اجتمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا في أنقرة الأربعاء 04/04/2018م، ثم أصدروا بيانهم الختامي، وكان واضحاً من البيان، سواء أكان ذلك من خلال ما تنطقه السطور، أم كان من خلال المخفي والمستور... كان واضحاً عزم أولئك الثلاثة على بذل الوسع للمحافظة على الحكم العميل لأمريكا في سوريا، والوقوف في وجه تحركات أهل الشام لإقامة حكم الإسلام:
أما أردوغان، فاستعمل الخداع ولا يزال، وذلك في درع الفرات، فاستنفر المقاتلين إلى درعه، ومن ثم أضاع حلب وسلّمها للنظام... ثم كان غصن الزيتون، فاستنفر المقاتلين أيضاً إلى عفرين، فأضاع جنوب إدلب وأتبعها الغوطة الشرقية... ولا زال في جعبته دروع وأغصان يحتفظ بها إلى أن يكتمل جمع المقاتلين في إدلب، ومن ثم يستنفرهم إلى جهة أخرى، فتضيع إدلب!
وأما روحاني - الخامنئي - فمليشياته في سوريا تجوب السهل والجبل، من حرسه الثوري، وحزبه اللبناني، إلى مليشياته من الآفاق، وكلهم لا يدّخرون وسعاً في قتل الناس للمحافظة على طاغية الشام.
وأما بوتين، فإجرامه ومجازره في سوريا ملء السمع والبصر، وهو لا يحتاج إلى شيء من الخداع والتبرير، كما يفعل أردوغان، أو روحاني - الخامنئي، فأولئك يستعملون الخداع، لأنهم يصيحون بصوت عالٍ أنهم مسلمون! وأما بوتين فليس بحاجة لذلك، فهو عدو صريح للإسلام والمسلمين.
إن هؤلاء الثلاثة منشغلون بالمحافظة على بقاء الحكم العلماني العميل لأمريكا في سوريا، ويبذلون من الجرائم والمجازر والوحشية في سوريا، وسعهم بل فوق وسعهم! وهم يدركون أن النفوذ الذي يصاحب هذا الحكم هو نفوذ لأمريكا، فينشغلون عنها بالوكالة لإفساح المجال أمامها لمعالجة أزماتها في شرق آسيا في كوريا الشمالية والصين... ولو كانوا يعقلون لنهجوا نهجاً آخر غير هذا السبيل، ولكن الشيطان يستحوذ على أوليائه!
ومع كل هذا وذاك، فلم يكن أولئك المجرمون، سواء أكانوا هؤلاء الثلاثة، أم أمريكا التي من ورائهم، لم يكونوا ليقفوا على أقدامهم بجرائمهم، لولا ذلك العدد من الفصائل التي سارت خلفهم بسياسة العصا والجزرة، المغلفة بالمال القذر، والتهديد والوعيد... ولولا ذلك لغاصت بأولئك المجرمين أقدامهم... ومع أن الحزب لم يدّخر جهداً في توعية تلك الفصائل، وتبصيرها بما يجري ويدور، إلا أنهم كانوا يبررون سيرهم خلف أولئك بأنهم يدعمونهم بالمال والسلاح، وأن الحزب لا يستطيع ذلك، بل فقط يدعمهم بالنصح... ويضيفون إن ذلك النصح لا يغني من ضرب السيوف شيئاً! ولم يدركوا أن السيف بيد حامله، ذو حدين، فهو في يد الواعي المبصر يكون درعاً يقيه شر خصمه، ووسيلة قوية لهزيمة عدوه... ولكنه بيد المخدوع الراكض وراء دعم المجرمين يكون درعاً ممزقاً، تبرز أسلاكه من خلاله، فيقتل من هو في يده قبل أن يقتله خصمه!
وإننا نتوجه لتلك الفصائل التي كانت ترفض توعيتنا لهم، وتبصيرنا لهم... فقد كانوا يقولون هذا كلام لا يغني من الحرب شيئاً، بل يريدون الدعم بالمال والسلاح الذي يجدونه عند خونة المسلمين، عرباً وتركاً وفرساً، بل بعضهم يضيف حتى ولو من مجرمي الروس والأمريكان، ظناً منهم بأن أخذهم المال القذر من أولئك، لن يمنعهم من القتال عن الشام... نقول لكل هؤلاء: ها أنتم ترون نتيجة أفعالكم وأقوالكم، فقد أصبحتم مهجرين مطرودين حتى من دياركم وأبنائكم!
ومع كل هذا وذاك، فإن هذه الأمة لن تهزم بإذن الله، بل الأيام دول، ولقد ابتليت هذه الأمة بمثل ذلك وأشد، من الصليبيين والتتار، ثم عادت فنهضت، واقتلعت جذورهم، وسادت العالم من جديد... صحيح إن حكم الإسلام كان هو النافذ في تلك الأيام، وأن الخلافة كانت موجودة حتى وإن كانت ضعيفة، فكان للأمة رأس يجمعها لقتال عدوها، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، ومن ثم هزمت عدوها ونهضت من جديد... واليوم ليس هناك حكم بالإسلام، وليست هناك خلافة، وإذن من الذي يجمع المسلمين للقتال؟ قد يقول قائل مثل هذا القول، وهو وصف للواقع صحيح، ولكن العمل للخلافة مستمر بقوة بإذن الله، وقد أصبحت مطلباً رئيساً للمسلمين في بلدانهم، وهم يرقبون ذلك بالقول والفعل، وينطلقون لقلب تلك الأيام السود 26، 27، 28 - رجب 1342هـ، التي كانت مسرح التآمر والجريمة في إلغاء الخلافة، ينطلقون لإزالة تلك الأيام السود، ويعيدونها مشرقة بالخلافة من جديد في يوم قدره الله، وما ذلك على الله بعزيز، وعندها سيعلم الذين ظلموا وخانوا وأجرموا أي منقلب ينقلبون.
أيها المسلمون: إن أولئك الثلاثة الذين أجرموا بحق سوريا، كافرهم ومنافقهم، لن يهنأوا بجرائمهم ومجازرهم في حق الشام وأهله، بل سيأتيهم العذاب من حيث لم يحتسبوا، فإن الشام قد ابتليت من قبل بأشياعهم ثم بقيت، وهم قد هلكوا، وهذا ما سيكون بإذن الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
وفي الختام، كلمة نقولها إلى جيوش المسلمين الرابضة في ثكناتها... إن أمركم عجب، فإذا استنفركم الحكام لقتل المسلمين فعلتم، وإن استنفركم المسلمون لنصرتهم، تباطأتم وتخاذلتم، بل صمتّم صمت القبور، وحجتكم طاعتكم لرؤسائكم، مع أن طاعة أولئك الرؤساء هي الطريق للخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، ولن يغنوا عنكم حينها شيئاً، حتى إن قلتم وقلتم دفاعاً عن أنفسكم: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾. ومع ذلك فإن لديكم متسعاً من الوقت، لتكفِّروا عما صنعتم، فتنصروا دين الله، لإعادة حكم الإسلام في الأرض، وقطع الحبال مع الظلمة والمنافقين، والكفار المستعمرين، فعسى أن يكون ذلك كفارة لكم، وصدق الله العظيم ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾.
وأخرى نقولها للمسلمين بعامة، لا تيأسوا من رحمة الله، فالشام ستبقى الشام، فهي عقر دار الإسلام: أخرج أحمد في مسنده عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ e، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ e: «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ». وفي رواية نعيم بن حماد في الفتن، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ».
وخاتمة الختام، فإن حزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، ماضٍ في عمله مع الأمة ومن خلالها، وهو ثابت على الحق بفضل الله، لم يغير ولن يغير فكرته وطريقته، لأنهما الحق، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَال﴾، وهو قوي بربه، عزيز بدينه، يضرع إلى الله العزيز الحكيم، أن يتحقق وعد الله على يديه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وأن تتحقق بشرى رسول الله e للحزب وأهله، وكافة المسلمين، أخرج أبو داود الطيالسي عن حُذَيْفَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «... ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، ثُمَّ سَكَتَ. وأخرجه أحمد بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «... ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ.
والحزب مطمئن بنصر الله، ليس فقط للأنبياء والمرسلين، بل كذلك للمؤمنين الصادقين، وليس فقط في الآخرة، بل في الدنيا كذلك، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويصيب الذين أجرموا صغار في الدنيا، وعذاب أليم في الآخرة، والله منتقم جبار، عزيز حكيم.
الثامن عشر من رجب 1439هـ حزب التحرير
05/04/2018م
رأيك في الموضوع