لم تكن السياسة الخارجية الإيرانية يوماً تصب في صالح الشعوب الإسلامية، فمنذ سيطرة الخميني على الحكم عام 1979، والإعلان عما يُسمّى بالثورة الإسلامية، لم تُساهم السياسات الإيرانية إلا في تدمير البلاد الإسلامية، وتسليم زمام القيادة فيها لأمريكا، وذلك كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وسبق أن اعترف مسؤولون إيرانيون بذلك بكل صراحة، ومنهم محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني الذي قال في 15/01/2004: "لولا الدعم الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق بهذه السهولة"، فوقفت إيران بجانب أمريكا في احتلالها لأفغانستان والعراق، ووقفت بجانبها في دعم بشار الأسد ووأد ثورة أهل الشام.
واليوم يُطل علينا وزير خارجيتها محمد جواد ظريف فيقر بتمويل بلاده للمليشيات الموالية لها في المنطقة، مُبررا ذلك بأنه إنفاق من أجل السياسة الخارجية.
ويقول ظريف في مقابلة مع صحيفة (اعتماد) الإيرانية بأنّه فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة ومسألة اعتبارها عدوا دائما: "لم أقل إنها عدوة وأنا المسؤول فقط عن تصريحاتي".
فأمريكا إذاً ليست هي العدو في نظر ظريف، وإنّما العدو هو البلاد الإسلامية التي تتدخل فيها إيران، وهذا يؤكد طبيعة التوافق بين أمريكا وإيران على تدمير البلاد الإسلامية وذلك منذ أربعين سنة.
وحتى في حالة دعم إيران لحركتي حماس والجهاد فهذا لا يعني وجود دعم عقائدي للقضية الفلسطينية، بل يعني وجود إعفاء لإيران من مسألة تحرير فلسطين بذريعة أنّ الذي يُقرّر في القضية الفلسطينية هو أهلها، وهو نوع من الاختباء وراء دعم الحركات الفلسطينيىة باعتبار أنّ القضية هي قضية وطنية وليست قضية إسلامية وقد قالها ظريف صراحة: "نحن لا نُعارض التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حال أراد الفلسطينيون ذلك"، وفي مقابلة مع (عصر حيرت) قال: "لن نعترف بإسرائيل ولكن إذا أراد الفلسطينيون التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل فلا مشكلة لدينا".
هذه هي حقيقة السياسات الإيرانية فهي سياسات تتبع السياسة الأمريكية حقيقة، ولا صلة لها بالجانب العقائدي الإسلامي، فلا يهمها فلسطين ولا الأقصى ولا وحدة الشعوب الإسلامية وبلادها، ويهمها فقط أنْ يكون لها تأثير إقليمي قومي فارسي في المنطقة ولو على حساب المسلمين وتدمير بلادهم، فهل استفاد المسلمون من سياسات إيران على مدى الأربعين سنة الماضية، أم أنّ أمريكا هي فقط التي استفادت؟
لنأخذ مثالاً واحداً وواضحاً في معرفة مدى حجم التعاون الأمريكي الإيراني في سوريا على سبيل المثال، أو بمعنى آخر لنأخذ مثالاً في مدى تبعية إيران لأمريكا في سياستها الخارجية في سوريا، وذلك لنرى حجم التوافق بين الدولتين في تحقيق الأهداف الدولية الأمريكية والإقليمية الإيرانية في سوريا.
قال أندرو أكسوم الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس: "أوباما تعاون مع روسيا لمنع سقوط الأسد بسرعة كبيرة، ولمنع البلاد من الانهيار والوقوع بيد الفصائل المسلحة".
وقال حسن نصر الله الأمين العام لحزب إيران في لبنان في مُقابلة مع قناة الميادين اللبنانية الأحد 27/12/2020: "إنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة التدخل الروسي العسكري في سوريا"، وأضاف: "إنّ الرئيس الروسي اقتنع بالتدخل بعد اجتماع مع سليماني مدة ساعتين في موسكو بحضور عدد من المسؤولين الروس، إذ عرض سليماني خلال الاجتماع خرائط السيطرة في سوريا وناقش معه آليات العمل واستطاع أن يقدم إضافة أدت إلى اتخاذ روسيا قرار التدخل"، وقال سليماني: "إنّ الدخول العسكري الروسي في سوريا كان مؤثراً جداً في تغيير الواقع على الأرض".
فالتوافق إذاً واضح جداً بين أمريكا وإيران، واستدعاء روسيا إلى سوريا جاء من الطرفين، الأمريكي والإيراني، فالمصلحة إذاً واحدة والأهداف واحدة، وهذه أدلة صريحة من الاعترافات من كلا الطرفين على مستوى كبار العسكريين في البلدين.
فما من بلد إسلامي تدخلت فيه إيران إلا وتحوّل إلى خراب، واستلم فيه عملاء أمريكا الحكم، فأفغانستان دُمّرت وقضي على استقرارها، واندلعت فيها الحروب الطائفية والأهلية لعشرات السنين، واستلم الحكم فيها قراضايات أمريكا، والعراق دُمّرت ترسانتها العسكرية والعلمية والصناعية، وتحولت إلى أنقاض، وعادت إلى الوراء عشرات السنين، واستلم الحكم فيها رجال أمريكا الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية، وأمّا سوريا فتمّ تحطيم ثورتها وتهجير نصف سكانها، وتمّ الحفاظ على بشار الأسد على رأس السلطة رغماً عن إرادة السوريين بعد أنْ كادت الثورة أنْ تتخلص منه، وتُطيح به، ومن ثمّ تمّ تحويل سوريا إلى مناطق نفوذ لأمريكا وروسيا وتركيا وإيران، وأمّا اليمن فأصيبت بقارعة من سبقها، فتمّ تمزيق البلاد وتشتيت العباد وإقحامها في حروب داخلية طاحنة.
هذه هي باختصار النتائج العملية لتدخل أمريكا وإيران في البلاد الإسلامية، وهذه هي خلاصتها، وهي: أولاً تدمير البلاد، وثانياً تمكين أمريكا من فرض عملائها حكاماً عليها.
رأيك في الموضوع