أكبر من ذلك وأعظم، وبالنظر في أسباب الاحتقان والغضب عند الناس، نتبين ما يلي:
أولاً: ينظر النظام إلى نفسه فضلا عن نظرة الناس له أنه نظام وظيفي مستأجر للمحافظة على كيان يهود، وليس هذا بعد وادي عربة وإنما من قبلها، فالنظام منذ نشأته قبل ما يزيد على 100 سنة وظيفته الحفاظ على كيان يهود. والاتفاقيات الأخيرة، الغاز والماء والكهرباء، وقعها النظام مع الكيان الغاصب، والتي ترهن الدولة بالكامل بمزاج يهود فإن شاؤوا قطعوا عنه الغاز والماء، وهذه الاتفاقيات وقعها النظام حتى دون الرجوع إلى مجلس النواب الذي هندسه بيده، ما جعل الناس تنظر له أنه موظف يقوم على أداء وظيفته فقط حتى لو كان ذلك ضد مصلحته.
ثانياً: إن إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين وإشرافهما على حركه الاقتصاد والأسعار في الأردن ساهم في زيادة معاناة الناس وإفقارهم، ولا تكاد الدولة تأخذ قرضا حتى تتبعه بغيره، ليس لسداد القرض السابق وإنما لسداد نسبة الربا عليه، فلم تعد للدولة وظيفة إلا جدولة الديون وبأسعار الربا المرتفعة، وقد وقعت قبل يومين مع صندوق النقد الدولي قرضاً بقيمة 360 مليونا بعد أن وقف الصندوق على ما يسميه إصلاحات في (التشوهات السعرية) في السلع والخدمات بحسب وصفه، فدور الدولة مع الصندوق والبنك الدوليين لا يكاد يتعدى دور تلميذ المدرسة، الذي ينفذ ما يطلبه منه معلمه، فيقوم بحل وظائفه في البيت ليعرضها في اليوم التالي عليه، وهذا الأمر ربما هو ما عجّل في حالة الصدام بين الدولة وبين الناس إذ إنهم بدأوا يدركون أن النظام لا يمتلك أي حل لأزماته ومشاكله إلا بنضح ما في جيوبهم ومقاسمتهم لقمة عيشهم، وبالمقابل فإنه لا يقدّم لهم أي خدمة من تعليم أو صحة، وهو لا يملك حلاً إلا الحل الأمني فقد اعتقل العشرات في أحداث الإضراب الأخيرة.
ثالثاً: إن منظومة الفساد في الأردن برعاية النظام أصبحت متجذرة في طول البلاد وعرضها، فالقوانين توضع لحماية الفساد وجعله قانونيا، وما قول رأس النظام وفعله من أن (الأردن الجديد) مقبل على إصلاحات ستحسن من معيشة الناس وبأن هناك رؤية اقتصادية عابرة للحكومات، ما هذا القول بأكثر من ذر للرماد في عيون الناس بهدف شراء الوقت، وإلا فما معنى أن تقوم شركات تمسك بمشاريع بالمليارات، وتسجل في الصناعة والتجارة، ثم بعد ذلك يكتشف الناس أنها شركات وهمية يديرها أشباح لا يعلم من وراءها، وما انفكت الدولة تعطيها المشاريع تلو المشاريع والتي تقدر بمئات الملايين، والدولة لا توشك أن تفتح ملفا للفساد وتسمح للنواب بالحديث به حتى تغلقه وتمنع النشر فيه أو الحديث حوله، والسيناريو قد حفظه الناس، حيث تعتقل الدولة أحد صغار الفاسدين وتحاكمه لترضي الرأي العام، وتترك كبار الفاسدين ليعودوا سيرتهم الأولى فتعطيهم المشاريع من جديد.
رابعاً: إن النظام في الأردن لا علاج جذريا لمشاكله إلا بعودة تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى وإعادة الأردن إلى أصله الذي سلخ عنه وهو بلاد الشام، فالإسلام يوجب على الناس أن يحتكموا له في كل صغيرة وكبيرة، فلا قواعد أمريكية أو أوروبية تجعل من بلاد المسلمين قاعدة عسكرية أشبه بالمستعمرات، بل إن الواجب أن تتخذ مع هذه الدول وبالذات أمريكا حالة الحرب الفعلية، لا أن تفتح لها القواعد والسفارات ويكون سفيرها في عمان هو الحاكم الفعلي، أما في العلاقة مع كيان يهود الغاصب فإنه لا حل معه إلا بالجهاد الذي يجعله أثرا بعد عين، وليس برهن البلد وقراراته والسلع الاستراتيجية فيه من ماء وكهرباء وغاز بيده، وأما علاج مشكلة الفقر فإن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وضع لها حلا وعلاجا، والفقر لم يكن في بلاد المسلمين في يوم من الأيام ظاهرة ومشكلة إلا بعد أن تحكّم الغرب في رقاب المسلمين وأشرف على إدارة مواردهم وخيراتهم وساعده بالطبع بذلك أشباه حكام، وإلا فإن الخيرات التي قدرها الله في الأرض تكفي حاجات الناس وزيادة، فالأردن ليس بلدا فقيرا بموارده وخيراته وإنما باع النظام وما زال مقدراته ويخصخص شركاته الربحية من بوتاس وفوسفات وغيرهما، بدراهم معدودة مع أنها في الإسلام من الملكيات العامة التي لا يجوز أن يستأثر بها مجموعة من الناس دون الآخرين.
وأخيراً: فإننا نقول لأهل الأردن إنه لا حل لمشاكلهم إلا بتطبيق الإسلام كاملا غير منقوص، وذلك لا يكون إلا بدولة الخلافة، فهي السبيل العملي الصحيح والوحيد لاستئناف الحياة الإسلامية، وإن أي مطالبة أو تحرك لا يجعل الإسلام وتطبيقه هو الحل هو حراك عقيم وسيزيد في الأزمات ولا يحلها، فأي حراك أو تغيير على غير أساس الإسلام والمطالبة بتحكيم الإسلام، هو مخفق لا محالة وستكون عاقبته الخسران، وإن إخوانكم في حزب التحرير يصلون ليلهم بنهارهم ليجعلوا قضية تحكيم الإسلام وإقامة الخلافة هي قضيتكم المصيرية. فلا تقبلوا أن تكونوا عونا للنظام من حيث لا تعلمون، فإن المطالبة بالإصلاح على أساس الدستور الوضعي خطأ وانتحار سياسي، وأي مطلب دون المطالبة بتطبيق الإسلام هو أيضا خطأ وانتحار سياسي وقد أصبح واجباً عليكم بعد أن علمتم تآمر هذا النظام عليكم أن تعملوا على تغييره لا إصلاحه.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
بقلم: الأستاذ محمد تقي
رأيك في الموضوع