التقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في، إثر وصولها إلى السودان برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، الذي خرج علينا في كلمة بثها تلفزيون السودان، معلناً عن بدء حوار بين الأطراف السودانية بهدف تشكيل حكومة مدنية برئيس وزراء مدني، لإنهاء مهام الوزراء المكلفين الآن، يوهم بها الشعب السوداني بأنه سيوافق عليها سياسياً وأنها ستكون مقبولة لدى الرأي العام المحلي والعالمي لإدارة الفترة الانتقالية لحين موعد الانتخابات المزمع عقدها في حزيران/يونيو 2023م.
ويوم الأربعاء 8/6/2022م، بفندق السلام روتانا، بدأت الجلسة الأولى لمؤتمر الحوار السوداني السوداني الذي ترعاه الآلية الثلاثية المكونة من (يونيتامس، والاتحاد الأفريقي، والإيقاد)، وحضر المؤتمر قادة اللجنة العسكرية ممثلة للمكون العسكري، وقوى الحرية والتغيير - مجموعة التوافق الوطني، وبعض الأحزاب، بينما غاب عن الحوار عملاء أوروبا من قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، ولجان المقاومة، وتجمع المهنيين، وبعض الأحزاب التابعة لأوروبا.
إن أمريكا تحرص على عقد هذا الحوار لإيجاد مخرج لقادة الانقلاب الذين لم يحظوا بأي تأييد من الرأي العام، ففي بيان للسفارة الأمريكية نقلته صحيفة السوداني في 09/06/2022م، جاء فيه: "إن الجلسة العامة التقنية المنعقدة هي للحوار الميسر من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد في السودان، خطوة مهمة إلى الأمام". إلا أن أمريكا لم تحصل على مبتغاها، فأعلنت عن مواصلة جلسات الحوار، كما أعلن عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر للصحيفة نفسها أن: "الجلسة الإجرائية للحوار السوداني السوداني التي انعقدت اليوم تناولت القواعد الإجرائية والترتيبات التقنية للمحادثات على أن تتواصل جلسات الحوار يوم الأحد المقبل". والذي جعل أمريكا لا تحصل على مبتغاها من هذا الحوار هو تلك التصريحات التي قدمت عملاء أوروبا وصورتهم بأنهم أصحاب المصلحة، والقوى الفاعلة، فقد قال مبعوث الاتحاد الأفريقي ود لبات: "لا نتصور حلا سياسياً إلا بمشاركة الغائبين عن الاجتماع من الفاعلين السياسيين"، أما فولكر فقال: "إن المشاركين أجمعوا خلال الجلسة على أن القوى المتغيبة عن الحوار هم أصحاب المصلحة، وأن مشاركتهم تعد ضرورة لمواصلة الحوار، والوصول لرؤية موحدة".
وبدلاً من أن تتم مواصلة جلسات الحوار كما هو مقرر، أعلن مسؤول الإعلام ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية (فادي)، بحسب قناتي العربية والحدث: "أن الآلية الثلاثية قررت تأجيل الاجتماع التحضيري المزمع عقده الأحد مع القوى السياسية لأجل غير مسمى". وكعادة أمريكا في تغييرها للأساليب تم الإعلان عن مبادرة أمريكية- سعودية، فقد دعت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في، قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي للقاء المكون العسكري بمنزل السفير السعودي بضاحية كافوري، على شاكلة أسلوب الجزرة والعصا، فتم اللقاء المباشر بينهما، فطالبت (قحت) أن يكون الحوار القادم لإنهاء الانقلاب، وأن رئيس الوزراء لا يأخذ تعليماته من العسكر، فقد قال ياسر عرمان عضو المكتب التنفيذي لـ(قحت) إن اللقاء الذي جمعهم بالعسكر بدعوة أمريكية، فرصة مهمة للجيش للخروج من ورطة الانقلاب بحكمة وشرف"، وأعلنت أن العملية السياسية يجب أن تمر عبر مراحل، أولها إنهاء الانقلاب، ومن ثم تأسيس وضع دستوري جديد يقوم على مدنية الدولة والنأي بالجيش عن السياسة. وهذه المطالب التي عرضتها (قحت) هي التي عجلت بانقلاب البرهان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لأنها خطوط حمراء بالنسبة لأمريكا، إذ إنها تعني جعل الساحة السياسية خالية من عملاء أمريكا، وإفساح المجال لعملاء أوروبا للسيطرة على مقاليد الحكم في السودان.
إن هذا الحوار الذي تقوده أمريكا يمثل قمة الصراع الدولي على السودان، ويظهر ذلك في تشبث كل من قادة الجيش، وقوى الحرية والتغيير بالسلطة، والارتماء في أحضان الكافر المستعمر، والعمل بتوجيهاته، فقد صرح البرهان في اجتماع عقده في القيادة العامة للجيش، في تنوير للضباط من رتبة عميد فما فوق وضباط الدعم السريع: "أن الحوار الشامل الذي تسهله الآلية الثلاثية يمثل المخرج الوحيد للعبور بالبلاد في الفترة الانتقالية" (صحيفة السوداني 16/06/2022).
غير أن المخرج الوحيد لمشاكل البلاد لا يكون، كما يدعي البرهان، بالحوار الذي وراءه الكافر المستعمر. إن أهل السودان لا يعنيهم هذا الحوار، ولا يعولون عليه كثيراً، وعندما حاولت حكومة حمدوك السابقة فرض العلمانية، وإدخالها في مناهج التعليم الابتدائي، ثار الناس وأجبروه على تجميد المنهج، وذلك لأن أهل السودان مسلمون، ولا يقبلون أن يتطاول على عقيدتهم أحد، وكذلك عندما حاولت الحكومة فرض المثلية، وتطبيق اتفاقية سيداو، ونشر أفكار الحريات، والتطاول على أحكام الميراث، علق بعضهم "أن هؤلاء كفار عديل"، وهكذا إلى أن أسقطها الجيش فذهبت حكومة حمدوك غير مأسوف عليها.
أما العسكر فرغم محاولاتهم المتكررة لكسب ولاء الشعب، عبر الإدارات الأهلية، والتقرب إليهم بتقديم بعض الخدمات، إلا أن أهل السودان مجمعون على رفضهم، ويسخرون عند كل دعوة للجمع بين المكون العسكري والمدني لاشتراكهما في صناعة هذه المشاكل التي تعج بها البلاد.
إن دعوات الحوار هذه هي من الأساليب الخبيثة التي تلهي الناس عن الحل الصحيح، فضلاً عن أن الذي يقودها ليست الأمة ولا علماؤها، ولا المخلصون من أبنائها، وإنما المستعمر نفسه، والعملاء الذين لا هم لهم غير إرضاء الكافر المستعمر والعمل بتوجيهاته للبقاء في كراسي الحكم وتوزيع المناصب فيما بينهم، فيجب التوقف عن دعوات هذا الحوار، وعدم المشاركة فيه لأنه كالمنبتّ، فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، فكم من مؤتمرات وحوارات عقدت في بلاد المسلمين وكانت نتيجتها صفراً كبيراً؟!
أما الناحية العملية لإنهاء الأزمة في السودان، فتتمثل في أن يقوم المخلصون في الجيش بركل كل المجرمين المتآمرين على البلاد جانباً، وإعطاء النصرة لحزب التحرير ليقيم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لترجع الأمة إلى مقولة "أبسط يدك أبايعك" فتتم مبايعة خليفة أميراً للمسلمين يطبق الإسلام كاملاً، وبذلك ترفع الأمة عن نفسها إثم الميتة الجاهلية، وتعود الحياة حياة إسلامية، والسياسة سياسة شرعية، والوسط السياسي هم رجال كأمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح، وعمر بن الخطاب، وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.
بقلم: الدكتور أحمد عبد الفضيل – ولاية السودان
رأيك في الموضوع