غالبا ما تُخفي صورة الطفولة الزاهية الواقع المرير الذي يعيش فيه الصغار. ففي ظل غياب تحكيم الإسلام فإن معاناتهم واستغلالهم تظهر في صور مختلفة منها تشغيلهم بما يسمى "عمالة الأطفال" والتي ظهرت مع ظهور الثورة الصناعية وترسُّخ المبدأ الرأسمالي، حيث نشأت عندما بدأت المصانع والمناجم باستخدام أطفال تقل أعمار العديد منهم عن العاشرة، وكانوا يُجبرون على العمل ساعات طويلة في ظروف صحية قاسية وبأجور زهيدة. ورغم سن القوانين لتصحيح هذا الوضع إلا أن المشكلة لا تزال قائمة؛ فلا يزال تشغيل ملايين الأطفال يتم بشكل غير إنساني وفي ظل ظروف قاسية ليس فقط في الدول النامية والفقيرة بل وأيضا في الدول الصناعية، حيث تشير تقديرات اليونيسف إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، وحوالي 16 في المائة من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال. وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون، ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في جميع أنحاء العالم. وكان للبلاد الإسلامية نصيب كبير من تلك الإحصائيات المخيفة التي تبين مدى الاستغلال والعنف والإيذاء بحق الأطفال الذين أجبرهم الفقر على العمل والتي تزداد مع الفقر وتدني المستوى العلمي للأسرة والاستعمار والحروب والأزمات التي تخلق عبئا اقتصاديا. فإحصائيات اليونسيف وغيرها تشير إلى وجود أرقام كبيرة من الأطفال العاملين في اليمن ومصر وتونس والأردن وفلسطين وليبيا وغيرها بظروف استغلالية غير إنسانية.
ومع تصاعُد وتيرة العنف في العالم، بات لا ينقضي يوم دون أن نسمع عن مقتل أو استهداف طفل؛ فبات الأطفال هم الهدف والضحية في تلك الحروب البشعة، والصراعات المدمرة! وإن لم يُصب هؤلاء الأطفال بأي مكروه جسدي فتصيبهم التداعيات النفسيَّة، وتؤثر عليهم وعلى مستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل! وهذا شكل آخر من أشكال معاناة الأطفال، فيؤكد تقرير لمنظمة اليونسكو صدر مؤخرا أن حوالي 67 مليون طفل عبر العالم يعانون - بسبب النزاعات المسلحة - من الحرمان من التعليم والفقر ويتعرضون للاغتصاب والعنف الجنسي. ويعيش حوالي 28 مليون طفل منهم في دول فقيرة تشهد حروبا ونزاعات مسلحة. ففي الهند مثلا فإن ظاهرة خطف الأطفال منتشرة حيث كشفت صحيفة ديلي ميل أن طفلا واحد يُخطف في الهند كل ساعة، وأن 20 طفلا يختفون في العاصمة نيودلهي كل يوم، ويتم دفعهم إلى التسول أو الأعمال المنزلية أو الدعارة أو ممارسة أعمال أخرى. ووفق معطيات قدمتها السلطات الهندية فإن 30 في المائة فقط من الأطفال المختطَفين يعودون إلى أسرهم، فيما يبقى مصير 70 في المائة مجهولا.
أما البلاد الإسلامية وبسبب الحكام الرويبضات العملاء، ومؤامرات الدول الاستعمارية على بلاد المسلمين فحدث ولا حرج... فالحروب والصراعات السياسية والطائفية منتشرةوالأطفال فيها هم الضحايا. تقول إحصاءات اليونيسيف إن هناك15 مليون طفل يعانون من آثار تلك الحروب والصراعات الطائفية، وأن تلك الحروب عرّضت 10 ملايين طفل للاكتئاب والصدمات النفسية. وقد تعرض 7,3 مليون طفل سوري لأبشَع الانتهاكات، وفي العراق يقدر أن 2,7 مليون طفل تأثَّروا بالصراع، وحسب ما ذكرَت رئيسة المكتب الميداني الذي تُديره منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف( في غزة فإن نحو 400 ألف طفل أصبَحوا يواجهون مستقبلاً "قاتمًا للغاية"؛ بفِعل الصدمات التي يُواجهونها بفعل عدوانكيان يهود.
أما اليمن - البلد الفقير أصلا - فهو يعيش نزاعا مدمرا منذ سنوات أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من الأسر، وفقدان مصدر الرزق لهم ناهيكم عن مقتل العديد من الآباء، وقد تسبب النزاع بتدهور الأوضاع الإنسانية والصحية بشكل كبير لنحو 26 مليون يمني، وبات أكثر من ثلثي السكان محرومين من الحصول على العناية الطبية اللازمة، ويصعب الوصول إلى الغذاء، وحذّر برنامج الأغذية العالمي من تدهور وضع الأمن الغذائي وتزايد معدلات سوء التغذية لدى الأطفال في اليمن مما جعل كثيرا من الأطفال مضطرين للتسول من أجل تأمين الطعام لعائلاتهم، وتحولت شوارع بعض المدن إلى ما يشبه منازل ثانية لهؤلاء الأطفال يأكلون ويشربون فيها خلال فترة تسولهم المال والطعام. ويتجمع معظمهم أمام المساجد والمطاعم، وتبدو على وجوههم وأجسادهم النحيلة آثار التعب والإرهاق نتيجة قلة الغذاء. ويجلس بعضهم قرب أمهاتهم اللواتي يبعن المحارم الورقية أو يمسحن زجاج السيارات. هذا بالإضافة إلى استمرار هجمات التحالف بقيادة السعودية والتي أدت إلى قتل وتشويه الأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس في اليمن.
أما مصر فما نراه حاليا من وضع مزرٍ سيئ للأطفال فيها يدمي القلب... فغير عمالة الأطفال المنتشرة، هناك أعداد منهم محتجزون في السجون، ولا توجد أرقام دقيقة بشأن أعدادهم، لكن حقوقيين يقدرونهم بالمئات على الأقل. ويتعرضون للعديد من الانتهاكات بحقهم كأطفال بدءاً من احتجازهم مع بالغين، ثم الشتائم والإهانات اللفظية والضرب ووصولا إلى الصعق بالكهرباء والاعتداء الجنسي.
لا يخفى على أحد ما لعمالة الأطفال ومعاناتهم من الحروب والنزاعات من أضرار صحية وإنسانية ونفسية طويلة الأمد عليهم، فإن أخطر آثار الحروب والنزاعات على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا منها وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها، فمذبحة قانا - على سبيل المثال - التي مرّ عليها أكثر من عشر سنوات لا يزال الأطفال الذين عايشوها يعانون من اضطرابات نفسية؛ ففي بحث أجراه "اليونيسيف"، بالتعاون مع وزارة التعليم اللبنانية على 500 طفل لبناني ممن عايشوا أو شاهدوا تلك المذبحة، تبيَّن أن 30% من هؤلاء الأطفال لا يزالون يعانون من اضطرابات النوم، و14% يعانون من الاكتئاب، و40% منهم فكَّروا في الانتحار. وفي العراق مثلاً يُشير أحد مسؤولي اليونيسيف إلى أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي سيكونون بحاجة إلى علاج نفسي من الصدمة النفسية التي تعرَّضوا لها خلال الحرب. أما أطفال سوريا فيحتاجون لمئات الصفحات للحديث عن معاناتهم ومآسيهم.
ما ذكرناه هو غيض من فيض مما يعانيه الأطفال في ظل الرأسمالية والصراع الدولي. هذه المعاناة التي لن تنتهي ولن تتوقف إلا بدولة إسلامية راعية للجميع. دولة حامية للأطفال من أي انتهاك لحقوقهم، فستؤمن لهم التعليم والغذاء والمسكن والدواء، فلا يضطرون لكسب العيش وهم أطفال، ولن يكونوا ضحية صراعات أو حروب، يقول رسول الله e: «لا تكلفوا الصبيان الكسب فإنكم متى كلفتموهم الكسب سرقوا»، فنسأل الله أن يعجل بدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستحمي الصغير والكبير وتعتني بهم.
بقلم: مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع