قال مجلس الوزراء المصري، إنه وافق على خطة لترشيد استهلاك الكهرباء بهدف تحقيق وفر من الغاز الطبيعي - المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء - للتصدير والاستفادة من العملة الصعبة.
بعد حرب أوكرانيا وحاجة أوروبا لبديل عن الغاز الروسي وجهت أمريكا عملاءها وخاصة في مصر نحو توفير البديل ولو كان على حساب مصر وأهلها، وكان هذا أحد أسباب زيادة سعر الغاز في الفترة الماضية إلى جانب التضخم الطبيعي وانخفاض قيمة الجنيه المصري، ولأن قرارات أمريكا وما يخدم مصالحها واجب التنفيذ فورا. ولهذا كانت الاتفاقية أو مذكرة التفاهم الثلاثية بين مصر وكيان يهود والاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو الماضي بشأن التعاون في مجال "تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي بين مصر وكيان يهود والاتحاد الأوروبي تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة وزير البترول المصري، طارق الملا، وكاترين الحرار، وزيرة الطاقة في كيان يهود، وكادري سيمسون مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي، وجاءت الاتفاقية في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا تقليص إمدادات الغاز لألمانيا بنسبة 40%، لتضخ 100 مليون متر مكعب يوميا بدلا من 160 مليوناً عبر خط أنابيب نورد ستريم، الأمر الذي أثار مخاوف دول القارة العجوز ودفعها للعمل على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على بدائل للغاز الروسي رغم قناعة أوروبا أنها لن تستغني عن الغاز الروسي لكن وجود البديل يمنح القدرة على المواجهة، وهو ما اعتبره وزير البترول المصري "علامة فارقة" ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون بين دول البحر المتوسط الأخرى، وأنه "اعتراف رسمي بأن مصر باتت مركزا إقليميا لتداول وتجارة الغاز وأنها مركز دولي على مستوى الطاقة العالمي ومن ثم سيكون التعامل مع مصر على هذا الأساس ومن ثم ستكون الاتفاقية مظلة لمجموعة جديدة من الاتفاقات".
الطبيعي أن يكون احتياج أوروبا لغاز بديل في صالح مصر وأهلها، والطبيعي أيضا أن يساهم هذا في تحسين اقتصادها؛ لكن هذا ما لم ولن يحدث في ظل أنظمة عميلة تفرط في الثروات وتضع البلاد ومقدراتها رهن إرادة المستعمر وتتصرف فيها وفق ما يخدم سياساته، هذا هو الواقع في مصر فبينما يبني حاكمها السيسي عاصمة للأشباح وقصورا رئاسية جديدة لا ندري متى سيستخدمها وكم بقي له من عمر ليسكن فيها، وطرقا جديدة وكباري تخدم هذه العاصمة والقصور وتضمن تأمينها لو تطلب الأمر أمام أي حراك شعبي محتمل.
أهل مصر الذين أثقلتهم القروض والتهم التضخم جهودهم ومدخراتهم يأتي النظام اليوم لمطالبتهم بتوفير الغاز مما يستخدم لتوليد الكهرباء لتصديره وتوفير عملة صعبة، وكأن هذا التوفير وتلك العملة ستفيدهم بشيء بينما كلها أموال منهوبة والقليل الذي ينفق منها على البلاد إنما ينفق لخدمة السادة وتوفير سبل راحتهم.
إن الترشيد في استهلاك أي شيء أمر محمود وخاصة إذا قامت به الدولة وبرعايتها بشرط أن يعود بالفائدة على الناس، وأن يشعروا هم بتلك الفائدة لا أن يكون عبؤه عليهم وفائدته لغيرهم كما هي حال مصر في ظل الأنظمة الرأسمالية العميلة، فالتوفير من الناس والمستفيد هو الغرب، وما يفعله النظام المصري ليس حلا لمشكلات الناس ولا الغاية الحقيقية منه توفير العملة الصعبة لهم، بل الغاية الحقيقية هي خدمة مصالح أمريكا ومساعدتها في احتواء أوروبا وتوفير بديل يمكنها من الاستغناء عن غاز روسيا، أما توفير العملة الصعبة فكما أسلفنا لا يراها ولا يشعر بها الناس أصلا ولا تؤثر في رفع مستوى معيشتهم بل ربما يكون عبئا جديدا عليهم وهو الحاصل.
بعيدا عن ترشيد استهلاك الناس للكهرباء والطاقة والتضييق عليهم في معيشتهم الضيقة أصلا، فإن توفير العملة الصعبة له وسائل كثيرة كلها تخدم الناس وتوفر سبلا لرعايتهم ورغد عيشهم، فيكفينا على سبيل المثال زراعة القمح بكميات كبيرة واستغلال مساحات الأرض الواسعة ومياه الأمطار الضائعة وطاقات الشباب المعطلة والمهملة، وحينها سنوفر للعالم بديلا أفضل من القمح الروسي والأوكراني وسنوفر لمصر العملة الصعبة التي تستورد بها القمح، ولو استبدل النظام بالقصور الرئاسية ومدن الأشباح مصانع حقيقية، أو أنشأ بنية تحتية لصناعات ثقيلة بتلك الأموال الهائلة التي أنفقت وتنفق في الهواء، فكيف كان سيكون مردود ذلك على مصر وأهلها وهل سيبقى هناك بطالة؟ وهل سيشعر الناس بأزمات؟
إن النظام هو صانع الأزمات، والخروج منها أسهل من رد الطرف إذا تم التخلي عنه واقتلاعه وموروثه الحضاري الفاسد وكل ما تفرع عنه من سياسات أذاقت مصر الويلات، والسبيل الوحيد لذلك هو تطبيق الإسلام بنظامه وأحكامه التي ترعى الناس رعاية حقيقية وتحفظ عليهم حقوقهم وثروتهم وتمكنهم من الانتفاع بالبلاد وخيراتها، وتوجد العدل بين الناس ويكفينا حديث رسول الله ﷺ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» الذي يجعل كل ثروات البلاد ملكاً حقيقياً للناس لا يجوز أن ينزع منهم ولا أن يمنع عنهم ولا أن يباع لهم، وقوله ﷺ «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ فَهِيَ لَهُ» فكيف بربكم سيكون حال مصر لو طبق فيها هذان الحديثان مع باقي أنظمة الإسلام التي تعالج كل مشكلات الناس علاجا حقيقيا.
إن مصر بحاجة حقيقية إلى نظام الإسلام والذي يحمل مشروعه حزب التحرير لا ينقصه لتطبيقه إلا نصرة صادقة مخلصة لله من المخلصين في جيش الكنانة وهم كثر، والأمة كلها تتطلع إليهم وتنتظر أن ترى غضبة أحفاد صلاح الدين وقطز والفاتحين العظام، ولا يخفى عليهم ما يحدث لمصر والأمة وما ينال أهلها من ظلم وخسف، فمن للأمة ودينها إن لم يكن أنتم؟ ومن ينصر الإسلام غيركم؟ فأعلنوها لله خالصة، غضبة تقتلع الظالمين وتقيم دولة العز التي يرضى عنها رب العالمين الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها ودرة تاجها.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع