يحلو للغرب توصيف الإسلام بالرجعية والقتل، ويخوّف العالم من أن قيام دولة تحكم به يعني اندلاع حرب عالمية، لا تأمن فيها البشرية على نفسها، حتى بات الكثير من أبناء المسلمين يخجلون من الاعتزاز بدينهم، وراح عدد آخر يقولون بأن الإسلام دين ليست له دولة، ولكن حملة الغرب هذه على دولة الخلافة الراشدة هي محاولة يائسة منه لتشويه صورتها قبل ولادتها، أملا منه في إحباط قيامها القريب بإذن الله.
إن ساسة الغرب ومفكريه يعلمون يقينًا واقع الإسلام، والواقع الذي ستكون عليه دولة الخلافة الراشدة القائمة قريبًا بإذن الله، كيف لا وعنده مؤسسات بحثية واستخباراتية تتابع سعي الأمة للنهوض بما نهضت به أول مرة، وقد قرأوا تاريخ دولة الخلافة الراشدة الأولى وما تبعها من عصور ازدهار ورحمة للبشرية، وهم يعرفون بقوة أفكار الإسلام القادرة بكل يسر على صرع أفكاره التي أشقت الناس وأصبحوا بسببها لا يأمنون على أنفسهم، حتى في أكبر العواصم الغربية وأكثرها تقدمًا، حيث لا يجرؤ البائع فيها على البيع إلا من وراء الزجاج المضاد للرصاص، كما حولت الرأسمالية الجشعة أكثر أهل الأرض إلى فقراء، بالرغم من وفرة الإنتاج وخصوبة الأرض والتطور التكنولوجي الذي ينمي الإنتاج أضعافًا مضاعفة، ومع ذلك تمر على البشرية هذه الأيام أزمات غذاء لم يسمع بها المسلمون في ظل حكم الإسلام.
جرت عادة الدول الحديثة على أن تبني علاقاتها الخارجية على مصالحها المادية، وحتى المبادئ التي تحملها ذللتها لخدمة تلك المصالح، فتحت شعار الحرية استعمرت الدول الغربية الاستعمارية الشعوب وخصوصًا الإسلامية، وتحت شعار النظام الاقتصادي الحر نهبت ثروات الشعوب، وتحت شعار الديمقراطية صدرت للشعوب حكامًا يبطشون بها حتى تتمكن هي من نهب الثروات والحيلولة دون نهوض الأمة الإسلامية بدينها، لكيلا يصل نور الإسلام وعدله شعوبها فينتهي عهدها. ونظرة سريعة إلى العالم اليوم، والذي تحكمه الدول الغربية بالمبدأ الرأسمالي، وتقيم فيه سياساتها على أساس المنفعة، تُرينا أن المبدأ الرأسمالي قد أشقى الإنسانية بأجمعها، فهو حصر النظرة إلى الحياة بالناحية المادية، وأوجد فكرة الاستعمار والاستغلال، فجعل الناس في خصام دائم للحصول على المكاسب المادية، وقامت الدول الغربية الاستعمارية القائمة على أساس المبدأ الرأسمالي بإشعال الحروب الطاحنة في بلاد كثيرة لكي يسهل عليها نهب ثروات تلك البلاد وخيراتها، فكانت حربان عالميتان، وحروب محلية وإقليمية كثيرة سقط فيها عشرات الملايين من القتلى ومثلهم من الجرحى والمعوقين، ولذلك صار من الطبيعي في ظل تحكم المبدأ الرأسمالي في سياسات تلك الدول أن نشاهد شعبا يتضوّر جوعا مع أن بلده يحتوي على خيرات وفيرة في باطن الأرض وظاهرها، وما ذلك إلا لأن هذا البلد قد استعمرته دول غربية وقامت بامتصاص ثرواته ولم تترك لشعب ذلك البلد إلا القليل القليل من الفتات الذي لا يكفي ليبقيه على قيد الحياة. هذا غيض من فيض ما فعلته السياسات الخارجية للدول الغربية القائمة على المبدأ الرأسمالي.
بينما السياسة الخارجية لدولة الخلافة على منهاج النبوة القائمة قريبًا بإذن الله ستقوم على حمل الدعوة الإسلامية، وعلى أساسه ستبني علاقتها بجميع الدول، تأسيًا برسول الله e، حيث قام بإرسال رسائل للملوك، وجهّز جيش أسامة إلى تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين لغزو الروم، وأصرّ على ذهاب الجيش رغم مرضه الأخير الذي مات فيه، فكل ذلك يدل على أن الدعوة إلى الإسلام هي أساس العلاقة بين الدولة الإسلامية وبين أية دولة أخرى في العالم، وأن هذه العلاقة تقتضي تجهيز الجيوش والإعداد لقتال من لا يستجيب لدعوة الإسلام بعد تبليغه إياها على وجه يلفت النظر. فالدعوة إلى الإسلام هي الأساس للعلاقة مع أية دولة، فهي أساس السياسة الخارجية. وبالإضافة إلى ذلك فإن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لا تعرف الاستعمار، لأن مبدأ الإسلام الذي تقوم على أساسه لا يجيز الاستعمار، بل إنه يحاربه. وقد ضمنت دولة الخلافة العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها. وأما الفتوحات الإسلامية فقد كانت لإزالة القوة بالقوة وكسر الحواجز المادية التي تعترض سبيل الدعوة حتى يُخلّى بين الناس وبين الإسلام الذي يقنع العقل ويوافق فطرة الإنسان. وما السرعة القياسية التي حصلت فيها الفتوحات إلا دليل على أن الفتح الإسلامي فتح يحمل الخير للشعوب ولم يكن استعمارا، فقد كان الجيش الإسلامي يدخل إلى بلد فيخرج الجيش إلى بلد آخر وقد زاد عددا وعدة من خلال إيمان شعب البلد الذي فتحه وانضمامه للجيش الإسلامي.
إن الجيش المسلم لدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة جيش نبيل، جنوده أبطال مهمتهم إنقاذ البشرية من جشع الرأسماليين، ليسوا كالمارينز أو قوات بلاك ووتر. روى سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ...» رواه مسلم.
إن الظلام الدامس الذي تعيش فيه البشرية في عصرنا هذا يفتح المجال أمام الدخول في دين الرحمة أفواجًا، وستكون السياسة الإعلامية الخارجية لدولة الخلافة على منهاج النبوة منصبة على بيان فساد الرأسمالية وظلمها وإبراز حقيقة الإسلام ودولته القائمة، وبالتالي فإن الدولة لا تكاد تكون مضطرة إلى استخدام القوة العسكرية لفتح البلاد، إلا في بعض المناطق التي يُطْبِق فيها الحكام الرأسماليون على شعوبهم، ويقمعونها فكريًا وعسكريًا، وقد أصبحت حيل تلك الدول ضعيفة، لا تنطلي على الشعوب. إضافة إلى أن دولة الخلافة ستضع قواعد لفتح البلاد، فتقدم البلدان الأكثر تقبلًا للإسلام بحكم عوامل عدة، لذلك فإن اتساع رقعة الدولة الإسلامية سيكون فكريًا طبيعيًا في المقام الأول وليس بقوة السلاح كما يتوهم البعض ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
رأيك في الموضوع