ضَمن الإسلام الحاجات الأساسية لكل فرد باعتباره إنساناً، وهي المأكل والملبس والمسكن، قال رسول الله ﷺ: «لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ» أخرجه الترمذي. فهذا نصٌّ في أن الحاجات الأساسية هي المأكل والملبس والمسكن، وما زاد عليها ليس أساسياً، وبإشباعها تكون قد أُشبعت الحاجات الأساسية للأفراد. وهذا الإشباع يجب أن يكون إشباعاً كلياً، وعلى قدر الكفاية بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة: 233، وقال ﷺ: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» أخرجه مسلم. ومعنى "بالمعروف"؛ الكفاية بما هو معروف في ذلك البلد الذي يعيش فيه، والجماعة التي يعيش بينها.
وكذلك أوجب الإسلام على الدولة سد حاجات الأمة الأساسية؛ وبتوفير الأمن والطب والتعليم للرعية.
فالأمن من واجبات الدولة، عليها أن توفره للرعية، حتى إن الدولة تفقد وجودها إذا لم تستطع حفظ أمنها، ولذلك فإنه شرط في دار الإسلام، أن تكون الدولة قادرة على حفظ أمنها بقوتها، قال رسول الله ﷺ لأصحابه في مكة: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَاناً وَدَاراً تَأْمَنُونَ بِهَا» رواه ابن إسحاق في السيرة، كما أن الأنصار رضي الله عنهم عندما استقبلوا رسول الله ﷺ وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه، قالوا لهما: «انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ» أخرجه أحمد.
أما الصحة والتطبيب، فإنهما من الواجبات على الدولة بأن توفرهما للرعية، عن جابر رضي الله عنه قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ» أخرجه مسلم. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ» أخرجه الحاكم في المستدرك.
وأما التعليم، فلأن رسول الله ﷺ، جعل فداء الأسير من الكفّار يوم بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين، وبدل فدائه من الغنائم، وهي ملك لجميع المسلمين، وكذلك أجمع الصحابة على إعطاء المعلمين قدراً معيناً من بيت المال أجراً لهم.
ولم يكتفِ الإسلام بضمان إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بل ضمن تمكين كل فرد من الرعية من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع. فحث على إشباع الحاجات الكمالية له ولمن يعول، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ آل عمران: 180، وأباح التمتع بالطيبات، في قوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ البقرة: 57، وقال: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ القصص: 77.
وهذه المعالجة للمشاكل الأساسية لكل فرد، وتمكين الإنسان من رفع مستوى عيشه، جاء مُقرَّراً في المادة 125، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "يجب أن يُضْمَنَ إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً. وأن يُضْمَنَ تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع" (مشروع دستور دولة الخلافة، صفحة 50).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع