ظنت أمريكا أنها بإجبار هادي على توقيع اتفاقية السلم والشراكة بحضور مبعوثها جمال بن عمر عقب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في 21/9/2014م، ظنت أنها قد ضمت اليمن إلى سائر أملاكها. وأن تنفيذ بنود تلك الاتفاقية إلى جانب قوة الحوثيين كفيل بإزالة النظام السابق برمته وطرد جميع رموزه بمن فيهم هادي ثم صالح بعد أن يسيطر الحوثيون على الجيش. إلا أن ذلك الحلم تبدد؛ فقد أفشلت بريطانيا ذلك حيث اصطدمت أمريكا بقوة نفوذ بريطانيا في اليمن وتغلغلها في الأحزاب السياسية والقبائل والجيش وأن الدولة العميقة في يد رجالاتها. فعدلت أمريكا خطتها من السيطرة الكاملة على اليمن إلى إشراك أدواتها الحوثيين والحراك الجنوبي في السلطة وأصبح ذلك من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه اليمن، فسعت خلال السنوات الماضية إلى تحقيق ذلك الهدف فعملت مطابخها السياسية على إنتاج المبادرات وأفكارها وطرق تنفيذها. وكلما فشلت مبادرة جاءت بأخرى بعد تعديل سابقتها بتغيير بعض بنودها أو إضافة بنود جديدة إليها؛ فمرة تطلق عليها خارطة الطريق، وأخرى مبادرة كيري، وثالثة مبادرة علي ناصر محمد،... وهكذا كثرت المبادرات وتنوعت بنودها وبانت مراميها وأهدافها وأن فرض حلول أمريكا على أهل اليمن هو غايتها، ولتأكيد ذلك فلا بد من توضيح أمرين اثنين هما:
1- من الذي ينتج ويروج تلك المبادرات حتى أصبح ذلك شغله الشاغل؟
2- من الذي يرفضها ويقوم بإفشالها وينجح في ذلك؟
والجواب واضح؛ فأمريكا هي وراء إنتاج تلك المبادرات لتسويق حلولها التي تهدف إلى إشراك الحوثيين والحراك الجنوبي في السلطة، فهذه هي الخطوة الأولى لدخول نفوذها إلى اليمن، وهي تستخدم الضغوطات الشديدة على عملاء الإنجليز لجذبهم إلى المفاوضات. أما الذين يرفضون المبادرات فهم الإنجليز وعملاؤهم فهم يرفضون التنازل عن التفرد بحكم اليمن لأمريكا وعملائها. إلا أنهم كعادتهم يتظاهرون بقبولهم لتلك المبادرات ثم يعملون ليلاً ونهاراً لإفشالها. ففي مفاوضات جنيف ثم الكويت خضعوا لقبولها نتيجة للضغوط الأمريكية عليهم بشدة، وإن كان ذلك على مضض، ولما كان هادي ليناً كادت أمريكا أن تجبره على البدء بتنفيذ بعض البنود والسير في تنفيذها لكن صالح كان يقوم بإطلاق صواريخ باليستية إلى العمق السعودي فتتحرك طائرات التحالف باحثة عن أماكن وجود تلك الصواريخ فتفشل المبادرات وهكذا. فلما تقدم هادي في جبهات القتال وتراجع الحوثي في مناطق متعددة ارتفع صوت هادي برفض المبادرات والعودة إلى المفاوضات متذرعاً بأنها مكافأة للانقلابيين على أفعالهم. وكلما فشلت مبادرة عدلتها أمريكا ثم سوقتها من جديد على أنها مبادرة جديدة لكنها تقابل بالرفض. وكما تمارس أمريكا الضغوط الشديدة على عملاء الإنجليز لقبول مبادراتها وتلوح بغزو اليمن، فإنها كذلك تطلق يد الحوثيين في القيام بالتعسفات والاعتقالات وتوقيف المرتبات وافتعال المشاكل والأزمات وإذلال الناس وزيادة معاناتهم حتى يقبل أهل اليمن بحلولها ومن أبرز تلك الأهداف القبول بالحوثيين في السلطة وعدم نعتهم بالانقلابيين وعدم المطالبة بنزع السلاح من أيديهم أو خروجهم من المدن. وآخر هذه المبادرات كانت مبادرة علي ناصر محمد، وهي نفس مبادرة كيري مع إجراء بعض التعديلات عليها، ولو استعرضنا المبادرات كلها لوجدنا أنها تكاد تشترك في بعض البنود وهي الحلول التي تريد أمريكا تنفيذها على أهل اليمن ومنها:
1- مشاركة الحوثيين والحراكيين في السلطة
2- فرض صيغة الدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي
3- نزع صفة الانقلابيين عن الحوثيين وإذا تم تسليم سلاحهم فلا بد على الطرف الآخر أن يسلم سلاحه لطرف ثالث ولن تقبل أمريكا إذا كان من غير عملائها.
إن إنتاج أمريكا للمبادرات بكثافة عالية يؤكد مدى إصرارها على إشراك الحوثيين في السلطة وأن هدفها هذا لا يمكن التفريط فيه مهما كانت التضحيات بدماء أهل اليمن وأموالهم وثرواتهم حتى لو استمرت الحرب سنوات. الأمر الذي يجعل الصراع الإنجلو-أمريكي في اليمن مستمرا ومحتدما بشدة فلا تكاد ناره تخبو حتى تشتعل من جديد فالإنجليز لن يقبلوا بمشاركة الحوثي إلا إذا سلم السلاح لعملائهم وهذا ما يزعج الأمريكان ويرفضونه بشدة، وكل ذلك الصراع على حساب دماء أهل اليمن وزيادة معاناتهم وإبعادهم عن أحكام الإسلام وسلخ هويتهم وفرض أنظمة الكفر العلمانية عليهم.
إن أهل اليمن لا يحتاجون إلى مبادرات وحلول من دول الكفر وإنما هم في أمس الحاجة إلى الاحتكام للإسلام في ظل دولة الخلافة الواحدة التي تجمعهم مع إخوانهم المسلمين في كل قُطر ومِصر في ظل حكمها العادل. فالمخرج هو أن يتخلى أهل اليمن عن جميع عملاء الغرب قاطبة بعد إدراكهم أن صراعهم هو على سلطة زائفة وأن كل طرف من أطراف هذا الصراع مستعد لخدمة أعداء الإسلام وتطبيق قوانينهم الوضعية الفاسدة في دولة مدنية ديمقراطية تفصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع وتسلخ المسلم عن هويته.
يا أهل اليمن لقد انكشف خداع هؤلاء العملاء لكم وأنهم أعداء لكم فهم رأس حربة الغرب في تنفيذ مشاريعهم الاستعمارية وفي سفك دمائكم ونهب ثرواتكم وزيادة معاناتكم. يا أهل الإيمان والحكمة يمموا وجوهكم نحو العمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة مع إخوانكم شباب حزب التحرير الذين يصلون ليلهم بنهارهم للعمل لإقامتها فبها عزة الأمة ونهضتها وهي المخرج لها من كل الأزمات. فالخلافة فرض ربكم ومبعث عزكم وقاهرة عدوكم ومحررة أرضكم ومحكمة شرع ربكم وهي منارة العلم والخير والعدل في ربوع العالم...
بقلم: شايف صالح – اليمن
رأيك في الموضوع