إن المتتبع لما جرى ويجري في ثورة الشام من أحداث منذ انطلاقتها حتى اليوم يتبين له بوضوح حجم محاولات أعدائنا لتثبيت نظام الإجرام عبر بوابة الحل السياسي الأمريكي.
ونستذكر بعض هذه الأحداث التي حصلت في الفترة الماضية للفت الانتباه لها والتحذير من خطرها:
- التضييق على الثائرين غير المرتبطين الذين لا زال همهم إسقاط النظام، وملاحقة واعتقال كل من يريد فتح جبهات ضده، وحادثة اعتقال أبي خولة ما زالت ماثلة للعيان. إضافة إلى محاولات خنق صوت كل صادع بالحق، واعتقال حملة الدعوة العاملين لإقامة الخلافة.
- إرهاق كاهل الناس بالضرائب والمكوس، واحتكار المحروقات وغيرها من البضائع لتجار وشركات معينة، حتى وصل الحال بالحكومات الوظيفية إلى التضييق على الناس برغيف الخبز.
- محاولة فتح المعابر مع النظام لشرعنته والتمهيد للعودة لحكمه، بإدخال المساعدات من مناطقه باتجاه المناطق المحررة.
- احتكار المنابر لخطباء على مقاس من عيّنهم، إلا من رحم ربي، حتى لا يضعوا أصابعهم على الجرح ويشخصوا مرض الأمة وطريق خلاصها.
- ملاحقة الكثير من الشرفاء والصادقين الذين يطالبون باستئناف مسيرة الثورة ودفع بعضهم لتقديم اعتذار عن قول كلمة الحق تحت الضغط والتهديد، وتغيير أقوالهم بما يناسب هوى القادة والداعمين.
- إفساد العملية التعليمية وتدني أجور المعلمين وعدم الاستجابة لمطالبهم وتوزيع كتب لطلاب المرحلة الابتدائية فيها إساءة لنبينا ﷺ، لجس نبض الشارع وقياس ردات الفعل لدى الثائرين في المحرر.
- دخول صحفيين وشخصيات غير مرغوب بها لدى أهل الشام وتجولهم في المحرر والجلوس معهم، كمارتن سميث وأضرابه، في الوقت الذي يتم فيه تهديد واعتقال من يصور معاناة الناس ويدعو لحل مشاكلهم.
- حماية دوريات روسيا الحاقدة على الإسلام والمسلمين، والتي كانت ولا تزال طائراتها تلقي بحممها بحقد على أهلنا في المحرر.
- إطباق الخناق على كل من يُخشى من خروجه من جديد في وجه الظالمين، من القرى والمدن التي لها بصمة واضحة في الثورة.
- السماح باجتماع لمجلس الكنائس في الشمال وبثه المعتقدات والأفكار التي تحارب الإسلام، والتمهيد لذلك لإفساد المجتمع وتضليل الناس.
وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره، وكل ذلك ليس من قبيل المصادفة أو الخطأ، إنما هو تمهيد وترويج وتبرير للقبول بجريمة الحل السياسي الأمريكي الذي يثبت أركان نظام الإجرام ويعاقب كل من خرج في ثورة الشام.
هذا بالنسبة للمناطق المحررة، أما في مناطق سيطرة النظام، فهناك قمع لكل نفس ثائر يريد رفع صوته ضد تغول طغمة الإجرام، كما حدث في حوران والغوطة، فحصار درعا استمر ما يقرب من ثلاثة أشهر ومنع دخول أي شيء حتى الدواء، مع قصف المدينة بمختلف الأسلحة، وحشد كل الطاقات لتركيع حوران بأكملها وإخضاعها للنظام المجرم. وما حدث من اعتقالات ومداهمات في الغوطة وحمص لإخماد النفس الثوري فيها وجعل الخوف يملأ نفوس الناس دليل على استمرار إجرام النظام لتركيع الناس ومنع كل تحرك.
وأما سياسياً، فقطار التطبيع مع نظام الإجرام سائر وتزداد سرعته بدفع أمريكي. حتى إن بعض الدول العربية أعادت علاقاتها مع النظام المجرم، كالإمارات والبحرين، مع محاولات محمومة لشرعنته وإعادته إلى الجامعة العربية. واتصالات بين النظام وحكام الأردن والعراق وغيرهما، مع تمثيل رسمي له في الأمم المتحدة، وها هو وزير خارجيته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يلتقي بما يقارب العشرين من نظرائه عرباً وعجماً. كل ذلك لتمرير جريمة الحل السياسي الذي تروج له أمريكا وأدواتها على أنه سبيل خلاصنا الوحيد وهو لنا الموت الزؤام.
ومن المؤامرات أيضاً، مكيدة صياغة دستور جديد في سوريا عبر ما تسمى (اللجنة الدستورية)، تأكيداً على علمانية الدولة عبر بنود تعلن الحرب على أحكام الإسلام.
والغاية من كل ما سبق هي تثبيت أركان النظام ومؤسساته الأمنية والعسكرية، لإعادة الناس إلى حكمه وبطشه، ومحاسبة كل من سولت له نفسه الخروج عليه، وفتح أبواب الأفرع الأمنية لتستقبل الثائرين رغم أن عشرات آلاف المعتقلين والمعتقلات لا يعرف مصيرهم ولا يكاد يطالب أحد بهم.
إن مكر المتآمرين بإذن الله سيبور ولن يتحقق ما دام في مسلمي الشام عرق ينبض، فللثائرين عبرة بما حصل قبلهم في مصر وتونس وليبيا واليمن.
فالحذر الحذر يا أهل الشام وإياكم والقبول بهذا الدستور الوضعي المسموم، وإياكم والقبول بحل سياسي استسلامي ينضح بسمومه؛ حل يباركه المجتمع الدولي الذي يشاهد ما فعله النظام بكم وهو الذي يمده بكل سبل البقاء وأسباب الحياة للحيلولة دون سقوطه. واعلموا أن خلاصكم واحد لا ثاني له، ومفتاح بابه التفافكم حول مشروع خلاص ينبثق من صميم عقيدتكم، مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الذي به وحده تحافظون على دينكم وأعراضكم وكرامتكم، وبه تحافظون على أموالكم وأولادكم. وليس لكم عزة إلا به كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله". مشروع نقيم به حكم ربنا ونوحد به جموع أمتنا عبر دولة تتوق لعودتها نفوس المسلمين، ويعمل لها الصادقون؛ دولة تحفظكم وتؤمن لكم كل سبل الحياة العزيزة الكريمة، بدستور إسلامي خالص يرضي ربكم ويسخط عدوكم.
وها هو حزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، والذي خبرتموه في مختلف الظروف، يمد إليكم يديه ويقدم لكم مشروع دستور مستنبط بشكل كامل من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، راجياً منكم تبنيه ونصرته، وهو يدعوكم لتبنيه والعمل لتطبيقه في ظلال دولة نقيمها على أنقاض النظام البائد بجهود الصادقين المخلصين. فهلم لعز الدنيا ونعيم الآخرة بإذن الله، لنقيم معاً حكم الإسلام رغم أنف نظام الإجرام ومن وراءه من أنظمة الكفر والقهر والطغيان، مستبشرين بقوله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». وحسبكم وعد ربكم سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
رأيك في الموضوع