في اليوم الثاني للتظاهرات التي عمت السودان، كشفت لجنة التمكين عبر مؤتمر صحفي عن ملامح المخطط التخريبي الذي كانت عناصر النظام السابق تخطط للقيام به، فقد كشفت على لسان متحدثها وجدي صالح عن مخطط لتنفيذه داخل المسيرة السلمية، وربما في أماكن غير متعلقة بها؛ فقد أشار إلى أن المخطط شمل إدخال عناصر من النظام البائد للخرطوم قادمين من بعض الولايات، غير أن الشرطة قامت بعمليات مداهمات في الساعات الأولى من الصباح اعتقلت فيها مجموعة من تلك الخلايا التخريبية، الذين قدموا من ولايات وكانت بحوزتهم مبالغ مالية من فئة 200 جنيه وتحمل أرقاماً متسلسلة مشيراً إلى أنه لا بد من التحقيق حولها، في حين وصفها البعض بأنها مزورة وقد تكون من ضمن عمليات التخريب الاقتصادي التي ظلت تقوم بها عناصر النظام البائد. (الانتباهة، 1 تموز/يوليو 2021)
لقد ثار أهل السودان من قبل مرات عدة، ووقفوا في وجه الظلمة، وقدموا التضحيات العظيمة، لكن وبكل أسف لم يتغير الحال، وها هم يخططون لثورة أخرى عبر الاحتجاجات على الأوضاع المزرية التي يعيشونها، ولكن قبل ذلك يجب أن يتعلموا من التاريخ أن مجهوداتهم دائما تسرق، وثوراتهم يلتف عليها لأسباب عدة، أهمها عدم وجود مشروع مبدئي لرفع الظلم، فما دامت المطالب لا تحقق فحتما المشروع فاشل، فيجب الاتعاظ بما قد سلف وإلا فالنتيجة لا تتغير.
وعلى مر السنين والثورات في السودان لا تهدأ إلا قليلا فتسرق الثورة ويستغلها العلمانيون الذين حكموا منذ الاستقلال المزعوم، أصحاب مشروع الدولة الوطنية الفاشلة، حراس مصالح الغرب الكافر، الذين يخططون مع الأعداء، في حين يتهمون الشعب الثائر بالتآمر وهم في العام الماضي كانت الحكومة الحالية يقضي قادتها الأوقات الطويلة في أوكار التآمر أي السفارات الأجنبية عاكفين على تشكيل حكومة وطنية تحل محل الحكومة السابقة مرتبطة بالمنظمات الدولية وقوانينها الوضعية التي لا هم لها إلا استغلال الشعوب ونهب ثرواتهم، وقد كانت حكومة الإنقاذ في وضع إطلاق الاتهامات من تآمر وتخابر مع جهات خارجية وهم في ذلك لا فرق بينهم. وإذا سقطت هذه الحكومة سيعاد السيناريو نفسه فيعاد بناء دولة الجباية الرأسمالية التي لا تعرف معنى للرعاية، وتستدين بالربا من صناديق صناعة الفقر والجوع والموت الدولية، دولة الأحزاب الحاكمة المتنافسة في إرضاء الأسياد بتقديم الشعوب قرابين لسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين الماكرين، التي دفعت الناس من أجل تحصيل حقوقهم أو سعياً لرد الظلم عن أنفسهم، دفعتهم إلى الخروج في هذه الاحتجاجات وهم يعلمون أنها مجازفة بالحياة، ومع ذلك دائما ما تعلن الأنظمة المتعاقبة بأن هناك مخططا، وتخون المتظاهرين وتشيطنهم، وتعتقل منهم، وتضرب وتسحل، كل ذلك للمحافظة على الأوضاع المزرية هذه، إنها أنظمة أرهقت الناس بأشكال من القمع مختلفة وأرهقت ذاتها وهي تدافع عن شرعية مفقودة بأدوات تفتقر إلى الشرعية، تبادلت الأنظمة ومعارضيها العداء المستحكم، ويتغير الأمر حسب المعطيات الخارجية الضاغطة باتجاه تغليب مصالحها فيلعب أحد الأطراف دور الجلاد والآخر دور الضحية.
هؤلاء الساسة المتلاعبون بمصير الأمة يجلسون مع ألد الأعداء في التسويات الباطلة على أساس شريعة الغاب، يفرض فيها القوي رغباته ونزواته على الضعيف فتظفر دولة متصارعة على حفنة من المرتزقة داخل الحكومة المسماة وطنية زوراً، وتحصل أخرى على آخرين فيكون صراعا دوليا بأدوات محلية وتضيع آمال وأحلام الحياة الكريمة وتوفير لقمة العيش، وتكون التضحيات قد راحت سدى، والساسة يبدعون في لعب أدوارهم في نظرية المفكر الأمريكي ويليام غاي كار في كتابه "أحجار على رقعة الشطرنج" حيث حوّل البشر إلى أحجار على رقعة هذا العالم يمكن تحريكها والتلاعب بها، من لاعبين غير مرئيين، من أجل تدمير الحكومات والأديان.
واستمر الحال منذ اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور والمؤامرة تحتلّ حيزاً لا يُستهان به في السودان وكل دويلات المسلمين على أنها الأساس لكل ما يحدث من ويلات وحروب، فالمؤامرة الاستعمارية الهادفة إلى تفتيت المفتت وافتعال حروب وصراعات بين شعوب المنطقة لإضعافها، وتحويلها إلى كيانات طائفية وإثنية، هي الخط العريض لكثيرٍ من القوى السياسية المحلية التي توثّق فيه خطابها السياسي، وبعد مرور نحو قرن من الزمن، ما زالت مؤامرة سايكس بيكو سارية المفعول، ولم يتصرف أحد لإفشال المخططات التآمرية، بل أخذت الشعوب تندمج في دورها المرسوم بدقة وتتقاتل لتكرس فكرة تقسيم المقسّم، وكأن الشعوب والدول مجرد دمى على مسرح العرائس تشدّ خيوطهم من خلف الكواليس أيدي المؤامرة الافتراضية. إن أنظمة الإسلام العادلة هي سبيل الخلاص مما تعانيه الأمة من قهر وتآمر داخلي وخارجي، وذلك ببسط سلطانها، وتجفيف بؤر التآمر؛ من سفارات ومنظمات دولية طامعة في بلادنا.
في ظل دولة الخلافة الراشدة كل الأمور تسير وفق شرع الله ولا مكان لأي تآمر داخلي أو خارجي فالدولة تقوم بتطبيق الإسلام، وهو أساس الدستور والقوانين وأجهزة الدولة وكيانها، وهذا يجعل نظرة الناس للقوانين نظرة شرعية تعبدية، ولأن الأمة تدرك وتعلم علم اليقين أن الله عليم خبير بما يَصلح لها ويُصلح حالها، وعادل فيما شرعه لها، فتكون مطمئنة مستسلمة لحكمه وتشريعاته حتى إن ابتليت في معاشها، أما النظرة لمن هم في سدة الحكم فتكون أنهم أمناء على الأمة وأن عملهم تعبد الله في إحسان رعاية شؤونها وخدمتها، وأنهم مسؤولون عنها في كل صغيرة وكبيرة، وعملهم مسؤولية وحمل ثقيل عليهم وأمانة عظيمة في رقابهم وليست رفاهية وجمعاً للمال والثروة وامتلاكاً للقوة والسطوة واتهام الغير، وهذا يجعل الدولة والحكام والرعية في حالة انسجام؛ فالدولة تأمر، والرعية تطيع وتحاسب، والدولة تستمع وتبذل جهدها في تلافي الأخطاء ورفع الظلم.
وهكذا كان الحال في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم، وفي ظل وجود حالة الانسجام تلك بين الناس والنظام القائم لا حاجة لأن تلجأ الدولة للتهويل والتضخيم واللعب على وتر غريزة البقاء لإقناع الناس بوجود مؤامرة.
القسم النسائي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع