إن سياسة التخويف من الإسلام التي ينتهجها قادة وحكام الغرب الكافر لم تكن سياسة جديدة أو نهجا مبتكرا فرضته التغيرات القائمة في العالم الإسلامي، أو استدعته بوادر صحوة في الأمة الإسلامية، بل هي أمر مركوز في قلب وعقل الغرب الكافر منذ مئات السنين، فقد توارثوا الحقد على الإسلام والمسلمين منذ ما قبل الحروب الصليبية. يقول الأستاذ محمد أسد (ليوبولد فايس) في كتابه الإسلام على مفترق الطرق (وهنا فقط (نعني فيما يتعلق بالإسلام) لا تجد موقف الأوروبي موقف كره في غير مبالاة فحسب، كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان والثقافات، بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على صدود من التعصب الشديد، وهذا الكره ليس عقليا فحسب، ولكنه يصطبغ أيضا بصبغة عاطفية قوية...)، ويتابع بعد ذلك فيقول عن نشأة أوروبا في العصر الحديث (...ولقد اتفق في ذلك الحين، وللمرة الأولى في التاريخ أن أوروبا أدركت في نفسها وحدة ولكنها وحدة في وجه العالم الإسلامي. ويمكننا أن نقول من غير أن نوغل في المبالغة: إن أوروبا ولدت من روح الحروب الصليبية)، ويقول (أما تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة وخاصّة طبيعية تقوم على المؤثرات التي خلفتها الحروب الصليبية، بكل ما لها من ذيول في عقول الأوروبيين الأولين).
وهذا الحقد الموروث لم يقتصر على أوروبا بل ورثته أمريكا وراثة جينية، يقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م: "يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية"، "إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها".
وقد بقيت هذه الغريزة الموروثة تنتقل من جيل إلى جيل يتوارثونها صاغرا عن صاغر، ومما زاد من استحكامها في نفوس قادة الغرب الكافر النهم الاستعماري، فبعد أن ذاق الغرب الكافر طعم خيرات بلاد المسلمين، ونبتت رفاهيته بأموال وثروات بلاد المسلمين زاد على الحقد الصليبي المركوز إدراكه ووعيه على أن عودة المسلمين إلى دينهم وعودة دين الإسلام نظاما للحياة هي الخطر الأوحد على مصالح الغرب الكافر، بل يمثل ذلك بالنسبة لهم خطرا وجوديا.
وليس هذا شيئا وصلنا إليه بالتحليل والدراسة بل هو ما تنطق به ألسنتهم وترتفع به عقائرهم، يقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق: "ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق". ويقول المستشرق غاردنر "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا". ويقول ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأسبق "إن بعض المراقبين ينبهون إلى أن عالم الإسلام سوف يتحول إلى قوة جيوسياسية موحدة ومتعصبة، وأنه بعدد سكانه المتزايد وقوته المالية الكبيرة سوف يشكل تحديًّا كبيرًا، وأن الغرب سوف يضطر إلى عقد تحالف جديد مع موسكو لمواجهة عالم إسلامي خصم عدواني".
وقد بقيت هذه العداوة مكتومة نوعا ما حتى بداية العقد الأخير من القرن العشرين مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وبدأت تتكشف استراتيجية جديدة للغرب الكافر تتمثل بتوجيه العداء كله للإسلام بوصفه نظام حياة، يقول ويلي كلايس - الأمين العام الأسبق للحلف الأطلسي - لصحيفة الإندبندنت البريطانية: "إن الخطر الذي يشكله الإسلاميون هو أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وزوال خطر الشيوعية".
ثم جاءت حرب الخليج الثانية وكانت أمريكا حينئذ في أوج قوتها وهيمنتها على العالم، وبدأت تتحرك في الأمة الإسلامية مشاعر كانت قد خبت فيها ردحا من الزمن، وشهدت تلك الفترة ما سمي بالصحوة الإسلامية، وأظهرت حرب الخليج الثانية ما تكنّه أمريكا للأمة الإسلامية من كراهية وعداء، ثم جاء بوش الصغير وأطلق مقولته الشهيرة (سوف أعلنها حربا صليبية( بالفم الممتلئ حقدا وشرا، وساحت جيوش بوش الصليبية في العراق وأفغانستان بكل ما تحمله أمريكا من غطرسة، وقد صاحب هذه الحملة الصليبية عسكريا حملات إعلامية وفكرية وسياسية، لشحن الأجواء ضد الإسلام والمسلمين، وصنع للحرب على الإسلام اسم جديد هو (الحرب على الإرهاب) وأصبح بث الكراهية صناعة تنفق عليها دول الكفر الأموال الطائلة، وقد أصدر المركز الأمريكي للتقدم تقريرا في 2011 عنوانه (التخويف من الإسلام (إسلاموفوبيا): جذور شبكة التخويف من الإسلام) سرد فيه تفاصيل حول الجهات التي ترعى هذه الصناعة والأموال التي تنفق وحجم الأثر الذي صنعته في المجتمع الأمريكي، وقد جاء فيه (إن هذا التحقيق المتعمق الذي أجراه المركز الأمريكي للتقدم لا يكشف فحسب أن اليمين المتطرف يقف وراء تصاعد ظاهرة التخويف من الإسلام في بلادنا، بل إنه يفضح تلك المجموعة الصغيرة من خبراء التضليل الذين يواصلون العمل ليلا ونهارا لموافاة الملايين من الأمريكيين بمعلومات خاطئة عن الإسلام من خلال متعصبين ناشطين وفعالين وشركاء إعلاميين وتنظيم عميق الجذور. إن هذا النشر للكراهية والتضليل يبدأ في المقام الأول بخمسة أشخاص رئيسين ومنظماتهم التي تتلقى التمويل من مجموعة من مؤسسات كبيرة. التمويل: أكثر من (40) مليون دولار أمريكي أتت من سبع مؤسسات خلال (10) أعوام. المؤسسات التي تمول خبراء التضليل: صندوق كبار المانحين، مؤسسة ريتشارد ميلون سكيف؛ مؤسسة ليند وهاري برادلي؛ مؤسسة نيوتن وبيكر روشيل، الوقف الخيرى! لنيوتن وروشيل بيكر. مؤسسة روسل بيري، صندوق الملاذ الخيري! وصندوق ويليام روزنوولد العائلي، مؤسسة فيربروك...)
ثم بدأت أمريكا وجيوشها تتلقى الصفعات في أفغانستان والعراق وبدأت صور توابيت قتلاهم تنتشر وبدأت الإدارة الأمريكية تتلقى الضربات تلو الضربات، وذاقت أمريكا بعضا من طعم محاربة الأمة الإسلامية وهي شبه أمة، بل أشلاء أمة مقطعة، فكيف لو كان لهذه الأمة وجود حقيقي في كيان حقيقي يتمثل فيه الإسلام نظاما للحياة!، وقد أدرك ساسة أمريكا، أن معركتهم مع الأمة الإسلامية كأمة معركة خاسرة، فبدأوا بمراجعة سياستهم والبحث عن استراتيجية جديدة تتمثل بخطاب يفصل بين الحرب على الإرهاب والإسلام، ويحسّن من صورة أمريكا في العالم الإسلامي لتخفيف حدة العداء ومن ثم توظيف طاقات المسلمين أنفسهم في الحرب على الإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب،فبدل أن تكون أمريكا في واجهة الحرب تأخرت إلى الوراء لتقود المعركة ضد الإسلام من الصفوف الخلفية، وتدفع بغيرها ليكون في واجهة الصراع، فقد جاء في خطاب لأوباما في 20 كانون الثاني 2015 قوله (نقف متحدين مع الناس في جميع أنحاء العالم الذين استهدفهم الإرهابيون، من مدرسة في باكستان إلى شوارع باريس. سوف نستمر في مطاردة الإرهابيين وتفكيك شبكاتهم، ونحتفظ بالحق في التصرف بصورة أحادية...فبدلاً من قيام الأمريكيين بدوريات في أودية أفغانستان، دربنا قواتهم الأمنية التي تتولى الآن زمام القيادة... وبدلاً من إرسال قوات برية كبيرة إلى الخارج، نتعاون في إطار شراكة مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يهددون أمريكا من إيجاد الملاذ الآمن...).
ولعلّ المعركة الدائرة اليوم في أرض الشام أقرب مثال على هذه الاستراتيجية حيث دفعت أمريكا بعميلتها إيران وبحزب إيران في لبنان، ليكونوا في واجهة الصراع للمحافظة على عميلها بشار، ثم استقدمت روسيا بعد أن ضعف إمساكها بخيوط الأزمة في سوريا وأوشكت أن تفلت من يديها، وحركت عملاءها في تركيا والسعودية ومصر، وهي قبل هذا كله، ساهمت على وجهٍ ما في صناعة خلافة موهومة، وجمعت الجموع وأنشأت تحالفها لحرب الإسلام بحجة محاربة الإرهاب، وقد استعرت الحرب وبدأ شررها يمس أوروبا فأرادت أوروبا أن يكون لها نصيب من المغنم كما أن لها نصيباً وافراً من المغرم، وهذا كله يحتاج إلى حشد الرأي العام لتبرير الحرب، وأيسر سبيل لذلك إيقاظ العداء المركوز في أوروبا ضد الإسلام والمسلمين ليكون القنطرة التي توصل ساسة أوروبا لشرعنة حروبهم. وهذا يوضح السهولة التي لقيتها فرنسا بعد حادثة تفجيرات باريس لتبرير تدخلها في سوريا، على حين غفلة من أهلها.
إن السياسة التي تنتهجها دول الكفر قاطبة والتي تتمثل في إذكاء الأحقاد الدفينة في شعوبهم لتبرير حربهم على الإسلام والمسلمين ستكون عاقبتها بإذن الله هزيمة نكراء تطيح برؤوس الكفر دفعة واحدة، وقد جرب هؤلاء أمة الإسلام وعلموا بعين اليقين أن الأمة الإسلامية لن تغلب في حرب تخوضها كأمة إسلامية ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
رأيك في الموضوع