ها قد مرت خمس سنوات على انطلاق الثورات العربية التي بدأت في أواخر سنة 2010 ومطلع 2011، ابتداء بثورة الشعب في تونس بعد إحراق البوعزيزي نفسه والتي نجحت في الإطاحة بزين العابدين، ثم نجاح ثورة مصر ثورة 25 يناير بإسقاط حسني مبارك، ثم نجاح ثورة ليبيا ثورة 17 فبراير بقتل القذافي، فثورة اليمن التي أجبرت علي عبد الله صالح على التنحي. ونهاية الثورة في سوريا التي اشتعلت ولم تخمد نيران ثورتها إلى هذا اليوم.
أما عن أسباب الثورات الأساسية فهي الأسباب نفسها هنا وهناك، من انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إلى التضييق السياسيّ والأمني إلى شعور الشعوب بانتقاص كرامتها والذل الذي تجرعته في ظل هذه الأنظمة.
لم يكن الثوار في البلدان المذكورة أعلاه يتسلحون بالوعي الكافي الذي يمكنهم من القضاء على منظومة الفساد ولم تكن الحركات الثورية في هذه البلدان نابعة من مخزون فكري ومنهج سياسي واضح المعالم، فرغم أنها حققت بعض المطالب الجزئية التي طالب بها الثائرون كإسقاط الرئيس ومحاكمته أو قتله، إلا أن هذه الثورات لم تحقق الهدف الأساسي الذي قامت من أجله ألا وهو إسقاط النظام برمته والقضاء على منظومة الفساد التي تنتج أمثال هؤلاء الحكام العملاء الفاسدين. ولم يدرك الثائرون في تونس ومصر واليمن وليبيا أن الثورة الحقيقية هي الثورة التي توجه ضد من يمسك بخيوط اللعبة ومفاتيح البلاد من بعيد، وهي دول الغرب المستعمرة وليس فقط ثورة ضد عملاء ليس لهم من الأمر شيء، تستطيع دول الغرب أن تغيرهم متى تشاء وتستبدل بهم من تشاء ولو بعد حين.
ففي تونس وبعد هروب بن على آلت الأمور إلى محمد الغنوشي والسبسي وهما من رموز النظام السابق، وبعدها جاءت الانتخابات لتفرز الإسلاميين (النهضة). وبدأت اللعبة السياسية الديمقراطية في تونس التي يقف وراءها الأوروبيون بقيادة بريطانيا وفرنسا لتنتهي بالثوار وتونس إلى وضع مرير تظهر فيه المشاهد المضحكة المبكية، فتحت قبة نفس البرلمان في تونس يشرع الخمر وتخفض أسعاره ويقام الأذان للصلاة باسم الديمقراطية والحريات! ثم بعد حين يعود رموز النظام السابق ليتربعوا على كراسي اللعبة الديمقراطية العلمانية في تونس.
وفي مصر استطاعت أمريكا الحفاظ على استعمارها لمصر عن طريق المجلس العسكري بقيادة الطنطاوي وخصوصا بعد أن تحالف عمر سليمان مع الإخوان المسلمين الأمر الذي أدى إلى إطفاء جذوة إنجازات الثورة في مصر ليقوم المجلس العسكري بعد سنة من الانقلاب على الرئيس مرسي وسجنه وسجن رموز نظامه ليأتي السيسي إلى حكم مصر فيبطش ويقتل ويسجن إلى أن وصلت به الجرأة والاستخفاف في الثورة والثائرين أن يعفو عن حسني مبارك ومجرمي مصر.
وفي ليبيا وبعد سقوط خمسين ألف شهيد تمكن الثوار من قتل القذافي خلال معركة سرت ولكن بمساعدة الإنجليز والفرنسيين الذين احتووا الثورة ومساراتها بعد ذلك ووجهوها عن طريق المجلس الوطني الانتقالي الذي جل أعضائه من النظام الليبي السابق، لتغرق ليبيا وثورتها في نزاع دام على السلطة، تمسك بريطانيا وفرنسا مفاتيح هذا الصراع، ثم جاءت أمريكا بحفتر لينازع الإنجليز والفرنسيين خيرات ليبيا وخيرات الثوار.
