لقد ذكر القرآن الكريم قصص الأمم السابقة لأخذ العبرة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. وقد تكرر ذكر بني إسرائيل مرات عديدة وفي أحوال مختلفة لكثرة ما ارتكبوه من معاصٍ وجرائم في حق الأنبياء وغيرهم.
والقارئ للقرآن الكريم يرى بوضوح أن القرآن قد سجل عليهم كثيراً من الأخلاق السيئة، والطبائع القبيحة، والمسالك الخبيثة. فقد وصفهم بالكفر والجحود والأنانية والغرور، والجبن والكذب، واللجاج والمخادعة، والعصيان والتعدي، وقسوة القلب، وانحراف الطبع، والمسارعة في الإثم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من الرذائل التي استحقوا بسببها الطرد من رحمة الله، والمسخ قردة وخنازير، وضرب الذلة والمسكنة عليهم.
إن القبائح التي سجلها القرآن عليهم، يراها الإنسان واضحة جلية فيهم على مر العصور، واختلاف الأمكنة، ولم تزدهم الأيام إلا رسوخاً فيها، وتعلقاً بها، ما تسبب بطردهم من كثير الدول؛ فطردتهم إنجلترا والمجر وفرنسا والنمسا ونابولي وميلانو وإسبانيا والبرتغال وألمانيا وغيرها...
* لم يترك اليهود خطيئة إلا ارتكبوها.
- نقضهم للعهود والمواثيق، قال تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
- سوء أدبهم مع الله؛ فقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إن الله أمرنا بفعل الفواحش، ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾
- أعلنوا العداوة لله وملائكته ورسله، فقتلوا أنبياءه، قال تعالى: ﴿مَن كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾
- ولكفرهم وكثرة معاصيهم استحقوا عقوبة الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُون﴾
- جحدوا الحق، وكرهوا الخير لغيرهم بدافع الأنانية والحسد، قال تعالى: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُم﴾، وقال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾
- استحلوا محارم الله وفتنوا المؤمنين عن دينهم فقالوا: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
- وبالحيلة والخداع، استباحوا الحرام؛ صادوا يوم السبت، وأكلوا الربا وأموال الناس بالباطل، وقالوا: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾
- نظروا لغيرهم نظرة دونية وأجازوا لأنفسهم كل عدوان على غيرهم، فقَالُوا: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
- نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا السحر والأوهام الشيطانية، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ونسوا حظّا مما ذكروا به، قال تعالى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ﴾، وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
- اتصفوا بالجبن والحرص على الحياة، ورأينا ذلك مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾
- اختلافهم على أنبيائهم فطلبوا من نبيهم موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً من دون الله، وعصوه وعبدوا العجل.
ومن أعظم معاصيهم قتلهم الأنبياء واستباحتهم الدماء؛ فهم أعداء لكل دين، فلا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، فمن قتل نبي الله يحيى عليه السلام وقطع رأسه وقدمه لبغية، ومن قتل وصلب شبيه المسيح ظنا منهم أنه المسيح عليه السلام وتفاخر بذلك، فليس عجيبا أن يرتكب المجازر ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويدمر دور العبادة والمدارس والمشافي على من فيها، ويهدم المنازل على ساكنيها، ويمنع الماء والدواء عن المرضى.
ما هذا إلا تجسيد لحقيقة نفسياتهم المريضة المتوحشة، فهذه سجاياهم التي لا تفارقهم.
ومن الشواهد على سوء فعالهم وقبيح أخلاقهم على مر التاريخ ما فعلوه مع رسول الله ﷺ؛ فقد عاهدهم رسول الله ﷺ فنقضوا عهدهم، وحاربوا دين الله، وكادوا بالمسلمين وحاولوا الإيقاع بينهم، واعتدوا على الأعراض، ودسوا لرسول الله ﷺ السم لقتله، وخانوا عهدهم وتحالفوا مع الأحزاب للقضاء على دولة الإسلام، فاستحقوا ما نزل فيهم من عقاب. فهم كما وصفهم حبرهم عبد الله بن سلام بأنهم "قوم بهت، لا عهد لهم ولا ذمة". وها نحن نرى بأم أعيننا جرائمهم في حق الإنسانية على أرض فلسطين.
- لقد أخبرنا الله سبحانه بأنهم أشد الناس عداوة للمسلمين، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.
إن أصل الصراع الممتد في عمق التاريخ بين أمة الإسلام وأعدائها هو صراع بين الإيمان والكفر، صراع حضاري محض، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾.
فكانت الحملات الصليبية الحاقدة على بلاد المسلمين، وقبلها محاكم التفتيش في الأندلس، وما قامت به من مذابح بشعة خير دليل على طبيعة الصراع.
ولما كانت حروبهم تنتهي دائما بالهزائم والخروج المذل من بلاد المسلمين، أدرك الغرب الصليبي أن مكمن قوة الأمة الإسلامية في وحدتها في ظل الخلافة، فكان لا بد من هدم الخلافة، فوجدوا ضالتهم في زمرة من خونة العرب والترك الذين بلغوا في الخيانة حد الخيال فحققوا للكافر المستعمر ما كان يراه مستحيلا:
- هدم الخلافة
- ومزق البلاد إلى دويلات هزيلة بلا سيادة ولا قرار، ونصب عليها حكاما لا يعرفون إلا مصلحة السيد المستعمر.
- أعطت بريطانيا رأس الكفر وعد بلفور بإنشاء وطن قومي ليهود ليكون مشروعا استعماريا وخنجرا صليبيا وسرطاناً خبيثا في جسد الأمة ليكون قاعدة متقدمة للغرب، وليحول دون عودة الخلافة.
وإمعانا في تضليل المسلمين وصرفهم عن عدوهم الحقيقي الذي هو الصليبي المستعمر وتوجيه العداء إلى عدو صناعي أنشأوا الحركة الصهيونية التي هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد، فكان من السذاجة والغفلة التفريق بين الصهيونية واليهود، والتفريق بينهم وبين الصليبيين.
لقد أوجدوا هذا الكيان المسخ والدولة اللقيطة ليخوض معها المسلمون معركة مغفلين يقاتلون كيان يهود بيد ويمدون اليد الأخرى لمن صنعهم ولا يزال يدعمهم بالمال والسلاح وبالقرارات الدولية! فكان من يسقط في هذه المعركة صريع غفلة.
إن ما نراه من هذه الحشود العسكرية الضخمة والبوارج البحرية من كل الدول الصليبية وإمداد يهود بالمال والسلاح وبالدعم السياسي والتضليل الإعلامي وإعطاء الغطاء لكل جرائم يهود لهو خير دليل على العدو الحقيقي خلف يهود.
إن من عَلِمَ أصل القضية وحدد الداء عَلِمَ بيقين الدواء؛ فإن الحل يكمن في نزع القرار من صنائع الاستعمار، وتحريك الجيوش لخلع هذا السرطان من جذوره، بالجهاد، وحشد طاقات الأمة الهائلة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، لنعود سادة الدنيا، خير أمة أخرجت للناس، فنفوز بشرف الدنيا والآخرة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
رأيك في الموضوع