يلحظ المتتبع للأحداث على أرض الشام كيف توجهت الأنظار في الآونة الأخيرة تجاه شيوخ القبائل والعشائر وذلك من أجل تمرير وتنفيذ المخططات والاتفاقات الدولية التي تهدف لإنهاء الثورة من خلال تنفيذ الحل السياسي الأمريكي الذي عجزت الفصائل العسكرية عن تنفيذه بمفردها فكان لا بد من إيجاد رديف للقوة العسكرية المرتبطة، هذا الرديف يجب أن يكون يمثل القاعدة الشعبية، ولا خير من القبائل والعشائر لتقوم بهذا الدور، خصوصاً أن غالبية المناطق المحررة ذات طابع عشائري.
فبدأ النظام التركي العمل على إيجاد هذا الرديف، وبالفعل وقبل أن يقوم بحملته (غصن الزيتون) تم عقد مؤتمر القبائل والعشائر في أنقرة بتاريخ10 أيلول 2017م، ومهّد هذا المؤتمر لعقد المؤتمر الأول للقبائل العربية في إسطنبول وذلك في 12/12/2017 حيث حضر ممثلو ما يقارب الستين قبيلة وعشيرة لذلك المؤتمر.
وقبل عقد هذا المؤتمر في إسطنبول شكلت ما تسمى حكومة الإنقاذ بتاريخ 03/11/2017 فقامت بتشكيل مجلس شورى للقبائل والعشائر بحيث تحصل الأخيرة بموجب هذا المجلس على دعم القبائل والعشائر وإضفاء شرعية على الحكومة وتأييد من القاعدة الشعبية واستيعاب باقي الشخصيات والرموز العشائرية التي لم تكن موجودة في مؤتمر إسطنبول، وهذا ما حدث بالفعل حيث أعلنت حكومة الإنقاذ وبتاريخ 26/06/2018 عن تشكيل مجلس شورى القبائل والعشائر السورية في الداخل السوري المحرر.
وكثرت في تلك الفترة التشكيلات للمجالس القبائلية والعشائرية، نذكر منها تشكيل مجلس قبيلة بني خالد تلاه تشكيل مجلس قبيلة العكيدات ومن ثم تشكيل مجلس قبيلة طيء ومجلس قبيلة النعيم ومجلس قبيلة البوشعبان ...إلخ
وكان الهدف من تشكيل هذه المجالس للقبائل كلاً على حدة هو إيجاد تمثيل لها ضمن المجلس الأعلى للقبائل والعشائر في تركيا أو في مجلس شورى القبائل والعشائر في الداخل المحرر؛ وكان آخر هذه المؤتمرات المؤتمر الذي عقد في قرية سجو في ريف حلب الشمالي بتاريخ 12/12/2018 بحضور الائتلاف الوطني. وحمَل المؤتمر شعار "يدا بيد لتحرير سوريا من نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية وتحقيق السلم الأهلي ووحدة سوريا أرضاً وشعباً".
ودائماً يكون دور شيوخ العشائر والقبائل والوجهاء في مثل هذه المؤتمرات هو التقاط بعض الصور التذكارية على هامش المؤتمر وتناول وجبة الغداء التي يتم تجهيزها على شرف الحضور، وأصبحت لدى الجميع شبه قناعة بأن حضورهم في أي اجتماع هو من أجل إعطاء شرعية لصاحب الدعوة ولا دور للقبائل وشيوخها سوى ذلك!
وإذا عدنا قليلاً في التاريخ نجد أن للقبائل والعشائر دورا بارزا ومهما حيث كانت القبائل والعشائر هي وجهة النبي e لطلب نصرتها من أجل نصرة دين الله سبحانه وتعالى، والمتتبع لسيرته e يجد كيف كان يتقصد القبائل في مواسم الحج عندما تخيِّم حول مكة، فبدأ e بعرض نفسه على القبائل في السنة الرابعة للبعثة، واستمر في عرض الدعوة على القبائل في مواسم الحج مستفيداً من تجمعهم، حيث تأتي القبائل إلى مكة للحج وتحصيل المنافع من تجارة وغيرها، وفي كل موسم يجدد الدعوة لهم، فكان يأتيهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام، ومن تلك القبائل التي دعاها e: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعذرة.
وفي موسم حج عام أحد عشر للبعثة التقى الرسول e بنفر من شباب يثرب من قبيلة الخزرج، وكانوا من العقلاء فاستجابوا لدعوته ودخلوا في الإسلام، فكانوا سفراء إلى قومهم وكان الأوس والخزرج أنصار الله ورسوله، وشتان بين دعوة القبائل لنصرة دين الله وبين دعوتها لتعين أعداءها على الحفاظ على النظام العلماني الكافر وتثبيت أركانه كما يجري اليوم!!
ولقد تنافست القبائل في عهد النبوة وبعد فتح مكّة في العام الثامن للهجرة، وانتهاء غزوة تبوك، وسقوط آخر معاقل المقاومة لدولة الإسلام، وظهور نتائج الصراع بين الحق والباطل، بادرت قبائل العرب إلى الإسلام، وأقبلت الوفود إلى النبي e من كل حدبٍ وصوب، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً﴾ حتى ازداد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستّين وفداً والتي كان منها وفد بني تميم الذي يعتبر من أبرز الوفود التي جاءت إلى المدينة في ذلك العام، وذلك لمكانتها بين قبائل العرب، وسمعتها في مجال الأدب والخطابة والشعر، وفد نجران، وفد عبدالقيس، وفد بني حنيفة، وفد الحميريّين من أهل اليمن، وفد طيء، وفد بني عامر، وفد بني سعد بن بكر، وفد المراديين، وفد كندة، وفد قوم جرير بن عبد الله البجلي، وفد ثقيف، وفد تميم الداري، ووفود أخرى كثيرة... كل هذه القبائل جاءت لتنال شرف الدفاع عن هذا الدين وحمل رايته.
فرفع الإسلام شأن تلك القبائل وبقي ذكرها مقروناً ببقاء هذا الدين، فعندما يذكر العهد الأول للإسلام لا بد من ذكر تلك القبائل التي آوت ونصرت وجاهدت في سبيل الله. وإن كانت القبائل اليوم تبحث لنفسها عن مكان فعليها أن تسير على خطا أسلافها في نصرة دين الله سبحانه وتعالى وذلك بتبني مشروع الخلافة على منهاج النبوة الذي يعمل له حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، فإذا سأل سائل لماذا الخلافة؟ نقول: لأنها فرض رب العالمين، فإذا سأل لماذا حزب التحرير؟ فنقول: لأن العمل لهذه الفريضة لا يكون فردياً بل لا بد من أن يُعمل لهذا الفرض بشكل جماعي، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والجماعة الوحيدة التي تعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله بطريقته الشرعية هي حزب التحرير، فإذا قال إن إقامة الخلافة ضرب من الخيال! نقول: قال الباري سبحانه وتعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
اللهم اجعلنا من شهودها وجنودها برحمتك يا أرحم الراحمين
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الجواد
رأيك في الموضوع