وفي اليمن والتزاما بالمبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن تنحى صالح عن حكم اليمن وجيء بهادي الذي ثار عليه الحوثيون بدعم إيراني وأمريكي وأسقطوا حكومته، وبعد ذلك قادت السعودية التحالف الخليجي في حرب مع الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح. وبهذا تكون الثورة في اليمن قد أجهضت وأطفئت جذوتها واستطاعت أمريكا أن تزاحم الإنجليز على حكم اليمن، ليبقى اليمن في دوامة صراع إنجلو-أمريكي.
في حين تميزت الثورة في سوريا بوعي سريع وقد أدرك الثوار منذ البداية أن صراعهم ليس فقط مع الأسد وإنما هو أيضا مع أمريكا التي تسانده من بعيد ولذا تحول الشعار الثوري العام (الشعب يريد إسقاط النظام) إلى شعار آخر نوعي وهو (هي لله، هي لله)، فعسكرت أمريكا ثورة الشام وأدْمَتْها، ثم أسست مجلسا عسكريا وائتلافا وطنيا لاحتواء الثوار إلا أنهما فشلا فشلا ذريعا باحتواء الثورة والثائرين، ولذا أُجبرت أمريكا على استخدام ورقات جديدة من أجل تركيع الثوار، ودعم نظامها هناك أمثال التدخل العسكري الإيراني والتدخل العسكري الروسي. وكان ثمن عدم استجابة الثوار لمطالب أمريكا أن سامت أمريكا الأهل في سوريا سوء العذاب تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتحاصر المدن وتزهق الأرواح وتشرد الملايين من الشعب السوري ليرزحوا في مخيمات الموت في الدول المجاورة، ووصل الحال بنظامها في سوريا أن يقوم باستخدام الأسلحة الكيماوية. ولم تكتفِ أمريكا بذلك فقد خنقت الثورة في سوريا بحصار تركي. وبعد كل أصناف العذاب تأتي أمريكا بمؤتمر الرياض عن طريق رجلها في السعودية سلمان لمحاولة احتواء المعارضة الحقيقية في سوريا وليحقق لأمريكا ما لم يستطع الائتلاف والمجلس العسكري وروسيا وإيران وحزبها في لبنان وتركيا أردوغان من تحقيقه.
الكلام يطول في شرح وسرد أسباب تعثر الثورات ولكن ما يهم الآن هو التركيز على ما يجب فعله في هذه المرحلة المظلمة التي وصلت إليها الثورات. وهنا أردت إلقاء الضوء على نقطة في غاية الأهمية وهي أن هذه الثورات إذا أرادت أن تنتعش من جديد وأن تصل إلى أهدافها فلا بد أن يدرك الثائرون أن خلاصهم هو بالإسلام وحده وأن الله هو الذي يعطي النصر للمؤمنين. فمن وهنت حباله مع الله واستمد العون من الغرب فقد فشل وخسر وخان وأفسد سواء علم ذلك أم لم يعلم. فليتُب وليعد إلى رشده وليقوِّ حباله مع الله. وتذكروا أننا نسعى بقدراتنا فقط وأما النصر فهو من عند الله وحده.
ومن أجل أن نقوي حبالنا مع الله ونقطعها مع الغرب فلا بد من أن نعي ثلاثة أمور أساسية:
أولا: أن فكرة تقاطع المصالح يجب أن يُتخلى عنها لأنها فكرة خطيرة ولأنها تمد حبالا لنا مع الغرب وعملائه ليكون له سبيل علينا ويقرر مصيرنا ويتحكم في مقدراتنا وخيراتنا.
ثانيا: أن إصلاح النظام من داخله والدخول معه في لعبته الديمقراطية هي فكرة خطيرة للغاية يجب تركها فهي حبل جديد من حبال الغرب وعملائه في بلادنا.
ثالثا: يجب أن يعلم الثوار أن الإسلام هو مصدر العزة، به ساد الأوائل وبه نسود اليوم وبغيره الذلة والهوان.
بقلم: الدكتور ممدوح فرج
رأيك في الموضوع