وجّه كيان يهود في الأول من نيسان الجاري ضربة ضد القوات الإيرانية، باستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ما أدى لمقتل العميد محمد رضا زاهدي أحد قادة فيلق القدس في الحرس الثوري ونائبه، ومعهما خمسة من عناصره، وهذه الضربة تكاد تكون الأقوى منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بضربة جوية أمريكية، وتأتي خصوصية هذه الضربة أنها استهدفت بناية تابعة للسفارة الإيرانية وترفع علمها، فهي تعتبر بمثابة أرض إيرانية وفق العرف الدولي، وهي اعتداء مزدوج على الأراضي السورية والإيرانية.
ولمعرفة تداعيات هذه الضربة لا بد من الرجوع إلى الوراء ومعرفة ماهية الواقع الإيراني:
فمن المعلوم أن إيران تربطها علاقة وثيقة بأمريكا، فهي تدور في فلكها، وهذا واضح من خلال الأعمال السياسية التي قام ويقوم بها النظام الإيراني في تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة، وخاصة في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، وأن الولايات المتحدة تحاول جعل إيران شرطي المنطقة لابتزاز بلدانها وبقاء نفوذها فيها.
إلا أن كيان يهود لا يروقه وجود قوة إقليمية وخاصة نووية في المنطقة، ولذلك دائما ما يهدد بضرب إيران وضرب مفاعلها النووي، ولكنه لا يفعل لعدم سماح أمريكا بذلك، وإعطائه الغطاء الأمريكي، مع أنه قام بأعمال داخل العمق الإيراني كالتفجيرات واغتيال علماء الذرة، فضلا عن قصف العديد من "الأهداف الإيرانية" في سوريا.
ولكن بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى ودخول كيان يهود في نفقها المظلم، وبيان عجز هذا الكيان وضعفه عن حسم هذه الحرب بالرغم مما قام به من إجرام بحق الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، وقصف للبنايات والمستشفيات، لذلك يحاول هذا الكيان المسخ المتمثل برئيس وزرائه المجرم نتنياهو توسيع هذه الحرب وخلط الأوراق لإنقاذ سمعته وحفظ ماء وجهه، فهو على دراية أنه إذا استطاع ذلك فلن تقف أمريكا متفرجة.
وفي الجانب الآخر فإن أمريكا لا ترغب بتوسيع الحرب وخروج الأمور من يدها، لذلك هي متفقة مع إيران على عدم توسيع الحرب وجر المنطقة لحرب إقليمية لا تحمد عقباها، وفي هذا المضمار أكد مسؤول أمريكي في وقت متأخر من مساء الخميس الموافق 11/4/2024 "أن الولايات المتحدة تتوقع هجوما من إيران على (إسرائيل) لكنه لن يكون كبيرا بما يكفي لجر واشنطن إلى الحرب".
وعلى إثر ذلك قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الأحد السابع من هذا الشهر، بجولة إقليمية بدأت في العاصمة العُمانية مسقط ثم اليوم التالي إلى دمشق على أن يغادرها إلى بيروت في محطته الثالثة، فمن خلال هذه الجولة يتبين أن هناك رسائل تحاول إيران إيصالها؛ فبالنسبة لعمان فقد اشتهرت بالوساطة بينها وبين الولايات المتحدة، وأما سوريا ولبنان ومثلهما العراق فلديها أذرعها المسلحة فيها، وتفسير ذلك يعني أن إيران ليست لديها النية لتوجيه ضربات موجعة تؤدي إلى ردع يهود، وبالتالي توسيع الحرب، وإنما تهديد وتخويف إعلامي، وهذا ما صرح به الكاتب الإيراني آراش عزيزي للعربية نت، حيث قال: "على طهران أن تتعامل مع حقيقة أنها فقدت قدرتها على الردع ضد (إسرائيل) وأنه يتم دفعها للردّ، كما عليها أن تواجه حقيقة أنها تتجنّب الدخول في مواجهة أوسع مع (إسرائيل) لأن كلفتها ستكون باهظة للغاية".
وهذا ما أكده اللواء يحيى رحيم صفوي مساعد وكبير مستشاري المرشد الإيراني في مراسم تأبين اليوم السابع لمقتل اللواء محمد رضا زاهدي إثر الهجوم على القنصلية الإيرانية، بأن "(إسرائيل) تخشى وتشعر بالهلع من انتقام وصفعة إيران المرتقبة له والتي تجعلها تشعر بالندم على عدوانها على القنصلية الإيرانية بدمشق". وأضاف: أن "هذه الحرب النفسية والسياسية والإعلامية هي أشد رعبا للصهاينة من الحرب نفسها وقد أجبرت قسما منهم على الهروب وقسما آخر على النزول إلى الملاجئ في كل ليلة لأنهم يخافون من الهجوم الإيراني".
أما بالنسبة لأمريكا فإنها تريد من خلال هذه الجعجعات والتصريحات الإيرانية الضغط على كيان يهود ونتنياهو للقبول بحلوله، فقد نقل موقع "جادة إيران" عن مصدر دبلوماسي مطلع لم يكشف عن هويته، "أن إيران أبلغت الولايات المتحدة بأنها ستمتنع عن الرد على الغارة الجوية ضد قنصليتها في دمشق إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة"، وهذا ما تحاول أمريكا إقناع كيان يهود به.
وبالفعل قام النظام الإيراني بتوجيه مئات الطائرات المسيرة مساء السبت لكيان يهود، أعلن الكيان التصدي لـ٩٩٪ منها، وقد كانت أمريكا وكيان يهود على علم بتوقيتها، وبهذه المسرحية الهزيلة، أصبحت إيران هي الخائفة من رد كيان يهود، وهكذا حفظت إيران ماء وجهها بهذه الضربات الخجولة!
وخلاصة القول: إن هذه الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين لا تليق بها أعمال القادة والرجال، فها قد مضى على ضرب القنصلية أكثر من أسبوعين، وما سمعنا من النظام الإيراني إلا الجعجعات، والرد الخجول الذي لا يرتقي لمستوى الحدث، فلو كانت جادة في الرد المناسب، لقامت بذلك فورا وحتى قبل رفع رفات قتلاها، ولكانت ضربة قوية مفاجئة، فهكذا أمور لا تحل بالدبلوماسية والرد الهزيل، خاصة مع عدو جبان أضحى متغطرسا بسبب جبن وتخاذل المقابل، فهو كما قال الشاعر: "وعادة الناس للأوثان تعبدها ... من خسة الناس لا من رفعة الوثن".
أيها المسلمون ويا جيوش الأمة: هذا هو الحال والواقع في عصر الرويبضة والعملاء والخونة، لا أمان لكم تحت حكمهم، ولا يمكنهم الذود عنكم، ولا يمكنهم الاستجابة لصرخات المستضعفين من النساء والأطفال، فهم أجبن من أن يفعلوا ذلك، وأنتم أبناء الأمة وأبطالها ولا خيار لكم لرفع الذل والهوان عن كاهل الأمة إلا بالإطاحة بهم، وقلع المحتل ونظامه السياسي الذي فرضه عليكم، وتحكيم شرع الله، والانطلاق لنصرة المستضعفين من المسلمين في غزة وغيرها من بلاد المسلمين، فأنتم أهل لذلك، واعلموا يقينا أن ما تريده أمريكا من تهدئة ليس من أجل هذه الدماء الزكية في غزة الأبية، بل إنه الخوف والرعب من تحرككم، فهي على يقين أنها لا قبل لها بمواجهتكم، فاستجيبوا لأمر الله، ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع