نشر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، السبت 6/5/2017م، مذكرة إنشاء مناطق تخفيف التصعيد، التي أبرمت أثناء الجولة الأخيرة من محادثات أستانة حول الوضع في سوريا. ووقع ممثلو إيران وروسيا وتركيا، الخميس 4/5/2017م، مذكرة إقامة مناطق تخفيف التصعيد في سوريا عقب الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة. ويبدأ نظام تخفيف التصعيد في النفاذ في أربع مناطق في سوريا، في الساعات الأولى من يوم السبت 6/5/2017م، حسبما نشر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية، ووفقا للمذكرة، فإن نظام مناطق تخفيف التصعيد الأربع يعد تدبيرا مؤقتا ضمن مدة أولية خلال الأشهر الستة الأولى، بحسب ما ذكرت وكالة سبوتنيك. وتنص المذكرة على أن تكون مناطق تخفيف التصعيد هي: محافظة إدلب وبعض أجزاء مجاورة لها، وبعض أجزاء من محافظة حمص، وبعض أجزاء من محافظة درعا جنوب البلاد، بالإضافة إلى القنيطرة وشرق الغوطة.
إن هذه الوثيقة وما تتضمنه من وعود كاذبة وأماني واهمة ما هي إلا أسلوب من الأساليب الشيطانية الخبيثة، قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾، ولعل أخطر ما في هذه الوثيقة هو وضع الفصائل الموقعة عليها مع طاغية الشام في خندق واحد ضد ثورة الشام وأهلها؛ حيث نصت الوثيقة على وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة (حكومة الجمهورية العربية السورية وجماعات المعارضة المسلحة التي انضمت إلى نظام وقف إطلاق النار وستنضم إليه) باستخدام أي نوع من أنواع الأسلحة، بما في ذلك الضربات الجوية، بالإضافة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان وفاء الأطراف المتصارعة بنظام وقف إطلاق النار؛ كما نصت على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات (الإرهابية) التي حددها مجلس الأمن الدولي داخل وخارج مناطق التصعيد، وبناء على ذلك ينخفض التوتر مع طاغية الشام ويرتفع ضد هذه الفصائل وغيرها ممن يرفضون الانصياع لمخططات الغرب، وينخفض التوتر في المناطق التي يسيطر عليها طاغية الشام ليبقى مرتفعا في المناطق المحررة بحجة القضاء على التنظيمات (الإرهابية).
وعلى هذا تكون الفصائل الموقعة على وثيقة خفض التوتر قد انضمت عمليا للقوات التي تعمل على إجهاض ثورة الشام؛ وأصبحت تقاتل معها في خندق واحد، ولعل ما حصل في الغوطة الشرقية قبل عقد الجولة الرابعة من مؤتمر أستانة بأيام قليلة من اقتتال بين الفصائل يصور لنا جزءا من المستقبل الذي سوف تشهده أرض الشام بشكل عام - إن لم نتدارك الأمر -، هذا الاقتتال الذي راح ضحيته مئات القتلى من الطرفين بالإضافة إلى سقوط العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح؛ وقمع غير مسبوق لأي صوت يطالب بوقف هذه المهزلة التي لا يوجد لها مبرر سوى الانصياع لأوامر الداعمين الذين هم جزء من المؤامرة على ثورة الشام؛ رغم تزامن هذا الاقتتال مع حملة شرسة يشنها طاغية الشام على القابون المتاخم للغوطة الشرقية "ساحة الصراع" في محاولة منه للسيطرة عليه.
ولم ينس المُعِدّون للوثيقة أن يداعبوا مشاعر الناس ويستغلوا حاجاتهم الأساسية من الأمن والعلاج والغذاء وسائر الخدمات لتكون حاضرة في هذه الوثيقة المشؤومة. وإنه لمن السخرية بمكان أن من دمر المدارس والمستشفيات والأفران والأسواق هو نفسه من يتاجر بها ويجعلها منّة يمنّ بها على أهل الشام ودليلا على حسن نواياه الخبيثة!! فقد نصت الوثيقة على "توفير الظروف لتقديم المعونة الطبية للسكان المحليين وتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين"، كما نصت على "اتخاذ تدابير لاستعادة مرافق البنية التحتية الأساسية، بدءاً بشبكات المياه والكهرباء". وإنه لمن السخرية بمكان أن يكون قاتل الأطفال والنساء والشيوخ هو الضامن لحقن دمائهم؛ وخاصة بعد أن اشتهر بالغدر والخيانة والانحياز لصالح طاغية الشام بل والمشاركة معه في إجرامه وغض الطرف عن جرائمه التي لم يسلم منها البشر والشجر والحجر، فلم تمض دقائق معدودة على سريان الاتفاق حتى شن طاغية الشام هجمات عدة على ريف حماة في اللطامنة وعلى قرية الزلاقيات في محاولة منه للسيطرة عليها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الغاية من هذا الاتفاق هي تجميع القوى وترتيب الأوراق وإنهاء بعض الملفات والتي من أهمها السيطرة على بعض المناطق وإجلاء سكان بعض المناطق الأخرى، ولذلك نجد أن تهجير أهالي حي الوعر الواقع في مدينة حمص لم يتوقف رغم سريان الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ؛ ورغم ادعاء الوثيقة التي نصت على "توفير الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين داخليا بصورة آمنة وطوعية"، فإلى أين سيعودون؟ لا شك أنهم ممنوعون من العودة إلى ديارهم بحجة أنها خارج الاتفاقية، وإلا لماذا لم يتوقف تهجير أهالي حي الوعر؟ فلو كان الضامنون صادقين في ادعاءاتهم وكانت نواياهم حسنة؛ لسمحوا لجميع النازحين بالعودة إلى ديارهم بغض النظر هل هي داخلة في الاتفاقية أم لا، ولكن وراء الأكمة ما وراءها.
ومن أجل ضمان عدم وقوع حوادث ومواجهات عسكرية بين الأطراف المتنازعة، ومن أجل تقييد المناطق وحصارها بشكل فعال تنص الوثيقة على إنشاء خطوط أمنية على حدود مناطق تخفيف التصعيد؛ تشمل نقاط تفتيش لضمان حرية تنقل المدنيين العزل وإيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز النشاط الاقتصادي؛ ومراكز مراقبة لتأمين تطبيق نظام وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى أن إدارة المناطق الأمنية يجب أن تكفلها قوات الدول الضامنة على أساس التوافق.
وبذلك تجد المناطق المتفق على تخفيف التوتر فيها نفسها مقيدة مكبلة لا تملك من أمرها شيئا سواء على مستوى القوة أو على مستوى الإدارة، فقوتها أصبحت بيد أعدائها وإدارتها أصبحت تحت إشرافهم فعادت بذلك إلى عصر الانتداب؛ فلا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت؛ وذلك ريثما ينتهي الغرب الكافر من التحضير للحل النهائي الذي يقضي على الثورة ويهدر تضحياتها، وإلى ذلك الحين يستمر القتل وتستمر المعاناة وتستمر المجازر بحجة محاربة التنظيمات (الإرهابية)، وما حصل من مجازر في البوسنة والهرسك سنة 1995م وتحديدا في سربرنيتسا تحت إشراف الأمم المتحدة التي كانت قوة ضامنة لدماء المسلمين ليس عنا ببعيد، لتشهد المدينة أبشع جريمة راح ضحيتها آلاف المسلمين بعد أن نزع منهم السلاح بحجة وقف الاقتتال؛ ودون أن تحرك الأمم المتحدة ساكنا، وبذلك نرى المنطق نفسه يقفز إلى الواجهة من جديد مع اختلاف بالشكل واتفاق بالمضمون.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع