مما لا شك فيه أن ما يسمى الحرب على الإرهاب، والتي تعني الحرب على الإسلام والمسلمين، قد تصاعدت عالميا بعد عام 2001، بشكل غير مسبوق؛ فها نحن نسمع أصواتا تتعالى في الغرب بشكل لم يسبق له مثيل تدعو إلى التضييق على المسلمين هناك.
إن قوانين مكافحة الإرهاب يتم استخدامها كغطاء لمراقبة وملاحقة المسلمين والتضييق عليهم. ومبادرات مكافحة التطرف تستخدم لإخضاع المسلمين بالإكراه، والتدخل في حياة عائلاتهم، وتجريم القيم الإسلامية والهجوم بشكل عام. وتحت ذريعة حرية الرأي والدفاع عنها، فإن مقدسات المسلمين تُنتهك ويساء إليها باستمرار.
إن نظرة الشعوب الغربية إلى الإسلام بشكل عام تهيمن عليها الصور النمطية السلبية، والدعاية وخطاب الكراهية، ويروَّج إليها بشكل متعمد بغرض كسب الرأي العام الذي يضفي الشرعية على السياسة الخارجية والداخلية التي تستهدف الإسلام والمسلمين. حتى وصلت إلى حد أن الناس العاديين في الغرب باتوا يتحدثون عن قتل المسلمين وتفجير المساجد.
كل هذه الأمور تبدو واضحة وملموسة لدى المسلمين في الغرب بشكل جلي، ولكن السؤال هو لماذا؟
إن الجواب المباشر يتلخص في سببين اثنين مرتبطين ببعضهما:
الأول: هو ببساطة المصالح الجيوسياسية في بلاد المسلمين، والثاني هو التحدي المبدئي؛ حيث إن الإسلام يكشف زيف وبطلان الأيديولوجية العلمانية الليبرالية الغربية ويفضح فشلها.
إن الحرب على الإسلام، سواء المادية أو الفكرية، لم تبدأ عام 2001، بل إنها قد بدأت قبل قرون عديدة. فمنذ ولادتها فإن الدولة الإسلامية حققت الانتصارات، ليس فقط بفتح البلاد، بل استطاعت أيضا كسب قلوب وعقول الناس، ولذلك نشرت حالة من الخوف لدى الغرب في أكثر من ناحية. وبالفعل ففي أواخر القرن الحادي عشر الميلادي بدأ البابا أوربان الثاني أول حملة معادية للإسلام، لتشجيع الحروب الصليبية وتخويف الشعوب الأوروبية... وعقب هدم الخلافة قال اللورد كروزون وزير خارجية بريطانيا "يجب أن نضع حدا لكل ما من شأنه أن يعيد الوحدة الإسلامية بين أبناء المسلمين، لقد نجحنا في القضاء على الخلافة، ويجب أن نتأكد أن وحدة المسلمين لن تعود من جديد؛ سواء أكانت وحدة فكرية أم ثقافية".
وخلال العقود التي تلت هدم الخلافة، بدا أن الغرب قد نجح في هذا الأمر، إلا أنه ومنذ عقدين من الزمن ظهرت بشكل واضح التحوّلات في الأمة الإسلامية، وما إن جاءت الثورات في البلاد الإسلامية حتى أظهرت للجميع أن المسلمين بإمكانهم أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم. لقد كان هناك رفض للتدخل الغربي في نواح كثيرة، كما كان واضحا أن هناك رغبة قوية وعارمة من أجل عودة الإسلام كنظام للحياة، وهذا ما أرعب الغرب.
على الرغم من عقود من ضغط الغرب القاسي والناعم، فإنه لم ينجح في استيعاب الأقليات المسلمة المتنامية، في الواقع فإن كثيرا من المسلمين في الغرب باتوا يصرون بشكل أقوى على حماية هويتهم الإسلامية، ونشر الإسلام في أكثر من مكان في أرجاء العالم كله. ويبدو أن السبب وراء ذلك هو نظرتهم عن قرب للأيديولوجية العلمانية الليبرالية الغربية وما يرتبط بها من ثقافة، ما أدى إلى قناعة تامة وواضحة بأن الإسلام وحده هو المبدأ الصحيح الذي يحل مشاكل البشرية.
إن الأقلية المسلمة الدائمة في الغرب التي لا يستهان بها، وكذلك الأعداد المتزايدة من السكان الغربيين الأصليين الذين يعتنقون الإسلام، هي بحد ذاتها تخيف الكثيرين. وفوق ذلك، فإن حقيقة أن المسلمين بدأوا يعودون إلى الفهم الصحيح للإسلام وباتوا يرفضون القيم الغربية يخيفهم أكثر. أضف إلى ذلك كله أن كثيرا من المسلمين قد أخذوا على عاتقهم مسؤولية فضح الدوافع وراء التدخل الغربي في بلاد المسلمين، ولكن ما يرعبهم أكثر من كل ذلك هو تنامي الفهم الصحيح للإسلام باعتباره عقيدة كاملة، ذات بُعد سياسي يتمثل في الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
هذا ما جعل الكثيرين يقبلون أو حتى يطالبون بالتضييق على المسلمين، ويبدو أن هذا التطور السلبي لن يستمر فحسب، بل إنه سوف يزداد.
إن هذا الضغط وتلك الأساليب إنما هي دليل واضح على خوفهم من فقدان السيطرة على موارد العالم، بل أكثر من ذلك، فإنها مؤشر قوي على إفلاسهم الفكري، وعدم قدرتهم على النقاش دفاعا عن أفكارهم وقيمهم الخاصة.
وعلى الرغم من أن هذا سيعود ببعض المشقة على المسلمين، ولكنه بكل تأكيد علامة جيدة. إننا بصفتنا مسلمين نعيش في بلاد الغرب وغيرها يجب علينا أن نحافظ على ثقتنا بالإسلام، ونضع ثقتنا بالله سبحانه وتعالى ونظل ندعو لنشر الإسلام. ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾.
رأيك في الموضوع