إن أردوغان قد خاطر بالمقامرة بالاستفتاء الذي جرى في 16 نيسان 2017 والذي انتهى بانتصاره. حيث إن انحصار الاستفتاء بنعم بنسبة 51.4% فقط، وكون الفرق ضئيلاً بين أصوات "نعم" و"لا" ويساوي 1 مليون و400 ألف تقريبا، أدى إلى وضع أردوغان في موقف صعب بالنسبة للانتخابات الجمهورية لعام 2019.
غير أن نتائج الاستفتاء كانت مبعثاً للقلق لأردوغان وحزبه من جهة، ومشجعة للأحزاب المعارضة والفئات المعارضة داخل الحزب نفسه من جهة أخرى، حيث زاد لديهم الأمل في إمكانية إسقاط أردوغان في انتخابات 2019.
بإمكاننا تقييم ذلك من نواح عدة:
حزب العدالة والتنمية: ركز الاستفتاء على أردوغان نفسه، مما أثار نقاش "الرجل الواحد"، و"الدكتاتورية"، حيث إن هذا الإدراك ولد إزعاجا حتى في قاعدة الحزب. بمعنى آخر إن أردوغان طرح نظام الرئاسة للاستفتاء دون مصالحة مع المجمتع أو تسوية مع الأحزاب الأخرى. كما أن أردوغان الذي ترقب هذه الفرصة منذ زمن، وبالنسبة للتوقيت قد اختار الوقت الأنسب حسب رأيه. كذلك فقد اضطر أردوغان لحشد كل ما يملك من قوة في هذا السبيل بسبب الظروف السياسية التي نشأت بعد انقلاب 15 تموز وصلاحيات حالة الطوارئ. غير أن نتائج الاستفتاء خيبت أمل أردوغان وعرضت احتمالية فوز أردوغان في انتخابات 2019 للخطر. ولأن عدم فوز أردوغان في هذه الانتخابات يعني نهاية الطريق بالنسبة له، لذلك هو الآن يسعى جاهدا للقضاء على جميع المخاطر.
حزب الشعب الجمهوري:إن حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليشتار أوغلو تقدم بخطوات حذرة جدا واستخدم استراتيجية مختلفة في هذا الاستفتاء. لعبت الوسائل مثل "أدبيات التضحية" و"التخاصم" دورا مهما في فوز أردوغان في الانتخابات الماضية. لأن أردوغان قبل كل انتخابات كان يستخدم حججاً تظهر أنه ضحية، كما أنه سعى لكسب مساندة الشعب له بالظهور ضد خصومه مثل حزب الشعب الجمهوري، وحزب العمال الكردستاني، وجماعة غولان. إلا أنه في هذا الاستفتاء لم يستخدم هذه الوسائل. حيث إن محاولة انقلاب 15 تموز كانت لتكون مبرراً جيداً لإظهار كونه ضحية، لو لم يستخدم صلاحيات حالة الطوارئ وينفذ حملة اعتقالات واسعة النطاق التي جعلت من هذه الوسيلة غير صالحة. أما وسيلة التخاصم فكانت غير مفيدة نتيجة موقف حزب الشعب الجمهوري الهادئ وبقائه بعيدا عن الجدل. كما أن كليشتار أوغلو لم ينظم أي تجمع في حملته للاستفتاء واستخدم أسماء الحزب المؤثرة الأخرى. لذلك قام أردوغان باختلاق الأزمة المزيفة مع ألمانيا وهولندا وسعى للحصول على مشروعية عبر عداء الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من ذلك تحركت الأقسام المعارضة داخل الحزب التي تسعى لجعل التحضيرات لانتخابات 2019 قوية، وأطلقت حركة جديدة ضد كليشتار أوغلو. كما هو معلوم فمنذ تأسيس حزب الشعب الجمهوري وحتى يومنا هذا لم يتخلص الحزب أبدا من الصراع والنقاشات، ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾.
حزب الحركة القومية:إن الحركة المعارضة داخل الحزب المخالفة للنائب العام للحزب دولة بهشلي في السنوات السابقة أصبحت بلا تأثير بفضل دعم أردوغان. حيث إن بهشلي أظهر ولاءه لأردوغان الذي أنقذه، بتقديم الدعم الكامل لأردوغان في تصويت المجلس والاستفتاء. غير أن دعم حزب الحركة القومية بقي منحصرا في النسبة البسيطة والمتوقعة 2-3%، مما يدل على أن المعارضين داخل الحركة القومية ذوو تأثير أكبر. كما أن دولة بهشلي سقط حاليا في موجة حادة من المعارضة ونجاحه أو عدمه مرتبط بنسبة الدعم الذي سيقدمه له أردوغان.
الأكراد:إن أصوات الأكراد كانت عاملا حاسما رئيسيا في نتائج الاستفتاء بلا شك. كما أن اعتقال العديد من مسؤولي الأحزاب ومن بينهم زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش وزيادة العمليات ضد حزب العمال الكردستاني، كان لها تأثير أيضا. بالإضافة إلى أن أردوغان قدم دعما مكشوفا للأحزاب الكردية ذات الطابع الإسلامي. حيث إن تصريح "نظام الولايات" الذي قدمه أحد مستشاري أردوغان قبل يومين من الاستفتاء كان بمثابة رسالة بالوعد بحرية الأكراد في المستقبل إلى جانب النظام الرئاسي. لذلك ففي الفترة القادمة بينما يقوم أردوغان بالمحافظة على إحكام الضغط على الأقسام الكردية الموالية للإنجليز، كذلك يحافظ على تقديم الدعم للأقسام التي من الممكن أن تقترب من الحكومة.
الفئات الإسلامية: للأسف فإن جميع الفئات تقريبا التي تحمل صفة "الإسلام" في تركيا تقف إلى جانب الحكومة. وقد تم تنظيم عمليات هضم ضد المجموعات القليلة المعارضة. فإن لم يكن لها تأثير فعلي إلا أنه لها أهمية رمزية، وهي عصا بالنسبة لمن لا يدعم الحكومة أو يرفع صوته في وجهها. ومن جهة أخرى فإن بعض الكتاب الليبراليين الموالين للحكومة طرحوا بعض الكلمات التي تفيد بمحاسبة الإسلاميين داخل الحزب وضرورة استبعادهم. مما أطلق نقاشاً حاداً على الساحة. إلا أنه ينبغي تحليل اتجاه هذه النقاشات بشكل جيد. حيث إن القصد منه يمكن أن يكون زيادة الضغط على المسلمين المعارضين للحكومة كما يمكن أن يكون في الوقت ذاته معارضي أردوغان داخل الحزب. كما تم استبعاد بعض الأسماء ذوي الطابع الإسلامي من الحزب، سواء من لهم علاقة بجماعة غولان أو الذين بإمكانهم كسب قاعدة إسلامية. فهناك العديد من الأسماء المؤثرة مثل رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول، ومساعد رئيس الوزراء السابق بولينت أرنش، ووزير العدل السابق جميل تشيشيك، يعدون حسابات جديدة من أجل انتخابات 2019.
بلا شك فإن أردوغان تسبب عبر شخصيته في حدوث استقطاب سياسي حاد في البلد، فبسبب طموحاته وضع نفسه والدولة معا في خطر. فجميع الفئات المعارضة لأردوغان قد تجمعت بشكل جدي ضده. حتى إن النائب العام السابق لحزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال قد لمح بأن حزب الشعب الجمهوري قد يقدم عبد الله غول كمرشح لانتخابات 2019. كذلك فإن عبد الله غول الذي حافظ على صمته لفترة طويلة ولو أنه أظهر ردة فعل بالإدلاء بتصريح بعد صلاة الجمعة في يوم 5 أيار/مايو إلا أنه لم يغلق الباب كليا. في حال تم الحصول على الضوء الأخضر من أمريكا فإن موقفه سيتغير بالتأكيد ويمكن أن يسحب أردوغان إلى أزمة حادة.
لذلك وبسبب هذا الخوف والقلق فإن أردوغان سيواصل صرف كل قوته من أجل البقاء صامدا، فمن الممكن أن يزيد من حدة الاعتقالات والعمليات والضغوطات إن لزم الأمر. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾
بقلم: يوسف أبو أسيد
رأيك في الموضوع