إن الواقع الذي نعيشه اليوم بكل ما فيه من هزائم وفتن واحتلال لبلادنا ونهب لخيراتنا وثرواتنا حتى هيمن الكافر المستعمر على حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية طامعا من وراء ذلك باستسلامنا حتى نرفع أمامه الراية البيضاء معلنين له أننا هُزمنا في جميع الميادين وأن له الحق في قيادتنا حيث يريد، ظنا منه أنه أوصلنا إلى الإحباط واليأس من تغيير هذا الواقع حسب شرع ربنا، فجلس البعض وهو يقول لن نخرج من هذا الواقع إلا بزلزال رباني أو تسونامي يغرق أمريكا ويدمرها، ويقول آخرون نريد معجزة حتى نخرج مما نحن فيه، فيجلس يحلم ويتوهم وينتظر ظهور المهدي حتى يحارب الكفار وحده ويلم شمل وشعث المسلمين! إلا أن الله عز وجل حمى أمة الإسلام بالعصابة المؤمنة الواعية على حقيقة السياسة وحقيقة الفكر، المبصرة للطريقة المنجية والمنهضة للأمة من كبوتها حيث قال ﷺ: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِماً يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» رواه مسلم. فإصرار هذه العصابة الواعية على التصدي للكافرين المستعمرين وأعوانهم وكشف فكرهم وكذبهم وخداعهم، لا يقبلون مساومة على الدين أو مهادنة، ضاربين عرض الحائط بالمصالح أو الضروريات، فلولا هذا الثبات من هذه العصابة لسُحقت الأمة ولصارت أثرا بعد عين.
إن الكافر المستعمر مصرّ على أن يوصل الأمة إلى حالة الإحباط ثم اليأس ثم القنوط، وهو يدس لها السم الزعاف على جرعات. ومنذ سنوت طويلة وهو يخادعها ويراوغها على دينها وعقيدتها ويساومها على إسلامها وإيمانها الذي بدونه تفقد عزتها وارتباطها بربها سبحانه وتعالى. حتى قال بعض ضعاف النفوس والمنافقون "نخشى أن تصيبنا دائرة"، و"إن تغيير الحال من المحال"، وكذبوا فما هو إلا انتفاخ باطل ومزور وأوهام ساقها الكافر ليقنع نفسه أولا ومن تبعه من ضعاف النفوس ثانيا أنهم قضوا على هذه الأمة قضاء مبرما، فخابوا وخسروا لأن في الأمة من يخاطبها بمفاهيم الإسلام ويحدد لها البوصلة، فحدد لها أن هناك كفراً وإيماناً، حقاً وباطلاً، كل ذلك حتى لا يكون اللقاء بينهم إلا في ميادين الجهاد حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
إن الكافر المستعمر وبطانته المارقة توهموا أن الأمة وصلت إلى الإحباط واليأس وأنهم حققوا أمرين؛ الأول: ضعف الإرادة والرغبة في التغيير، والثاني: توهين العزيمة من خلال الركون إلى الدنيا ومحبتها.
وهذان الأمران يمنعان أي إنسان من الحركة ويقعدانه حتى عن التفكير بالتغيير. فالإحباط واليأس والقنوط مفردات حرم الإسلام أن تكون في قاموس المسلم، لأن اليأس مساوٍ للكفر، واليأس ضد الرجاء وهو يساوي القنوط، وهو أن يقطع الإنسان بأن التغيير والفرج لن يتحقق، أو يقطع بأن بشرى رسول الله ﷺ بعودة الخلافة لن تتحصل، فيقطع الأمل بأن الانتصار سيكون للإسلام.
بمعنى آخر أن يقطع الأمل أن المصائب التي ألمت بالمسلمين على يد أمريكا وأوروبا وروسيا والحكام العملاء لن ترفع ولن تزول، فليس أمامنا إلا الخنوع والاستسلام للأمر الواقع! والقنوط أشد من اليأس، قال تعالى: ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾. وقال تعالى: ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾. وهذه الثلاثة (الإحباط واليأس والقنوط) حرام أن يصل المؤمن أو المسلم إليها ولا يجوز أن تتسلل إلى نفسه لأن هذا يعني سوء الظن بالله عز وجل، فإذا حصل ذلك كانت الكارثة والطامة على من أساء الظن بالله عز وجل (وهو نفي وقوع رحمة الله سبحانه وتعالى، وهذا من الكبائر). عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ»، فسوء الظن بالله تعالى من أخلاق أهل النفاق والشرك، قال تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾.
إن الكافر المستعمر وعملاءه يصرون على عدم عودة الأمة الإسلامية إلى دينها في ظل دولتها، وهم مصرون على أن تعيش تعاني ما يعانيه من مشاكل وعقد نفسية، وقلق واضراب جنسي يفضي إلى الانتحار فركز على:
أولا: أن ينزع من الأمة ثقتها بالإسلام، وأنه هو الذي يحقق للناس السعادة والرفاهية والتقدم.
وثانيا: نزع ثقة الأمة بنفسها ومقدرتها؛ لأنه يعي حقيقة القوة الكامنة فيها، ويعرف أن مصالحه مرهونة ببقاء حالة الإحباط، ويحرص على وأد كل تفكير للخروج من ربقته. فعمل على منع كل ما من شأنه إنهاض الأمة بأساليب أكثر مكرا ودهاء من السابق. فكان للإعلام دور في استمرار تضليل الأمة والإبقاء على حالة الإحباط، وخرج لنا إعلام غير حكومي محسوب على شركات عالمية له دور مشبوه، يركز على حرف الأمة عن البوصلة، فكان دوره تغيير وجوه وما هما إلا وجهان لعملة واحدة. إنهم يعمدون إلى إفشال أن الإسلام بديل حضاري لكل ما هو موجود على الساحة من خلال التجارب الفاشلة التي نُسبت (للإسلاميين) فتقول: إن الإسلام لم يحمل من أجل تطبيقه وإيجاده في حياة الناس فالذين فشلوا هم الذين لا يعرفون من الإسلام إلا الاسم.
ومن مكرهم استباق الأحداث من أجل فرض حالة الإحباط على عامة الناس حتى يبقى زمام الأمور بأيديهم ويطيلوا من عمر الأنظمة العميلة. فحاولوا إقناع الدهماء بأن الموجود أفضل من المتوقع ولا يوجد حل حقيقي، فهم يعملون على إطالة الأزمات كما هو الحال في القتال الدائر في اليمن وحالة التيه في ليبيا وحالة القتال الدائر في سوريا. كما أنهم أقنعوا البسطاء من الناس أن أي مشروع سياسي لا بد أن يأتي من أمريكا، وهذا أيضا مما حرمه الإسلام على المسلمين فمن وجد في نفسه ذلك فقد دخل جحر الضب. فكانت المصلحة العامة تبريرية والضروريات مقاييسها الهوى وليس الشرع.
وحتى نواجه بضاعة الكافر المستعمر لا بد من تعميق الإيمان بالله تعالى وأن نمارس عمليا معنى التوكل على الله، وأن نكون على ثقة بأنفسنا وقدراتنا، فالمسلم لا يستسلم للظروف ولا يذل أمام عدوه، بل كل ذلك سبب ودافع له للعودة إلى الله تعالى وإعداد العدة من جديد للمغالبة والمراغمة لأعداء الله تعالى. فالوعي السياسي على حقيقة الكفر والمكر الدوليين يجعل المسلم يدرك مشروعه الحضاري السياسي من غير تخبط ولا التواء، فالطريق إلى الله تعالى وتحقيق مرضاته واضح لدى كل مؤمن صادق، فهو ليس في اتباع أمريكا ولا أوروبا أو روسيا، وليس من خلال الحكام العرب صناعة الاستعمار فهم أس الداء وسبب البلاء وهم الدعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. أما تأخر النصر في نظر ضعاف الإيمان واليقين حيث إن المحنة مستمرة والمسيرة طويلة، فأقول: لا يعلم الغيب إلا الله، ولا يعلم أحد متى نصر الله تعالى. فلا يصح أن نقول تأخر نصر الله. فالأمور تسير وفق مراده وهو سبحانه يعلم متى ينصر عباده. فلو كنا نعلم موعد النصر ولم يتحقق لصح منا القول (تأخر النصر)، قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ فالنصر قادم في الزمان الذي حدده الله تعالى وما علينا إلا الالتزام بما أمرنا به سبحانه وتعالى.
بقلم: الشيخ سعيد الكرمي (أبو عبد الرحمن)
رأيك في الموضوع