طلب عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان في خطاب أرسله إلى الأمين العام للأمم المتحدة نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، طلب من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصراً قوياً لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان، وأكد حمدوك، أن الحكومة على استعداد للترحيب بالبعثة في أقرب وقت ممكن، على أن يُنشر وجود أولي تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام الذي يتخذ من الخرطوم مقراً له، ودعا حمدوك إلى المساعدة في تعبئة المساعدات الاقتصادية الدولية للسودان، وتيسير المساعدة الإنسانية الفعالة في جميع أنحاء السودان، وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن.
كما دعا إلى دعم إعادة المشردين داخلياً واللاجئين إلى أوطانهم وإعادة إدماجهم، وتحقيق المصالحة بين المجتمعات المحلية، وتحقيق مكاسب السلام، والعدالة الانتقالية، وحماية المدنيين، وبناء قدرات قوة الشرطة الوطنية بطرق منها نشر مستشارين من شرطة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. ودعا فريق الأمم المتحدة القطري في السودان إلى توسيع عملياته من حيث الحجم والنطاق، وأن يحول نهجه من المساعدة القائمة على المشاريع والمساعدة القصيرة الأجل إلى برمجة إنمائية طويلة الأجل تساعد السودان على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. (اليوم التالي 10/2/2020م)
تتحدث وسائل الإعلام والأسافير عن أن الطلب خاص بالمساعدة الفنية ولعب أدوار معينة في مسائل السلم والأمن وأن الخبرة والإمكانيات المادية والفنية في الأمم المتحدة أكثر من الحكومة الانتقالية، ويتساءل البعض هل نمتنع عن طلب مساعدة في أمور نحن في أمس الحاجة لها خاصة والبلد تعاني من وضع صعب؟ وكل يبكي على ليلاه بعيدا عن المبدئية والحلول الناجعة، فهل فعلا الأمر ببساطة ما تتناقله وسائل الإعلام والمؤيدون لحمدوك؟
من المعروف أن لكل دولة نظاما خاصا يضبط سير الحياة العامة فيها، وذلك النظام يتمثل في القوانين والدساتير التي تحكم بها البلاد، والتي تضمن تطبيقها مؤسسات الدولة المختلفة الممثلة للسلطات التنفيذية والرقابية، الآن في السودان، وكل العالم النظم وضعية تصاغ فيها الدساتير بواسطة مجلس تشريعي يأخذ التشريع بالأغلبية، كذلك العالم في صورته المجملة له قانونه الخاص أيضا الذي ينظم العلاقات الداخلية والخارجية للدول وفق معاهدات ومواثيق دولية، وهناك مؤسسات ومنظمات دولية تشرف على تنفيذ القوانين جعلت العالم بأجمعه خاضعا للنظام السياسي الديمقراطي وللنظام الاقتصادي الرأسمالي، لذلك فالعالم يحكم فعليا بنظام واحد ولمنظمة الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة، الدور الفاعل في تنظيم العلاقات المشتركة بين الدول المختلفة، ومجلس الأمن الدولي هو أهم أجهزة الأمم المتحدة، وتقع على عاتقه المسئولية الرئيسية في صون السلم والأمن الدوليين كما يدعون، ويتكون من 15 عضوا، ولكل عضو صوت واحد، وله سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء، لذلك تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء، وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن اللجوء إلى فرض جزاءات وصولاً إلى الإذن باستخدام القوة لصون السلم والأمن الدوليين وإعادتهما طبقا للفصل السابع، وهذا المجلس تتحكم به خمس دول دائمة العضوية لها حق النقض (الفيتو) مما يتنافى مع العدالة التي يتشدقون بها.
لكن طلب رئيس الوزراء حمدوك وضع السودان تحت الوصاية يختصر الكثير من التفاصيل التي تمر عبرها القوانين وفق ما ينفذ بشكل مباشر قوانين الأمم المتحدة وهي مجرد أداة في يد دول الغرب لتنفيذ المشاريع الاستعمارية للسيطرة على العالم.
فالبند السادس، خاص بالمواد 33-38 التي تنص على حل النزاعات المسلحة، لكن الطلب نص على تمكين مجلس الأمن من كل السودان وليس فقط مناطق النزاعات، كما طلب تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن وتحقيق مكاسب السلام، والعدالة الانتقالية، وحماية المدنيين، وبناء قدرات قوة الشرطة الوطنية بطرق منها نشر مستشارين من شرطة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
فهل في هذا حل لأزمات السودان؟
هناك دول عديدة طلبت المساعدة من الأمم المتحدة في حل أزماتها مثل البوسنة والهرسك وفلسطين ورواندا والصومال والكونغو وجنوب السُّودان وأفريقيا الوُسطى وليس آخرها سوريا، فهل وصلت الأمور فيها إلى بر الأمان أم أنها تأزمت أكثر؟
تبدع الأمم المتحدة ومجلس أمنها في تحويل المشاكل البسيطة إلى مشاكل شائكة ومعقدة. سوريا وليبيا واليمن مثال واضح، لقد أصبح ظهور المندوب السامي للأمم المتحدة على سطح أية مشكلة أو قضية علامة بارزة من علامات الكيد الدولي لتعقيد هذه المشكلة أو تلك القضية، وجعلها بعيدة عن الحل كبعد الثرى عن الثريا! ثم تتنافس الدول الاستعمارية على سيادة هذا البلد مما يجعله أثراً بعد عين.
في سوريا تراوح الأزمة مكانها مستعصية على حلول مبعوثي الأمم المتحدة، والأمثلة عديدة على الفشل، فرغم التحذيرات التي وجهها مبعوث الأمم المتحدة السابق لسوريا ستيفان دي ميستورا بخصوص الأحياء الشرقية لحلب، التي قال إنها ستدمر بالكامل، عقد مجلس الأمن جلسته الطارئة حول سوريا وناقـش مشروعين! ففـشل المشروعان، لكن المهمة الروسية في احتلال وتدمير سوريا سوف تستمر، والأمم المتحدة تـتـفرج! ولن ينـقذ أحد الشعب السوري كما لم ينـقذ أحد سكان سربرينيتـشا الذين قـتلوا وقوات الأمم المتحدة تـتـفرج!!
أما قضية فلسطين وكما هو متداول في أروقة الأمم المتحدة، جعل حكام المسلمين والسلطة الفلسطينية أنفسهم موضوع تندر واستهزاء أمام الأمم، على اعتبار أن العرب يعدون بمئات الملايين وينتشرون على مساحة جغرافية واسعة، ولا حيلة لديهم لمواجهة كيان يهود إلا عبر الشكاوى والبكاء والعويل، وتشكل الشكاوى العربية وشؤون العرب عموما نسبة عالية من حجم تشغيل الأمم المتحدة، ولولا تذمرهم المستمر لوجد العديد من الموظفين في الأمم المتحدة أنفسهم في الشارع بدون وظائف! وقد تجسدت آخر الشكاوى بطرح مشروع السلطة الفلسطينية على مجلس الأمن لتحديد موعد لإنهاء الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن المشروع فشل في الحصول على الأصوات اللازمة لطرحه على المجلس.
أما في أفريقيا الوسطى فقد أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش ومُنظَّمة العفو الدَولِيَّة، قُوَّات حفظ السلام بأفريقيا الوُسطى في كانون الأول/ديسمبر 2014، لعجزها عن مَنْع التطهير العرقي ضد المدنيين المسلمين في الجُزء الغربي من الدولة، والحديث يطول ولا يتسع المجال لتفصيله.
لن تحل هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها مشكلة للمسلمين، مما يعزز حتمية وجود دولة مدركة للمشكلة والحلول بناء على مبدأ صالح لحسم هذه الفوضى، يربط المسلمين بالوحي الذي قال: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر﴾، دولة تجعل الحل من عند رب العالمين وليس في يد الأعداء الكافرين وهي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع