أنهى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارته الأولى كرئيس دولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 22 إلى 25 أيلول/سبتمبر الجاري. وقد اتسمت زيارة "شي" بطابع محاولة ترطيب الأجواء والوصول إلى تفاهمات حول المسائل العالقة بين الجانبين، وقد أعلن أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع "شي" التزام بلاده توسيع تعاونها مع الصين، مشيرا إلى معالجة الخلافات بين البلدين "بشكل بناء"، وكان الرئيسان قد بحثا قضايا عدة من بينها: جرائم الفضاء الإلكتروني، وحقوق الإنسان، والأوضاع في بحر الصين، والتغير المناخي.
وصرح أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك: "لقد طرحنا وجهة نظر بلدينا المشتركة فيما يتعلق بالاتفاق الطموح الذي نتوقعه في باريس. وحين يلتقي أكبر اقتصادين في العالم حول استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون كما يحدث الآن، فلن تكون هناك من أسباب كي لا تقوم بذلك البلدان الأخرى سواء أكانت متطورة أم غير متطورة".
وأعلن أوباما أنه والرئيس الصيني توصلا إلى "تفاهم مشترك" لمواجهة التجسس عبر الإنترنت، مشيرا إلى الاتفاق على أن حكومة أي من البلدين لن تقدم أو تدعم أي عملية لسرقة حقوق الملكية الفكرية عن طريق الإنترنت.
وبخصوص الوضع في بحر الصين الجنوبي قال أوباما "نقلت للرئيس شي مخاوفنا الكبيرة بشأن استصلاح الأراضي والبناء وإضفاء الطابع العسكري على المناطق المتنازع عليها مما يصعب على دول المنطقة حل خلافاتها سلميا". ولكن "شي" نفى وجود أي خطة لإقامة قواعد عسكرية هناك، وقال شي "عملية البناء التي تقوم بها الصين في جزر نانشا لا تستهدف أو تؤثر على أي بلد ولا توجد نية لإضفاء الطابع العسكري". وأردف قائلا "الجزر الواقعة في بحر الصين الجنوبي أرض صينية منذ قديم الأزل. نملك الحق في الدفاع عن سيادتنا على أراضينا وحقوقنا ومصالحنا البحرية القانونية والمشروعة." وأكد شي أيضا التزام الصين بحرية الملاحة في البحر وحل الخلافات من خلال الحوار.
ويظهر من استعراض نتائج الزيارة أن القضايا التي تهم الصين بشكل حيوي لم يحدث فيها أي تغيير يصب في صالح الصين، على الرغم من مغازلة "شي" لأمريكا في خطابه ومحاولته بعث رسائل طمأنة بأن الصين لا تسعى لمنافسة أمريكا، فقال "إنه لا يوجد شيء يسمى فخ ثوسيديدس في العالم" وهي نظرية تقول بأن خوف قوة راسخة من صعود قوة جديدة يؤدي إلى أن ينشب بينهما صراع ينتهي إلى أن تصبح الحرب بينهما حتمية.
وقد جاء في ملخص نتائج الزيارة المنشور في بعض المواقع الصينية نقلا عن وزارة الخارجية "...وأعربت الولايات المتحدة عن ترحيبها بصين قوية ومزدهرة ومستقرة تلعب دورا أكبر في الشئون الدولية والإقليمية وتأييدها للاستقرار والإصلاح في الصين. وأعرب الجانب الصيني عن احترامه للنفوذ التقليدي والمصالح العملية للولايات المتحدة في منطقة آسيا - المحيط الهادئ ويرحب بمواصلة اضطلاع الجانب الأمريكي بدور إيجابي وبناء في الشؤون الإقليمية" (الموقع العربي لصحيفة الشعب الصينية). مما يدل على أن الصين تحاول استرضاء أمريكا بإعلان إقرارها وعدم مزاحمتها للنفوذ الأمريكي في عمق إقليم الصين الحيوي، والمقابل هو ترحيب أمريكا بدور أكبر للصين في الشئون الدولية والإقليمية!
والدور الذي ترحب به أمريكا هو دور يجعل الصين تخدم مصالح أمريكا، فقد جاء في خطاب "شي" في سياتل "...في اجتماع صني لاند في عام 2013، توصلت مع الرئيس أوباما إلى اتفاق مهم لبناء نموذج علاقة بين دول كبرى جديد للعلاقة بين البلدين. كان هذا خيارا رئيسيا استراتيجيا قدمناه معا على أساس من الخبرة التاريخية والظروف الوطنية لكل منا والاتجاه السائد في العالم. وقد تصرف الجانبان وفقا للاتفاق على مدى العامين الماضيين وأكثر... حافظنا على الاتصال والتنسيق الوثيق بشأن هذه القضايا الساخنة الدولية والإقليمية مثل القضية النووية الإيرانية والقضية النووية الكورية وجنوب السودان وأفغانستان والشرق الأوسط، فضلا عن قضايا عالمية مثل مكافحة فيروس إيبولا ومكافحة الإرهاب...)
ومما يؤكد أن أمريكا سخّرت الصين في تحقيق مصالحها في القضايا الدولية ما ورد أيضا في تقرير تقييم الزيارة في الصحف الصينية حيث جاء فيه "قررت الصين والولايات المتحدة الحفاظ على تواصل وتعاون فيما بينهما بشأن قضية أفغانستان لدعم إعادة البناء السلمي والتنمية الاقتصادية لأفغانستان ودفع الحوار الثلاثي بين الصين والولايات المتحدة وأفغانستان. ومع أفغانستان، ستشارك الصين والولايات المتحدة يوم 26 أيلول/سبتمبر في رئاسة حدث رفيع المستوى حول إعادة إعمار وتنمية أفغانستان على هامش خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجدد الجانبان الصيني - الأمريكي دعوتهما لطالبان إلى الانخراط في محادثات مباشرة مع الحكومة الأفغانية"، ومن المعلوم كذلك الدور الذي تمارسه الصين مع روسيا في المحافظة على عميل أمريكا بشار.
وفي المقابل لم تكد زيارة "شي" تنتهي حتى حضر إلى أمريكا عميلها رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ليلتقي مع أقطاب صناعة التكنولوجيا الأمريكية، وليؤكد بزيارته هذه سياسة أمريكا تجاه الصين وهي تطويق الصين من خلال دول الجوار الصيني، وكذلك تستعد 12 دولة هي دول الجوار الصيني للمشاركة في المفاوضات حول اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ، وستجتمع في نهاية أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة لمحاولة التوصل إلى تسوية نهائية في هذا الشأن. وقالت وزارة التجارة الخارجية الأمريكية في بيان إن جولة جديدة من المفاوضات بين دول منطقة آسيا المحيط الهادئ بما فيها الولايات المتحدة واليابان ستعقد في أتلانتا في 30 أيلول/سبتمبر والأول من تشرين الأول/أكتوبر.
وفي 22/7/2015 نقلت رويترز عن "مصادر عسكرية ودبلوماسية أن اليابان ستشارك في تدريبات بحرية مشتركة مع الهند والولايات المتحدة في المحيط الهندي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهي تدريبات أثارت حفيظة الصين بشدة قبل ثماني سنوات"، وقد أبدت أستراليا هذا الشهر على لسان وزير الدفاع الأسترالي كيفن أندروز رغبة بلاده الانضمام إلى المناورات البحرية العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والهند واليابان في المحيط الهندي..."، فيظهر أنه بالرغم من كل الإشارات الإيجابية التي حاول "شي" إرسالها في زيارته إلا أن أمريكا لن تغير من سياستها في تطويق الصين، وهي إنما تستعمل الصين باسم التعاون المشترك في القضايا الإقليمية والدولية لتسخيرها لخدمة مصالحها.
وبالرغم مما تتمتع به الصين من قدرات وإمكانات تؤهلها للعب دور دولي في مواجهة أمريكا إلا أنها ارتضت لنفسها أن يكون لها وجود دولي من خلال تحقيق مصالح أمريكا خارج إقليمها ظنا منها أن ذلك سيرضي أمريكا ويجعلها تسمح بتمدد الصين في إقليمها، وهذا الطريق الذي تسلكه الصين سيؤدي بها إلى السقوط في فخ التبعية للسياسة الأمريكية لتبقى أمريكا تساومها على مصالحها في عقر دارها.
وستبقى هذه الدول تسير في فلك المهانة حتى يأذن الله بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة لتري ساسة هذه الدول وقادتها وشعوبها كيف يكون العمل السياسي، وكيف تسلك الطريق إلى مركز الدولة الأولى في العالم ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع