هناك نفر من أبناء المسلمين انبروا معترضين على الطريقة الشرعية التي استنبطها حزب التحرير لإقامة الخلافة، وكان جلّ اعتراضهم على طلب النصرة من أهل المنعة والقوة، ولعل السطور القادمة تضع تلك الاعتراضات في مكانها، وتزنها بميزان الشرع، عملاً بقوله عز من قائل: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾.
فقائل يقول إنه لا دليل على الطريقة التي استنبطها حزب التحرير، ويصفونها بأنها إيجاب ما لم يوجبه الشرع، ولا دليل على وجوبه أصولياً، ثم يصف أحدهم تلك الطريقة بأنها قول باطل، ونقول لهؤلاء: ألا يكفي قيام الرسول e بذلك، مرات ومرات، مع مختلف القبائل في الجزيرة العربية، رغم ما في ذلك من المشقة، وما لاقاه من صدّ وردّ وأذى، ولم يستبدل بتلك الطريقة غيرها؟! فقد طلبها من بني عامر، وغسان، وبني فزارة، وبني مرة، وبني حنيفة، وبني سليم، وبني عبس، وبني نصر، وبني ثعلبة، وبني شيبان، وبني كلب، وبني الحارث بن كعب، وبني عذرة، وبني قيس، وبني محارب، وغيرهم، فمنهم من رفضها بأدب كبني شيبان، ومنهم من رد عليه ردًّا قبيحًا كبني حنيفة، ومنهم من آذوه فسلطوا عليهم صبيانهم وسفهاءهم... واستمر e يعرض نفسه على القبائل حتى هيأ الله سبحانه وتعالى له نفراً من الأوس والخزرج...
وقائل آخر اعترض على الاستدلال بفعل الرسول e، وأن هذا الفعل المتكرر لا يدل على الوجوب، وأن غاية ما يدل عليه هو الاستحباب، مع الزعم أن هذا هو ما عليه الجمهور، فهذا القول هو الباطل، إذ من المقرر أصولياً ما قاله الإمام الشاطبي في الموافقات في الجزء الرابع صفحة 420: "فالفعل منه e دليل على مطلق الإذن فيه ما لم يدل دليل على غيره من قول أو قرينة حال أو غيرهما". وهذا الفعل المتكرر منه e مقترن بالمشقة والأذى، ولم يدفعه ذلك إلى تغيير تلك الطريقة، فهذا دليل على الوجوب، وقد فصّل علماء الأصول ذلك مستدلين بالحديث الشريف: «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» ووجه الاستدلال أن الفعل الذي مشقة تنفيذه ظاهرة إذا أمر الرسول e به يكون هذا الأمر فرضاً. فليس وجه الاستدلال في مجرد الدوام ومجرد التكرار كما ادعى بعض المعترضين، بل التكرار مع المشقة، فالمشقة مع التكرار قرينة تصرف الفعل إلى الوجوب.
وقائل إن حزب التحرير لم يدقق في الغاية التي طلب الرسول النصرةَ لأجلها، هل كان يطلبها منهم بعد دخولهم في الإسلام ثم يتولى الحكم عليهم؟ أم كان يطلبها لمجرد حمايته ممن يؤذونه؟ أم أنه كان يطلبها لمجرد تمكينه من الدعوة إلى الله؟ فمن الواضح هنا أن قائل هذا القول لم يقرأ ما ذكره حزب التحرير، وما استدل به على ذلك، فقد ورد في السيرة أن بني عامر بن صعصعة قالوا لرسول الله e: "أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟" قال: «الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء»، فالأمر هنا الحكم وذلك بعد أن يسلموا وينصروه لإقامة حكم الله، وقد بان ذلك بكل وضوح بعد نصرة الأوس والخزرج له، وأنه أقام حكم الإسلام في المدينة المنورة بعد إسلامهم ونصرتهم إياه.
وقائل يقول باستحالة تطبيق الفكرة، فكرة طلب النصرة من أهل القوة اليوم، وهي المؤسسة العسكرية المعادية للفكر الديني كما يقول، وهي جهة غير متعاطفة مع الإسلاميين، وتعتبرهم عدواً لها، ويقول أيضاً إن الفكرة سهلة التصور مستحيلة التطبيق نتيجة لذلك. وهنا نقول لهذا القائل: وهل كانت بنو حنيفة متعاطفة مع الرسول ودعوته لما ردوه رداً قبيحاً؟ وهل كانت ثقيف وهوازن متعاطفين مع الرسول ودعوته... فآذوه في جسمه أذى شديداً؟ وهل تخضع الأحكام الشرعية التي شرعها الله سبحانه وتعالى لميزان العقل؟! إن الجيوش في بلاد المسلمين هم من أبناء المسلمين، وهذه الجيوش وإن كان حكام الجور يتحكمون فيها إلا أنها جيوش الأمة الإسلامية، وهي قادرة على نصرة العاملين لإعادة الخلافة الإسلامية، ولقد شهد التاريخ المعاصر عددا من تلك الجيوش استعدت للنصرة وإقامة الخلافة، ولكن النصر من عند الله فعسى أن يأذن بنصره قريباً، وإن غداً لناظره قريب.
رأيك في الموضوع