ورد في كتاب التكتل الحزبي: "والحيوية تدب في الأمة عادة حين تحصل هزات عنيفة في المجتمع، ينتج عنها إحساس مشترك، وهذا الإحساس يؤدي إلى عملية فكرية تنتج قضايا من جراء البحث في الأسباب والمسببات بهذه الهزة والرسائل القريبة والبعيدة التي تنقذ منها".
مما لا شك فيه أن حرب غزة كانت هزة عنيفة جدا أصابت الأمة الإسلامية في ظل هزات متعددة في مناطق عدة من بلاد المسلمين، لكنها كانت أكثر شدة وفتكا من عدو مجرم قذر تتملكه عقلية الانتقام ونفسية متعطشة للدماء والقتل حيث قتل وأصاب عشرات الآلاف، كما هدم البيوت والمساجد واستباح كشف العورات واقتحم بيوت الله والمستشفيات وقتل حتى من حاول نقل الحقيقة، وهذا الأمر ولّد عند الأمة إحساسا بالظلم والمرارة والقهر: لماذا نحن محل القتل والإجرام الدولي؟ لماذا نُقتل ونباد وتستباح الأعراض والدماء؟ لماذا كل هذا الذل والهوان والقهر؟ كيف السبيل إلى رفعه؟
كنا سادة الأمم نحكم العالم بالعدل، كنا لا ننام على ضيم وذل... صرخة من امرأة مسلمة كانت كفيلة بتحريك الجيش وتأديب المعتدي وحماية الأمة ورفع الظلم، فما بالنا وقد بُحّت أصواتنا من الصراخ والأنين ودمعت أعيننا دماء لكن لا مجيب ولا نصير ولا منقذ، بل متعاون قذر مع يهود يمده بأسباب البقاء والعدوان بكل طاقته وما يملك، ويمنع الأمة من التحرك ويقيّد جيوشها ويعتقل أحرارها.
ومما أظهرته حرب غزة الموقف الغربي المؤيد ليهود، والذي يقوم ليس فقط بحمايته ودعمه بل إنه مستمر في تزييف الحقائق، وفي صمته وإنكار الإبادة التي يقوم بها الاحتلال في غزة والانتهاكات والاعتقالات التي تمارس في بقية الأراضي المحتلة بل والدفاع عنها، ما يعني أن القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة التي تطبق أثناء النزاعات والحروب ما هي إلا أكذوبة غربية تخفي وراءها وجه العنصرية والدموية الغربي تجاه الأمة الإسلامية.
هذه الهزة العنيفة، الأصل أن تُحرك الأمة وتعيد فيها تلك العملية الفكرية وتخرج بالنتائج الصحيحة جراء تلك الهزة العنيفة.
ومما يقوي هذا الإحساس بالظلم أن الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين لم تقف متفرجة فقط، وكان الأصل والحكم الشرعي هو وجوب نصرة أهل غزة بتحريك كل القوى وطاقات الأمة ضد يهود واستئصال وجودهم من فلسطين ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، نقول لَمْ تقف هذه الأنظمة متفرجة فقط بل ساعدت كيان يهود في جرائمه بتقديم العتاد والسلاح والأموال والمعلومات ووقفت مع الكفر بكل ما تملك دون حياء من الله أو الناس، ومنعت نصرة غزة، ونشرت قوات أمنها لمنع تحرك الأمة واعتقلت أبناءها ومنعت خطباءها أن ينطقوا بالحق، وكل من تجرأ ونطق به اعتقلته وسجنته، فكانت شريكة لكيان يهود في الحرب.
لقد كشرت هذه الأنظمة عن أنيابها، فالمعركة مصيرية في فلسطين، أظهرت للأمة حقيقة هذا الكيان الهزيل والضعيف والذليل وأنه محمي من هذه الأنظمة التي كانت تضلل الأمة وتسقيها أحلاماً وردية تحت مسميات دول الطوق والمقاومة وجيش القدس، ودول الممانعة، وتصريحات عنترية جوفاء مثل؛ لن نسمح بتهويد القدس، ولن نسمح بحَلَب في غزة، ولن نسمح، ولن نسمح... حتى ظهرت للأمة حقيقة هذه الأنظمة؛ أنها بكل بساطة عدو جاثم على صدور الأمة وكلب حراسة ليهود، فأدركت الأمة حقيقة المصيبة أنها في وجود هذه الأنظمة العميلة الخائنة والمتعاونة مع الكفر ضدها، وتحالف هذه الأنظمة مع أمريكا في منظومةٍ استعماريةٍ تستهدف الهيمنة على المنطقة، عبر استراتيجيةٍ أمريكيةٍ تستهدف وعي الأمة ومقدساتها وحركة التغيير الصحيحة.
هذا إلى جانب تبعيةٍ سياسيةٍ كاملة وقذرة لأمريكا، تتكامل مع موجة تطبيعٍ "اتّفاقيات أبراهام"، وعلاقاتٍ وثيقةٍ مع (إسرائيل)، بينها تعاونٌ دفاعيٌ، وتدريباتٌ عسكريةٌ، ومشروعاتٌ اقتصاديةٌ... وضمن مشروع تصفية للقضية الفلسطينية بما يسمى حل الدولتين، الحل الأمريكي الذي يعني إقرار وتثبيت كيان يهود في أرض الإسراء والمعراج وإقامة كيان هزيل منزوع السلاح وظيفته حماية كيان يهود والعمل ضد مشروع النهضة.
هذه الحقيقة المؤلمة أدركتها الأمة وأدركت مصيبتها وأن مشكلتها الأساسية مع هذه الأنظمة، فكان لا بد من التفكير بالتغيير والعمل للتغيير، ولن يكون التغيير حقيقيا إلا من خلال إدراك الحل الصحيح وهو القضاء على هذه الأنظمة واستئناف الحياة الإسلامية، وتوحيد الأمة في دولة واحدة هي دولة الخلافة، يحكمها خليفة واحد، تحت راية واحدة؛ لا سبيل للكفر عليها ولا سلطان، بل عزة وجهاد وغزو وفتح واستشهاد، أمة تحكم العالم كله بالعدل، من خلال إقامة الخلافة الإسلامية.
وهذه الأيام التي نعيشها ونشاهد بأعيننا تكالب الكفر وأهله على أهلنا في غزة وفلسطين كلها قتلا وتدميرا، وما يسمى بالعالم الإسلامي دولاً وأنظمة وكأنه لا يسمع ولا يرى ولا يعنيه ما يحدث، بل وبعض الأنظمة تمد كيان يهود بالعتاد والغذاء وتتمنى نصر يهود على المسلمين!! فقد آن أوان أن تهب شعوب الأمة الإسلامية جمعاء، وبالذات في دول الطوق وتلحق بركب العاملين المخلصين للتغيير بإعادة الخلافة وتنصرهم وتخلع هذه الأنظمة التي تخدم الكفر وأهله من جذورها وتمنع نصرة أهلنا في غزة بل وكل فلسطين وباقي بلاد المسلمين. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
بقلم: الأستاذ سليمان محمد – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع