ما إن وصل رئيس وزراء تركيا داود أوغلو إلى إيران حتى التقى رئيسها روحاني يوم 5/3/2016 وأفصح عن مغزى زيارته مؤكدا على "جدية تركيا في فتح فصل جديد من التعاون مع إيران.. وعلى تطوير البلدين منظور مشترك لإنهاء الصراع الطائفي في المنطقة". وقال روحاني: "إن لدى إيران وتركيا مصالح مشتركة ويجب أن يتركز تنسيقهما وتعاونهما على محاربة الإرهاب باعتباره عدوا مشتركا". وهكذا أعلن الطرفان أن بينهما منظوراً مشتركاً وتنسيقاً وتعاوناً، فمعنى ذلك أنهما يسيران في السياسة الخارجية وهما متفقان رغم المهاترات والمناوشات الكلامية التي لا تضر في علاقتهما.
وحتى تصرف الأنظار إلى اتجاه آخر لتشغل المناوشات الكلامية مساحات الإعلام وكأن لكل منهما موقفاً مغايراً من قضايا المنطقة، وعندما جاء الجد وجهت مرة أخرى لوجهة أخرى نحو الناحية المنفعية، فقال داود أوغلو "إن تخفيف العقوبات عن إيران بعد الاتفاق النووي يعني أن البلدين يستطيعان بسهولة تجاوز حجم التجارة الثنائية 50 مليارا والذي كان مستهدفا من قبل وهو 30 مليار دولار سنويا". ووصف توقيت زيارته ومضمون مباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين بأنه "يعد عهدا جديدا في العلاقات بين البلدين خصوصا عقب رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران". وقال: "إن تركيا بوابة إيران إلى أوروبا وطهران بوابتنا إلى آسيا وهذا يضمن لنا إمكانيات استثنائية في مجال النقل والدعم اللوجستي". فالتبادلات التجارية وتعزيز العلاقات الاقتصادية يكون لها على الأغلب مقصد سياسي. وهذا ظاهر في العلاقات الإيرانية التركية حيث تغلف التفاهمات والتنسيق والتعاون المشترك والنظرة المشتركة بتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، فيقوم أتباع الطرفين بتبرير العمل المشترك بين العدوين ظاهريا أو المتنافسين كما يصور البعض، بأن ذلك ضروري لتحقيق المنافع والمصالح القومية. وكأن ذلك هو الهدف الرئيس وأنه مشروع وما جرى خلفها لا يغير في الواقع شيئا. ومثل ذلك علاقات تركيا أردوغان بكيان يهود تغلف بتحقيق المنافع ويجري تناسي ما فعله هذا الكيان عندما قتل 10 من أهل تركيا على متن سفينة مرمرة عام 2010 وعندما دمر غزة وقتل الآلاف من أهلها في ثلاثة حروب شنها منذ نهاية عام 2008 حتى عام 2014 ويملأ أردوغان أرجاء الأرض صراخاً انتصارا لغزة بالكلام، وأما الأفعال فهي استمرار العلاقات مع يهود وتقويتها حتى قال مؤخرا يوم 14/12/2015 "إن التقارب بين تركيا وإسرائيل يحمل أهمية حيوية بالنسبة للمنطقة".
وكذلك العلاقات التركية الإيرانية مهما حصل من تصعيد كلامي فنرى أن الأفعال تخالف الأقوال، وحتى في خضم انخراط إيران عام 2013 وجلبها لأتباعها من شذاذ الآفاق والجهال من لبنان والعراق وأفغانستان فتشحن صدورهم بالأحقاد وتحشي عقولهم بالأكاذيب ليقتلوا إخوانهم المسلمين في سبيل الشيطان الأكبر أمريكا، نرى تركيا تعلن على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها جمركجي يوم 28/11/2013 عن "توافق تام على التزام التعاون بين البلدين لحل الأزمة في سوريا ووقف شلال الدم فيها"، ويومها قام داود أوغلو بصفة وزير خارجية بزيارة إيران. وقام رئيس الجمهورية أردوغان يوم 7/4/2015 بزيارة طهران للمشاركة في الدورة الثانية لاجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين تلبية لدعوة نظيره الإيراني حسن روحاني. فقد وصلت العلاقات بينهما إلى تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي! أي هما حليفان بمعنى الكلمة. وقد عبر عن ذلك وقتئذ وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو بقوله: "إن إيران دولة شقيقة ومهمة بالنسبة لتركيا رغم الاختلاف الفكري بينهما في بعض المسائل.. وإن علاقات ثنائية قوية تربط بين البلدين، وإنه ليس من حق أحد الاعتراض على العلاقات والروابط التي تربطهما". ولهذا يجب ألا تحمل المهاترات والمناوشات الكلامية على محمل الجد لأنها لا تنطبق على الواقع ولا تؤثر على العلاقات القوية بينهما ولا أحد يحق له أن يعترض عليها كما قال وزير خارجية تركيا. فهناك اختلاف فكري في بعض المسائل وليس كلها، وذلك شأن داخلي لا يؤثر على العلاقات الخارجية بينهما.
إن إيران وتركيا يدوران في فلك أمريكا ويلعبان دورين متناسقين في السياسة الخارجية وإن بدا كأنهما متعارضان بسبب كثرة الكلام الذي لا ينطبق على الأفعال، وإنما هو للتغطية على الحقيقة لدى البسطاء في الفهم السياسي ومن لديهم سذاجة تغلب عليهم العواطف فيقلبون الحقائق.
وتأتي زيارة رئيس وزراء تركيا لإيران بعد إعلان أمريكا وروسيا على وقف الأعمال القتالية في سوريا ليلة 27 و28/2/2016، واستئناف مفاوضات جنيف فيتطلب ذلك من قبل أمريكا حشد قواها الإقليمية لإنجاح هذه المفاوضات لتنفيذ خطتها، وقد أكدتها في مؤتمر فينّا يوم 14/11/2015 حيث حضرته تركيا وإيران ووافقتا على بنوده الأمريكية وأولها المحافظة على الهوية العلمانية للنظام السوري القادم وعلى مؤسساته الإجرامية، وهذا ما أشار إليه داود أوغلو بقوله "فتح فصل جديد من التعاون مع إيران" وروحاني بقوله "وتعاونهما على محاربة الإرهاب"، ويقصدان به محاربة الحركات الإسلامية الساعية لتطهير المنطقة من النفوذ الأمريكي والغربي وإسقاط النظام السوري وغيره من الأنظمة التابعة للغرب وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فتكون زيارة رئيس الوزراء التركي بإيعاز أمريكي للتوافق التام في تطبيق الخطة الأمريكية في سوريا وليقوم كل بدوره من دون تصادم، فإيران تستمر في دعم النظام مباشرة حتى تنضج الطبخة، وتركيا تستمر في الحرب غير المباشرة بالضغط على فصائل الثوار لتقبل بهذه الخطة ولا تعمل على عرقلتها أو خرق وقف إطلاق النار الذي اعتبرته أمريكا نجاحا كبيرا لها لم تحققه منذ 5 سنوات.
ولا يستبعد أن تكون للزيارة أبعاد أخرى؛ وهي أن تلعب تركيا دور الوسيط بين السعودية وإيران وذلك يدخل في قول داود أوغلو "المنظور المشترك لإنهاء الصراع الطائفي في المنطقة". فتركيا أقامت شراكة استراتيجية مع السعودية كما أقامت مثل ذلك مع إيران. وقد عرض داود أوغلو الوساطة يوم 5/2/2016 عندما قطعت العلاقات بين السعودية وإيران فقال: "نحن مستعدون لتقديم أي مساعدة بناءة للوصول إلى حل". وأمريكا طلبت على لسان وزير خارجيتها كيري يوم 5/1/2016 عندما "أجرى اتصالا مع ولي ولي العهد السعودي ووزير الخارجية السعودي إصلاح ذات البين، وأكد على أهمية المضي قدما من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بخصوص سوريا.. وإن أحد الأمور الرئيسية في ذهنه هي نزع فتيل التوتر واستعادة بعض الشعور بالهدوء والتشجيع على الحوار والمشاركة بين هذين البلدين والتأكيد أيضا على أن هناك قضايا أخرى ملحة في المنطقة.. ومن بين ما يتصدر قائمة اهتماماته أيضا عدم السماح بتعثر أو تراجع عملية فينّا". وجاء كيري بنفسه إلى السعودية يوم 23/2/2016 وطلب منها إعادة العلاقات مع إيران حيث قال: "إن الولايات المتحدة تأمل في احتمال أن تعيد السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران". وقد عملت أمريكا كثيرا حتى تجعل إيران دولة مقبولة في المنطقة ومقبولاً دورها، خاصة بعد حل إشكاليات البرنامج النووي التي كانت أوروبا مع كيان يهود من ورائها تضغط فيها على أمريكا وتعرقل سير إيران بشكل طبيعي في المنطقة لتنفيذ المشاريع الأمريكية.
وهكذا فزيارة رئيس وزراء تركيا تأتي لتأكيد التعاون المشترك ضد الثورة الإسلامية في سوريا تنفيذا للمخططات الأمريكية للقضاء عليها، وذلك للضغط على الفصائل المسلحة لعدم خرق وقف إطلاق النار حتى تنجح المفاوضات في تثبيت النظام العلماني وجعل هذه الفصائل تقبل بهذا النظام وإفرازاته القذرة عندما تأتي أمريكا وتضع دستورا ربما تكون فيه محاصصة طائفية وقومية على شاكلة العراق فتخضع غالبية السكان لأقلية نصيرية كافرة. وكذلك تأتي هذه الزيارة لحل الإشكاليات في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين السعودي والإيراني السائرين في تنفيذ المخططات الأمريكية حتى تتمكن أمريكا من تنفيذ مشاريعها في سوريا واليمن خاصة من دون تشويشات. ولهذا فلا يغرّن أحدا تعزيز التبادل التجاري وتحقيق المنافع بين بلدين مسلمين كما يقال! وكأنه خير للمسلمين، فكله خداع للبسطاء في السياسة لتمرير المؤامرات للقضاء على ثورة الأمة المباركة في الشام التي فيها الرجال الرجال المخلصون والواعون والصامدون الذين سيسقطون كل تلك المؤامرات ويقيمون حكم الله متجسدا في خلافة راشدة على منهاج النبوة بمشيئة الله.
رأيك في الموضوع