عقدت دول الغرب قمتين مؤخرا لهما انعكاسات علينا، الأولى للناتو في بروكسل يوم 25/5/2017 والأخرى لمجموعة السبع في صقلية يومي 26-27/5/2017. وحصلت بينهم خلافات على أمور واتفاقات على أخرى. وللرئيس الأمريكي الجديد ترامب دور فيها. وهذه ظاهرة للإخوة الأعداء أصحاب المبدأ الرأسمالي، وفي حالة اتفاقهم تبقى بينهم خلافات عميقة كل يتربص بالآخر، لأن النفعية مقياسهم، والصراع يدور بينهم على المنافع وعلى السيادة.
كان ترامب يهدد بالخروج من الناتو، ويصفه بالمؤسسة البالية، ويطالب الدول الأعضاء بدفع مستحقاتها ورفع موازنتها الدفاعية إلى 2% من مجمل إنتاجها المحلي. ولكنه في أول مشاركة له بالقمة أشاد بالناتو بأنه "حلف المستقبل" واعتبره "حصنا للسلام والأمن العالميين"! فلم يعد حلفاً بالياً في عشية وضحاها! مظهرا أنه لا يضيره اتخاذ المواقف المتناقضة في سبيل تحقيق مصالح أمريكا، فيلجأ إلى التهديد والتهكم والهجوم والابتزاز، فإن وجد مقاومة وتحدياً وصداً يتراجع ويبدأ يمدح ويتزلف. وتصريح غاري كوهين مستشاره الاقتصادي بأن "وجهة نظر الرئيس تتطور وقد جاء إلى هنا لأخذ العلم" يثبت ذلك، مما يدل على انخفاض مستواه حيث يتصرف بعقلية التاجر المبتز البذيء. وهذا دليل على تهاوي أمريكا إلى الدرك الأسفل. فأهم مشكلة لديه وهو يتمتع بهذه العقلية زيادة الأرباح والمكاسب لأمريكا، فطالب "دول الناتو" بتسديد متوجباتها والتزاماتها المالية قائلا "هذا ليس عدلا للمواطنين الذين يسددون الضرائب في بلاده". ووصف ستولتنبرغ سكرتير الناتو ترامب بأنه كان "فظا" بشأن مطالبته بمزيد من الإنفاق الدفاعي. فالدولة التي تقدم الربح والكسب المالي على الفكر والكسب المبدئي هي دولة منحدرة نحو الأسفل.
فقد تصدى له الأوروبيون في قمة السبع فتراجع عن قضايا، وتحدثت ميركل عن "محادثات صاخبة" معه. ووصف ترامب الألمان بأنهم "سيئون جدا لامتلاكهم فائضا كبيرا في إطار التبادل التجاري مع بلاده"، وقال دبلوماسي أوروبي طلب عدم ذكر اسمه "في النهاية أقنعناهم (الأمريكيين) بوضع محاربة إجراءات الحماية التجارية في البيان الختامي، وكان ذلك خطوة للأمام". فورد في البيان الختامي "نكرر التزامنا بإبقاء أسواقنا مفتوحة ومكافحة الحمائية مع البقاء حازمين حيال الممارسات التجارية السيئة".
وضغطوا عليه في موضوع اتفاقية باريس عام 2015 للمناخ، وكان يصف "ارتفاع درجة حرارة الأرض بأنه خدعة". فلم يستطع أن يرفضها، وإن لم يعلن عن قبولها، وطلب منهم أن يمهلوه أياما حتى يجيبهم، وهذا موقف ضعيف لأمريكا. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون "قلت لترامب إن من الضروري أن تبقى أمريكا مشاركة بالكامل في اتفاق باريس لتغير المناخ وإن الاتفاق ضروري لمصالح وسمعة أمريكا".
واتفقوا على إبقاء العقوبات على روسيا واتخاذ إجراءات إضافية ضدها إذا اقتضت الحاجة لتدخلها في أوكرانيا. وقد خاب فأل روسيا الغبية التي راهنت على ترامب ليرفع عنها العقوبات ويعترف لها بما حققته في أوكرانيا، مقابل تقديمها الخدمات لأمريكا في سوريا، ففي هذا الاتفاق أكدها وأطال أمدها مع الأوروبيين.
وكذلك توافقوا في موضوع سوريا، لأن الطرفين لا يتصارعان هناك، ولكنهما في صراع مع الأمة الإسلامية التي تتحداهما وتعمل على طردهما من المنطقة والعودة إلى الإسلام وإقامة دولته العظمى. ولذلك قررت دول الناتو (منظمة معاهدة شمال الأطلسي) في قمتها الاشتراك في التحالف الدولي الصليبي، واتفقت على تأسيس ناتو شرق أوسطي تابع لها باسم (منظمة معاهدة الشرق الأوسط) وباختصار "ميتو". وأفادت مصادر دبلوماسية بأن "إدارة ترامب متحمسة للمشروع وأثارت تأسيس المنظمة مع أكثر من زعيم في المنطقة لتحقيق أولويات مشتركة بين واشنطن ودول المنطقة... إضافة إلى رسم خريطة جديدة للتحالفات الإقليمية عبر تأسيس قوات مشتركة وتبادل معلومات استخباراتية. والمشروع يتقدم وقيد الدرس وجرى الاتفاق على إجراء مزيد من البحث عن تشكيله للوصول إلى توافقات إزاء أهدافه وآليات تحقيقه". وقد أعلن ترامب في اجتماع الرياض مع ممثلي الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي عن إقامة "الشراكة الوثيقة بين قادة البلاد العربية والإسلامية وأمريكا لمواجهة (التطرف والإرهاب)" بتأسيس (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي) والذي ستشارك فيه العديد من الدول... وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018". ففكرة ناتو الشرق الأوسط طرحتها أمريكا في الرياض، ووافق عليها ممثلو الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي. والهدف منها واضح وهو محاربة الإسلام والمسلمين باسم محاربة (التطرف) و(الإرهاب). وبهذا الإعلان تكون كل الدول الصليبية ومعها روسيا قد دخلت المنطقة في الحرب ضد الإسلام والمسلمين، مما يذكّر بالحروب الصليبية الأولى ويثير القادة المخلصين في الجيوش لنصرة العاملين على إقامة الخلافة لإسقاط الأنظمة العميلة التي تتحالف مع الصليبيين والتحضير للمعارك الطويلة معهم حتى هزيمتهم ودحرهم وطردهم من بلاد الإسلام.
وقد أغضب ترامب استقبال الأوروبيين له بفتور، بينما اختلف الأمر في الرياض، حيث وصف استقبال آل سعود له بأنه "مذهل وأبعد من أي شيء رآه أحد"، وقد قدم آل سعود لأمريكا مئات المليارات من الدولارات باسم التعاون العسكري وصفقات السلاح والاستثمار. بينما نرى الأوروبيين يرفضون الخضوع لأمريكا ويتصدون لها ولا يعيرون رئيسها اهتماما. وقد تصدت لها ألمانيا عندما رفضت مطالبة ترامب لها بدفع المليارات بدل حماية أمريكا لها بعد الحرب العالمية الثانية. فهذا هو الفرق بين من يملك إرادته ويحترم نفسه وبين من لا يملك الإرادة ويهين نفسه. فحكام العالم الإسلامي كلهم على هذه الشاكلة، فلو كان لديهم ذرة من العزة لرفضوا أن يخطب فيهم ترامب ويملي عليهم ما أملى ويصدر إعلان الرياض الذي يجبرهم فيه على محاربة شعوبهم الإسلامية باسم محاربة (التطرف) و(الإرهاب)، بل لرفضوا الذهاب وشنوا حملة عليه.
إن هؤلاء الحكام مردوا على النفاق على شعوبهم واعتادوا الذل أمام أعدائهم فضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله فاتصفوا بصفات أذل الناس، واستعدوا ليكونوا ذيلا للناتو ليركزوا نفوذ الأعداء ببلادهم. فما على الأمة إلا أن تقلعهم من جذورهم وتلقي بهم في هوة سحيقة وتدفنهم، وأن تعمل لتقتعد مقعد الأمم والشعوب الراقية والتي ترفض الذل، بل لتتفوق عليهم وتصبح سيدتهم، وتجعل أمريكا وأوروبا أسفل منها. ولا يمكن أن يحصل هذا إلا بقادة سياسيين عقائديين أعزاء اعتادوا الكفاح والتصدي لأعتى القوى وصمدوا وثبتوا كشباب حزب التحرير ولم تلن لهم قناة، وهم صابرون وثابتون حتى يقتعدوا مقعد القادة والساسة عمليا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع