في مقال نشرته الإندبندنت على موقعها بعنوان: "هل يمكن الهروب من هيمنة الدولار؟" أوردت الصحيفة بعد الحديث عن هيمنة الدولار بنسبة ٩٩٪ على تداول النفط بحجم تجارة يقدر بنحو ١٤ تريليون دولار سنويا، أفردت تحت عنوان فرعي "العالم قد يعود إلى المعيار الذهبي" قائلة: "وفي السياق ذاته، قال رئيس شركة يورو باسيفيك كابيتال للوساطة المالية، بيتر شيف، إن العالم قد يعود إلى المعيار الذهبي، ويعيش الدولار أيامه الأخيرة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة خرجت عن المعيار الذهبي في عام 1971، ولكن في رأيه، فإن العالم سيعود إليه".
وقال شيف "الأيام التي كان فيها الدولار عملة احتياطي معدودة، ونحن نعود إلى الأساسيات. كما تعلمون، كل ما هو جديد هو قديم منسيّ. كان للذهب قيمة خاصة في الماضي، والمستقبل له. إن البنوك المركزية ذكية بما يكفي لتتوقع المستقبل وتزيد احتياطاتها من الذهب الآن".
اللافت في المقال أمران مهمان: الأول ارتباط بيع النفط بالدولار، والثاني التوجه الدولي للهروب إلى المزيد من احتياطات الذهب.
أما الأمر الأول فإن روسيا - وبعد فرض عقوبات عليها - تحاول جاهدة بيع نفطها بالروبل أو اليورو، ومع أن حجم تجارة روسيا مع أمريكا لا يتجاوز ٥٪ من الحجم الكلي ولكن أكثر من ٥٠٪ من التجارة الروسية مقومة بالدولار الأمريكي وذلك أيضا بسبب النفط الذي يقوّم بالدولار.
الخبير الاقتصادي وضاح طه قال للإندبندنت "كان عام 1974 عاما فارقا في اعتماد الدولار كعملة النفط بعد اتفاق السعودية، باعتبارها أكبر مصدّر للنفط بالعالم، والولايات المتحدة على تسعير النفط بالدولار لتصبح نقطة أساس لتبني التسعير للخام الأسود بالعملة الأمريكية".
وهذا يشير أن انفكاك دولة مثل السعودية من تقييم النفط بالدولار من شأنه أن يزعزع بقوة مكانة الدولار ليهوي إلى غير رجعة، ولكن أنّى لحكام آل سعود أن يفعلوا ذلك وقد مردوا على العمالة والخيانة كسائر حكام المسلمين؟!
رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر صرح قائلا: "من غير الطبيعي أن يدفع الاتحاد الأوروبي ٨٠٪ من واردات الطاقة بالدولار في حين ٢٪ فقط من الواردات تأتي من أمريكا" ولام الشركات الأوروبية على تعاملها بالدولار بالرغم من أنها شركات أوروبية، وفي ذلك إشارة واضحة إلى المحاولات الحثيثة للانفكاك من الدولار وسيطرته. وزد على ذلك سعي بكين إلى تقييم شراء النفط بعملتها أيضا، في محاولات أخرى للانفكاك من هيمنة الدولار ولو جزئيا.
هذا كله يشير إلى تنامي في الوعي العالمي وإلى الحشد الدولي الذي تغذيه عنجهيات ترامب والمستوى القياسي من العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى نظام التحويل المالي "السويفت"، وما يعنيه ذلك من استعباد للعالم فوق استعباد.
أما الأمر الثاني فهو الهروب إلى الذهب؛ فمع أن أمريكا تحتل المرتبة الأولى في احتياطي الذهب والذي يزيد عن ٨٠٠٠ طن إلا أن زيادات ظاهرة في احتياطات عشرات البنوك المركزية رصدت هذا العام والعام الفائت.
فوفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي، في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2019، زادت عشرات البنوك المركزية من احتياطي الذهب بمقدار 1 طن على الأقل، وأصبحت أربعة بنوك مركزية مشترين رئيسيين للذهب في آب/أغسطس، وأضافت روسيا، التي كانت رائدة في شراء الذهب في عام 2019، 11.3 طن أخرى إلى مخزونها.
وتجاوز احتياطي الذهب للبنك المركزي الروسي في أيلول/سبتمبر 100 مليار دولار بفضل المشتريات الأخيرة، وزادت روسيا هذا العام وحده احتياطياتها من الذهب بنحو 120 طنا. فيما اشترت الصين 5.9 طناً أخرى في الأشهر التسعة الماضية.
وزادت مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية في تموز/يوليو، وفي المجموع، في العام الماضي، خزّنت البنوك المركزية في العالم 651.5 طناً من الذهب، ولاحظ مجلس الذهب العالمي أن عام 2018 تميز بأعلى مستوى من صافي المشتريات السنوية للذهب من البنوك المركزية منذ تعليق إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب في عام 1971، وثاني أكبر إجمالي سنوي في التاريخ.
يقول مؤسس حزب التحرير العالم الجليل تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتاب "النظام الاقتصادي في الإسلام": "حين كان نظام الذهب عالميا، لم تكن أية مشكلة لنظام الذهب. وإنما طرأت المشاكل من يوم أن أخذت الدول الكبرى تحاول ضرب أعدائها عن طريق النقد، وحين جعلت مع نظام الذهب نظام النقد الورقي الإلزامي، وحين أوجدت الدول الاستعمارية الغربية صندوق النقد الدولي، وحين جعلت أمريكا الدولار أساس النظام النقدي...".
والخلاصة أن النفط هو أبرز سلاح يمكن أن تستخدمه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله؛ لإزالة هيمنة الدولار عالميا، ومع تعالي الأصوات دوليا المنادية بالانفكاك من هيمنة الدولار ومع زيادة توجه البنوك المركزية لرفع احتياطات الذهب في رصيدها، وفوق ذلك مع بوادر الأزمات الاقتصادية الكبرى التي ينتجها النظام الرأسمالي، وبوجود الدولة المبدئية التي تقود هذا الأمر، فإن العودة إلى نظام الذهب والفضة عالميا تصبح أيسر وأسرع إن شاء الله.
رأيك في الموضوع