ولد يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما يوم 27/11/1952م في حي هايد بارك بمدينة شيكاغو، لأسرة من أصول يابانية ونشأ في بيئة محافظة، انتمى فوكوياما إلى معسكر المحافظين الجدد في أوج قوتهم فكان أحد موقّعي رسالة موجهة للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، تطالبه بإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وفي عام 1989 نشر في دورية "ناشونال إنترست" مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة، فتحت عنوان "نهاية التاريخ" كتب يقول: "إن تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى بغير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية". ومنذ عام 2004 انقلب فوكوياما على مواقفه السابقة، وأصبح من منتقدي الغزو الأمريكي للعراق، ووجه انتقادات لاذعة للمحافظين الجدد وأعلن تنصله التام منهم.
وفي عام 2006 أصدر فوكوياما كتابا آخر بعنوان: "أمريكا على مفترق طرق: الديمقراطية، السلطة، وميراث المحافظين"، وتحدث فوكوياما عن مسألة الانحدار السياسي عندما تصبح الدولة بمؤسساتها غير قادرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة، واعتبر "أن ماكينة الديمقراطية الأمريكية قد أصبحت مصابة بنزلة برد شديدة، وأن ازدياد سطوة المال السياسي وتنامي نفوذ اللوبيات والدور المبالغ فيه للدعاية الإعلامية من العوامل التي زادت تشوهات النظام الديمقراطي الأمريكي" وانتقد فوكوياما في كتابه بشدة تنامي نفوذ جماعات المصالح (اللوبيات)، الأمر الذي حوّل حسب رأيه الدولة الفيدرالية الأمريكية إلى دولة بلا عضلات في مواجهة الأمراض التي تتخبط فيها.
كانت هذه المقدمة ضرورية للوقوف على مكانة الكاتب حتى لا يقال إنه من اليسار الأمريكي أو من أعداء أمريكا بل الرجل هو أحد العقليات الفكرية، والتي ينظر لها نظرة عالية بدليل حديث العالم عن كتابه "نهاية التاريخ" والذي كان أبرز الكتب آنذاك.
أبرز النقاط التي تحدث عنها المقال:
١- سوف تبقى أمريكا قوة عظمى لسنوات عديدة، لكن مدى تأثيرها سيعتمد على قدرتها على إصلاح مشاكلها الداخلية، أكثر من اعتماده على سياستها الخارجية.
٢- استمرت فترة ذروة الهيمنة الأمريكية أقل من 20 عاماً، من سقوط جدار برلين في العام 1989 إلى وقت قريب من الأزمة المالية العالمية في 2007-2009.
٣- كانت درجة أحادية القطبية في تلك الفترة من النوع النادر نسبياً في التاريخ، وكان العالم يعود إلى حالة أكثر طبيعية من التعددية القطبية منذ ذلك الحين، مع اكتساب الصين وروسيا والهند وأوروبا ومراكز أخرى في العالم المزيد من القوة مقارنة بأمريكا.
٤- التحدي الأكبر بكثير لمكانة أمريكا العالمية هو تحد محلي، حيث المجتمع في أمريكا مستقطب بشدة، وقد وجد صعوبة بالغة في العثور على الإجماع على أي شيء تقريباً.
٥- لقد امتدت هذه الصراعات الداخلية إلى جميع جوانب الحياة الأمريكية.
٦- يعتقد نصف الجمهوريين تقريباً بأن الديمقراطيين يشكلون تهديداً لطريقة الحياة الأمريكية أكثر من روسيا نفسها.
٧- ستكون تايوان اختباراً أكبر بكثير للسياسة الخارجية الأمريكية من أفغانستان، في حال تعرضت الأولى لهجوم صيني مباشر، هل ستكون أمريكا مستعدة للتضحية بأبنائها وبناتها من أجل الحفاظ على استقلال تلك الجزيرة؟ أو في الواقع، هل تخاطر أمريكا بخوض نزاع عسكري مع روسيا إذا قامت الأخيرة بغزو أوكرانيا؟ هذه أسئلة جادة وخطيرة ليست لها إجابات سهلة.
٨- لقد ألحق الاستقطاب مسبقاً ضرراً بليغاً بتأثير أمريكا على المسرح العالمي، ناهيك عن الضرر الذي يمكن أن تلحقه الاختبارات المستقبلية (تايوان وأوكرانيا وغيرها) من هذا النوع.
٩- أكبر كارثة سياسية جلبتها إدارة الرئيس جو بايدن خلال الأشهر السبعة التي قضاها في منصبه هي فشلها في التخطيط بشكل مناسب للانهيار السريع لأفغانستان.
١٠- اقترح الرئيس بايدن أن هذا الانسحاب كان ضرورياً من أجل التركيز على مواجهة التحديات الكبرى القادمة من روسيا والصين في المستقبل، وآمل بأن يكون جاداً في هذا الصدد. في السابق، لم ينجح باراك أوباما أبداً في إحداث "إعادة تمحور" نحو آسيا لأن أمريكا ظلت تركز على مكافحة التمرد في الشرق الأوسط.
١١- من غير المرجح أن تستعيد أمريكا مكانتها المهيمنة السابقة، ولا ينبغي لها أن تطمح إلى ذلك، ولعل ما يمكنها أن تأمل فيه هو الحفاظ، مع البلدان ذات التفكير المماثل، على نظام عالمي صديق للقيم الديمقراطية.
هذه جملة من الأفكار والنقاط ذات التركيز العالي والخطير كتبها المؤلف، والرجل على علم واسع لما وصل إليه المجتمع الأمريكي، وكل نقطة منها تحتاج بحثاً ووقوفاً عندها خاصة مسألة الاستقطاب الداخلي وأثره على تماسك المجتمع في أمريكا داخلياً وأثره على قوة تماسك السياسة الخارجية في ظل مجتمع غير متجانس ومقدم على اختبارات ذات خطورة عالية جداً مثل تهديدات الصين لتايوان وروسيا لأوكرانيا.
إن هذه المقالة وغيرها من المقالات والكتب التي تحدثت عن بداية أفول أمريكا لا تعني سقوطها ذاتياً ولا فكرة الانهيار الذاتي، وهي ينبغي أن تقرأ بدقة حتى لا يُظن أن أمريكا انتهت؛ بل هي لا زالت الدولة الأولى عالمياً، والفرق بينها وبين من يليها كبير جداً، والحديث بالتمني ليس بحثاً سياسياً بل ينبغي قراءة الواقع بدقة ومعرفة أن هذه وغيرها تتحدث عن أمراض ومعضلات كبيرة ولا ينبغي التقليل من شأنها كذلك إذ التقليل من أثر هذه المشاكل إذا لم يتم تداركها وحلها فإنها ستكون ذات تأثير كبير واضح على السياسة الداخلية والخارجية، إلى أن يقيض الله دولة مبدئية ذات تطلع عالمي تمتلك القرار والإرادة والإمكانيات لتخرج هذا الكيان الذي أحاطت به المشكلات داخلياً وخارجياً كما حدث مع غيرها مع الدول؛ فأمريكا تناقش اليوم مدى تأثير صعودها القوي وبروزها والتهديدات العالمية مع مجتمع منقسم على ذاته أخفق في مسألة تداول السلطة في الانتخابات الأخيرة والتي تمت مقارنتها بجمهوريات الموز.
لقد بنى الإسلام كيانه السياسي على العقيدة الإسلامية وجعلها أساس الدولة، إذ ورد في مقدمة الدستور الذي أعده حزب التحرير في المادة الأولى: "العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلاّ بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يُسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية".
رأيك في الموضوع