مع اقتراب انتخابات الرئاسة المصرية المزمع إجراؤها في آذار/مارس القادم، خرج علينا مبكرا أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق يعتذر عن الاستمرار في سباق الانتخابات الرئاسية بعد تأكيده بأنه تعرض للتهديد بحملة تشويه. وأكد محمد أنور السادات، المعارض ابن أخ الرئيس الهالك الذي يحمل نفس الاسم، أنه لن يخوض الانتخابات أيضًا لأن المناخ ليس مناسبًا لإجراء انتخابات حرة. وأفيد أن الجيش المصري اعتقل رئيس الأركان السابق سامي عنان بسبب "التحريض" وذلك بعد أيام من إعلان نيته الترشح ضد السيسي في الانتخابات، كذلك انسحب خالد علي، وخرج من سيد البدوي يعلن نيته الترشح وتقدم فعلا للكشف الطبي ليستعد لتقديم نفسه كمرشح منافس ربما كبديل لحمدين صباحي في الانتخابات السابقة.
السيسي يخشى حقيقة من وجود منافس حقيقي قد يهدد وجوده في حكم مصر خاصة بعد جرائمه التي ارتكبها في حق أهلها، ومع الوضع في الاعتبار أن أي منافس حقيقي سيفوز عليه في هذه الانتخابات قد يسعى لتقديم أوراق اعتماده لأهل مصر بمحاكمته وتقديمه ككبش فداء لمزيد من استغلال مشاعر الناس، خاصة لو كان هذا المنافس ذا خلفية عسكرية وله نفوذ وولاءات داخل الجيش كشفيق وعنان بخلاف علاقتهما بأمريكا، لذلك لم يكن السيسي ليسمح لمثلهما بمنافسته على كرسي الرئاسة، أما خالد علي فهو وإن لم يكن بحجم المنافس الحقيقي إلا أنه قد يجمع حوله الشباب الثائر من غير الإسلاميين ولن يستطيع السيسي وصفه ومن يلتف حوله (بالإرهاب) ولن يسمح بانتخابات نزيهة قد تأتي بما يقلب الموازين، الأمر الذي يعيد البلاد إلى أجواء ثورة يناير وما صاحبها من غضب شعبي، كل هذا مع فرض غياب الإسلاميين الذين يؤثر فيهم ويوجههم قادة الإخوان بشكل كبير، وهم بسبب "براغماتيتهم" وقصر رؤيتهم السياسية مستعدون لدعم أي مرشح قوي مقابل السيسي.
السيسي بعد مسلسل إطاحته بقادة ورموز داخل المؤسسة العسكرية والمخابرات العامة يدرك تماما أن وجود مرشح حقيقي قوي خاصة من ذوي الخلفية العسكرية هو تهديد حقيقي لحياته قبل أن يكون لكرسي الرئاسة، لذا رأينا ما يحدث مع كل مرشح قوي محتمل؛ فبدءاً بشفيق الذي أتى من الإمارات وتم احتجازه في فندق ماريوت بالقاهرة، وقبله تم احتجاز ثلاثة من مؤيديه وأعضاء حزبه، أما سامي عنان وبعد لهجة التحدي التي أظهرها في بيان ترشحه للرئاسة فقد تم اعتقاله هو وعشرات من أفراد حملته والاعتداء على نائبه المستشار هشام جنينة بالسلاح الأبيض في واقعة قال عنها محاميه إنها محاولة اغتيال.
وبالتالي وإذا كان عنان هو الشخصية الأقوى ضمن المرشحين وتم التعامل معه بهذه الطريقة الخشنة فما بالكم بمن هو دونه من أمثال قنصوة الضابط المصري الذي أعلن ترشحه في السابق وتمت محاكمته عسكريا وخالد علي المهدد بالحبس على ذمة قضية يباشرها القضاء المصري الذي يسيره النظام والذي أعلن انسحابه أيضا في ظل هذه الأجواء السائدة التي لا يجرؤ على الترشح خلالها إلا من يسمح له النظام للعب دور معين لاستكمال الشكل المطلوب؟!
السيسي الذي يستمد وجوده من الدعم الأمريكي له وجّه رسالة خلال مؤتمر حكاية وطن الجمعة 26/1/2018 أشار فيها بأن "مؤسسات الدولة التي تنهار لن تقوم لها قائمة، وأن (الإرهاب) لا يزال يشكّل خطرا على مصر"، وبأنه ما زال "مرشّح الضرورة"، كما أطلق عليه البعض عند ترشحه للرئاسة لأول مرة قبل حوالي أربعة أعوام، هذه الرسالة لا يوجهها للشعب. فالشعب لا يعنيه وآلته العسكرية جاهزة لقمع أي صوت احتجاج أو معارضة، والشعب ضاق ذرعا به وبنظامه ويتمنى زواله، هذه الرسالة يوجهها لسادته الذين يستمد منهم سلطانه ويركن إليهم في حكمه، مفادها أنه يحميهم من خطر (الإرهاب) الإسلامي، ويحارب الإسلام نيابة عنهم ويتبنى رؤيتهم لتجديد خطابه وإخراجه عن مضمونه، ويكأنه يقول لسادته هناك في البيت الأبيض إنه هو مرشح الضرورة بالنسبة لهم فيجب عليهم دعمه هو دون سواه حتى من باقي عملائهم، فهو أكثرهم انبطاحا وأكثرهم عداءً للإسلام وأهله وحملة دعوته، وهو ممن يقفون حائلا دون إقامة الخلافة، هكذا يسوق نفسه لسادته في البيت الأبيض وتلك رسالة من رسائله إليهم، كما أنه يريد أن يظهر لهم حجم قوته وسيطرته على مفاصل الدولة في مصر وقدرته على تنفيذ رغباتهم من خلال القوة الغاشمة، وهو النهج الذي تفضله أمريكا وإن كان له ما له من محاذير خطيرة، فكل منافسيه في العمالة لأمريكا سعى ويسعى لسحقهم ربما ليكون هو العميل الأوحد أو العميل الأقوى!!
هل يأمن السيسي جنرالاته بعد الإطاحة بشفيق وعنان؟.. ديفيد هيرست: "ما فعله بالجيش لن يجعله في مأمن من الانقلابات"، وأضاف في مقال له على موقع ميدل إيست آي "جلب عنان وشفيق الانقسام داخل الجيش المصري من الكواليس إلى خشبة المسرح، ومن الظلال إلى وضح النهار. الجيش المصري، الدولة داخل الدولة، هذا الأخطبوط العملاق الذي تمتد أذرعه في كل مساحةٍ من الحياة الاقتصادية والسياسية في مصر، منقسمٌ على نفسه انقساماً واضحاً للعيان. انتهت توازنات القوى التي دعمت الانقلاب العسكري في 2013 وترشُّح السيسي للرئاسة بعدها بعام". وتابع: "الآن لم يعد هناك سوى السيسي، بسُلطات المخابرات العسكرية المطلقة، وقوائم ضحاياه التي تطول أكثر فأكثر، وتشمل الآن جنرالات أقوياء سابقين بالجيش المصري. والمُعارضة الأصلية من إسلاميين وعلمانيين في ميدان التحرير كانت هامشية مُقارنةً بالقوة التي امتلكها الجنرالان اللذان أطاح بهما السيسي". وأضاف: "ينبغي على السيسي أن يقرأ تاريخ العائلات الخامسة - عصابات المافيا التي أدارت نيويورك - ليفهم أنَّ ما فعله للتو بالفصائل المُعارِضة داخل الجيش المصري ليس وصفةً لحياة طويلة آمنة، حتى بعد التقاعد".
في النهاية لن تأتي هذه الانتخابات بجديد يصلح حال أهل مصر الكنانة، فلن يتغير النظام ولن تنعتق البلاد من التبعية لأمريكا وأذنابها وأدواتها، بل هو تكريس للعمالة والتبعية، ولو حدث وتغيرت الوجوه لهذا وفي ظل هذه الصراعات فعلى أهل الكنانة أن يدركوا حقيقة أن صلاح حالهم هو خارج هذا الصندوق الذين يُجرّون إليه جرّاً وخارج إطار ديمقراطيتهم العفنة حتى لو أحسنوا تطبيقها رغم أنهم لم ولن يفعلوا وسينقلبون عليها لو أتت بما يخالف رغباتهم. فما على أهل الكنانة إلا أن يطلّقوا هذا النظام طلاقا بائنا لا رجعة فيه ويختاروا من خارج هذا الصندوق نظاما آخر يصلح حالهم ويعيد إليهم عزتهم وكرامتهم؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة يحمل مشروعها حزب التحرير، تطبق الإسلام في الداخل وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، رسالة نوجهها للقادة والضباط في جيش الكنانة وقد شاهدوا بطش النظام برؤوسهم التي كانت وما زالت ترتبط بالغرب ومشاريعه ولم يشفع لها عندهم تاريخ طويل من العمالة فتركتهم فريسة لمخالب عميل آخر، فلا تركنوا لأمريكا واقطعوا كل حبال تصلكم بها وصلوا حبالكم بإخوانكم الذين يرجون الخير لكم ولأمتكم، إخوانكم شباب حزب التحرير فانصروهم وانصروا ما يحملون لكم وللأمة من خير عسى الله أن يفتح بكم ويذل عدوه وعدوكم فتقام بكم دولة الخلافة الراشدة التي يخشاها الغرب كله وتكون عزة الإسلام على أيديكم، والأمة كلها تتطلع إليكم أنتم يا جند مصر الكنانة قبل غيركم، تنتظر أن يخرج من بينكم رجال كصلاح الدين وقطز من جديد ينتصرون لله ورسوله ويطهرون بلادنا من رجس الغرب ونجاسته، اللهم اجعلنا وإياكم يا جند الكنانة من شهودها وجنودها اللهم أمين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع