قُتلت هذه الأنظمة ما أكفرها! وكأنك بها مسرح للويلات ومعرض للرذائل، فهي على الحقيقة الترجمان الدامي لصنيع إجرام الغرب فينا، والطريقة العملية لنظريات الانحطاط المجتمعي، وفن من فنون التسفل ودرب من دروب الطبقات السفلى للحياة. لا تكاد تبصر في حكامها إلا كبار اللصوص وأهل الإثم والشر والفساد والإفساد، عددا بعدد دويلاتهم وويلاتهم، فهم شر البلية والمصيبة التي تأكل كل المصائب، بهم تتعدد معاني القحط والجدب والوباء والفقر والعداوة والبغضاء والآثام والرذائل، فهم طرف من كل جائحة وسبب من كل آفة، بهم تضيق جوانب الصبر على سعتها وانفساحها، حتى ترى شبابا في مقتبل العمر يخوضون الموت في ركوب البحر خلاصا من قهرهم وجورهم وفسادهم وإفسادهم. فهم والله مَحْق للصبر وذهاب للسكينة وفساد للرأي وفتق للعزيمة، حتى ترى المصاب بكَلِبِ جوعهم وقهرهم وجورهم وكأنه مجنون بشيء أكبر من الجنون.
وذلك الذي كان، مدينة الفنيدق شمال المغرب تفطر حزنا وكمدا على نبأ غرق أبنائها هربا من جحيم أوضاعهم، مدينة يقتات أهلها كفافا على تبضع المدن المجاورة من أسواقها، فإذ بالرويبضة الحاكم في سفه سياسة وطيش رأي وانعدام بصيرة يغلق كل منافذها على الخارج تحججا بفزاعة كورونا، ثم يتركها هملا ونهبا للفقر والجوع، فأضحت مقبرة لأهلها عدد نعوشها بعدد أبنائها، فانتفض أهلها ولكن أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، فضاقت بأبنائها السبل فلم يبق إلا البحر مركبا ونعشا.
فنظام الرويبضة سادر في غيه وحماقاته، يشكو الناس الفقر والعوز وغلاء المعيشة وانعدام الدواء وفساد التعليم وظلم القضاء وجور البطانة والإدارة وحيف وبطش الشرطة وأعوان السلطة. غير أن العجيب الذي ما يقضي منه عجبا، أن ترى سقط المتاع من سياسيي النظام ورخيصي إعلامييه صماً بكماً عمياً لا يعقلون من قضايا الناس شيئا، منطق الواحد منهم في لغو الحديث عن إلغاء عقوبة جريمة الزنا بالتراضي، وتقنين الحشيش، والحق في الردة، وإلحاق نسب أبناء الزنا بالزناة، وتغيير فروض المواريث، وتجريم زواج الفتيات دون سن الثامنة عشرة، وحرية التفحش والفجور والمجاهرة بمعصية ديان السماوات والأرض بالإفطار علنا في شهر رمضان، والحكمة السياسية من إغلاق بيوت الله ومن اعتناق الخيانة دينا والتطبيع مع كيان يهود طريقة ومذهبا!
لك أن تذهل من هول فاجعتنا وحر مصيبتنا بهكذا رويبضات، عشرات الشباب يرمون بأنفسهم في لجة البحر فرارا من قهر النظام في نزوح جماعي نحو سبتة المحتلة من الإسبان، فُقِدَ العديد منهم في قعر البحر وعثر على غرقى منهم، وكأنك بهذا النظام قد سن للناس من المصيبة نهجا ومن ركوب البحر هربا من جوره وقهره طريقة ومسلكا. وكأنك بفواجع الناس تتكرر ففي رمضان المنصرم أفطر أهل قلعة السراغنة شمال مراكش حزنا وكمدا على نبأ غرق العشرات من أبنائهم خاضوا الموت بحرا هربا من قهر وجور هذا النظام.
ولك أن تذهل أمام قبح الفجيعة متى علمت أن هذا البلد يزخر بكل أنواع الخيرات والثروات، والتي تكفلت أنظمة الجور والفجور بتحويلها إلى نقمة وبدلت نعمة الله كفرا وأحلت أهله معيشة ضنكا. فالمغرب يزخر بموارد معدنية هائلة، فهو ثاني أكبر منتج للفوسفات وأول مصدر له، ويقدر مخزونه من اليورانيوم المستعمل في الطاقة النووية والمستخرج من فوسفات البلد بضعف المخزون العالمي، وهناك مناجم الذهب بتزنيت وورززات وطاطا وهي نهب للنظام والشركات البريطانية والكندية، وفيه أكبر مناجم للفضة والرصاص بأفريقيا، وثاني ورابع منجم للزنك والباريوم بأفريقيا، ومناجم أخرى بمخزونات وافرة كالحديد والبارين والمنجنيز والكوبالت والنحاس والأثمد والفليور والقصدير والتيتانيوم ومعادن أخرى نادرة كمعدن الليثيوم المستعمل في البطاريات عالية الجودة للسيارات الكهربائية المستقبلية، فضلا عن الإسمنت والطين الهذبية والفحم، وحقول النفط والغاز المسكوت عنها والتي تتكالب عليها الشركات الأوروبية والأمريكية.
ثم ثروة بحرية هائلة يكفي خبر اتفاق الصيد البحري مع أسطول مجموع الدول الأوروبية الذي صَيَّر البحر نهبا لدوله، وكذلك ثروة فلاحية تقدر مساحتها الزراعية بـ95 ألف كيلومتر مربع (أكثر من 3 أضعاف مساحة بلد كبلجيكا)، وموارد مائية مهمة سطحية وجوفية، وأنهار عظيمة (سبو، أم الربيع، ملوية، درعة...)، وأحواض جوفية متجددة تغذيها سلاسل جبلية. هذا غيض من فيض لثراء البلد أخذا بعين الاعتبار شح المعلومة وطمس خرائط الثروة وضعف اكتشاف الموارد.
في حين ينخر الفقر جسد المجتمع، فقد كشف تقرير رسمي عن المفوضية السامية للتخطيط أن معدل الفقر ارتفع إلى 45% من ساكنة البلد، ورصد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لسنة 2019 الصادر عن الأمم المتحدة أن نسبة أهل المغرب الذين يعانون الحرمان الشديد بلغت 45.7%. هذه أرقامهم والحقيقة أقبح وأبشع والجريمة أشنع!
وأعجب ما أرى شعب نحيف *** يسوس قطيعه راع بدين
هي رزيئتنا بشر الرعاء الحطمة، ما كانوا فينا إلا أسباب فقر وجهل وانحطاط، فيهم قيل:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها *** فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
هو حالنا مع أنظمة الجور والفجور، إما أن تمغص بطوننا بالجوع والمرض أو تمغص ظهورنا بعصي جلاوزتها، نحن والدنيا خصمان ليس من ورع وزهد ولكن من قهر حكام الجور وفقر إفقارهم لنا.
وإن أردت العجب فاعجب لحال المسلمين وقد تولى أمورهم شرارهم وفاضت لئامهم ونطق فيهم الرويبضة وملك أمرهم العدو الكافر واعتلى منابرهم فقهاء السوء الكذبة، ضياع تتقاذفهم يد عميل خائن ليد خائن عميل، أرضهم جنة للعدو الكافر مسغبة عليهم، خيراتهم وثرواتهم نهب للكافر المستعمر وأذنابه ولهم قصعة سوداء خبزها من عرقهم وإدامها من دمهم.
أيها الأهل في المغرب:
آن لكم أن تقدروا حقيقة التبعات الخطيرة المدمرة لهاته السنين العجاف من حكم الرويبضات وضياع إسلامكم وغيابه عن دفة الحكم والقيادة، تجاه أنفسكم وأمتكم والبشرية جمعاء. آن لكم أن تنتزعوا سلطانكم المغصوب من هكذا رويبضات يسومونكم سوء العذاب، ببيعة إمام عادل راشد على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ يعمل فيكم بسيرة الراشدين في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة فهي والله خلاصكم وعزكم وحياتكم وطيب عيشكم وقبل كل هذا رضا ربكم. لهذا الفرض العظيم ندعوكم وللعمل من أجله نستحث هممكم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
رأيك في الموضوع