هل من مخطط يتعلق بتهجير المسلمين من مناطق في سوريا وعدم العودة إليها؟ وما هي أسباب الخلاف بين الدول الأوروبية في التعاطي مع أزمة اللاجئين؟ وهل حصل تنسيق بين ألمانيا وأمريكا؟ وما هي الأهداف المادية لدول مثل ألمانيا في قبولها للاجئين باعتبار أن تلك الدول لا تقيم أي وزن لغير المنفعة المادية؟
حتى الأمس كانت ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي ترفض استقبال اللاجئين إلا إذا اضطرت لقبول الذين تمكنوا من الوصول إليها، وقد غرق منهم الآلاف هذه السنة، وكانت تعترضهم في عرض البحر وتسببت في غرق بعضهم، ولكن فجأة ومنذ شهر آب/أغسطس، فتحت ألمانيا أبوابها لهم وأعلنت استعدادها لقبول مئات الآلاف منهم. حتى إن سيغمار جبرائيل نائب المستشارة الألمانية قال يوم 7/9/2015: "إن بإمكان ألمانيا استيعاب نحو 500 ألف من طالبي اللجوء سنويا". فذلك يثير الاستغراب والتساؤل عما تريده ألمانيا. فأوجدت ألمانيا رأيا عاما أثرت به على كافة دول أوروبا مما اضطر كل دول أوروبا أن تتبعها في ذلك، وفتحت أبوابها لتقبل أعدادا منهم. مع العلم أن هذه الدول تعاني من أزمات اقتصادية، وتتبع سياسة التقشف في تخفيض النفقات، فأوقفت العمل بمشاريع تحتية وخدمات بلدية، وخفضت المساعدات الاجتماعية على رعاياها وكذلك معاشات التقاعد، وعملت على ترحيل اللاجئين. فهي ما زالت تعاني من تداعيات الأزمة المالية التي تفجرت عام 2008.
ولو كانت العوامل الديمغرافية كما يقول البعض بأنها هي الدافع الرئيس لقبول اللاجئين لقامت هذه الدول وعلى رأسها ألمانيا وأعلنت عن فتح أبواب اللجوء والهجرة للشباب المتعلمين ومن ذوي الخبرات وأبرقت إلى سفاراتها بمنح التأشيرات لهم وهم سيأتونها سنويا بمئات الآلاف من البلاد الإسلامية ومن غيرها. وهي تعاني من هذه الأزمة منذ سنين طويلة، فلا حاجة لمجيء أناس أكثرهم ليس لديهم خبرات ويحتاجون إلى سنوات حتى يتعلموا اللغة وحتى يكبر أبناؤهم ويتخرجوا من الجامعات ليصبحوا منتجين، فالقادمون ستبقى أكثريتهم لسنوات عديدة مستهلكين غير منتجين وعالة على مؤسسات المساعدات (الاجتماعية) ومكاتب العمل حيث بدأت ألمانيا تنفق المليارات عليهم.
وفي الوقت نفسه تعتمد الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا سياسة إرجاع اللاجئين الذين أتوا من تركيا ولبنان وغيرهما، واستصدرت مؤخرا قرارا برلمانيا بإرجاع اللاجئين الذين قدموا من البوسنة والهرسك وكوسوفا والصرب لكون بلادهم أصبحت آمنة، وهؤلاء اندمجوا في المجتمع الألماني تقريبا، وولدت منهم أجيال جديدة وتربى أبناؤهم في المدارس الألمانية. ونرى ألمانيا تسفّر الطلاب الذين أنهوا دراستهم أو الذين انتهت إقاماتهم ولم يفلحوا في دراستهم وهؤلاء أفضل لها لكونهم يعرفون اللغة الألمانية ودرسوا عندها فأصبحت لديهم خبرات وصاروا قادرين على الإنتاج.
ولو كانت العوامل الإنسانية لها أثر في سياسة الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا؛ فلماذا لم تقبل هؤلاء اللاجئين من قبل ومأساتهم مستمرة منذ أكثر من أربع سنوات منذ أن بدأ المجرم طاغية الشام برميهم بصواريخ سكود وبالبراميل المتفجرة؟! ولماذا لم تتخذ موقفا مجابها من هذا الطاغية لمنعه من ذلك وتأجيج الرأي العام العالمي ضده؟! وإعلامها حتى هذه الساعة لا يبرز وحشية هذا الطاغية ولا يتعرض سياسيوها لذلك؟! بل كان موقفها أقرب إلى نظام بشار والتعامل معه، وبقيت تعترف به رسميا وسفارته مفتوحة في برلين تجدد جوازات السفر لأهل سوريا المقيمين فيها أو ترفض تجديدها بعلم ألمانيا حيث تصل شكواهم إلى السلطات الألمانية التي تضغط عليهم لتجديد جوازاتهم وإلا واجهوا الترحيل، ولم تدعم الثورة السورية قطعا ولم تزينها في إعلامها ولم تتعاطف معها، ولكنها لم تظهر عداوتها المباشرة لها لتبقي خط رجعة لها، ودعمت جنيف1و2 للتفاوض والتصالح مع نظام الطاغية. وقد تصرفت ألمانيا مع اللاجئين حتى الأمس بقسوة وبتشدد، فكانت ترسل قواتها الأمنية إلى اليونان عندما أظهرت الأخيرة عجزها عن منعهم أو تهاونت في خروجهم من أراضيها نحو ألمانيا فعملت على منع مجيئهم إليها من هناك، وقد شكلت مع دول أوروبا قوة في عرض البحر المتوسط لمنع وصول اللاجئين إلى سواحل أوروبا.
هذا وإن المبدأ الرأسمالي لا يقبل إلا القيمة المادية، فلا يقبل القيم الإنسانية والروحية والخلقية كمقياس للأعمال، فإذا ذكرت هذه القيم فإنما لتسخيرها لتحقيق القيمة المادية، ولا تثار إلا لتحقيق أغراض وأهداف مادية، فلا يقام بها لذاتها، فيعتبر أصحاب المبدأ الرأسمالي مقياس الأعمال هو النفعية لا غير، وخاصة الدول الرأسمالية تعلن بكل صراحة أن سياساتها قائمة على تحقيق المصالح وتبادل المنافع.
وقد خالفت ألمانيا اتفاقية دبلن التي تنص على إرجاع اللاجئين إلى الدولة الأوروبية التي قدموا منها، فردت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم 1/9/2015 على الدول الأوروبية المتهمة قائلة: "يتعين علينا ألا نتهم بعضنا، ولكن علينا أن نغير شيئا". فهي تقر ضمنيا بمخالفة هذه الاتفاقية وتدعو لتغييرها كما دعت"دول الاتحاد الأوروبي لمزيد من المشاركة في تحمل عبء تدفق اللاجئين هذا العام واعتبرت أن فشل أوروبا في مشكلة اللاجئين سيؤدي إلى انهيار ارتباطها الوثيق بالحقوق المدنية العالمية" وأضافت "بالنسبة لهؤلاء اللاجئين المعرضين للاضطهاد أو الفارين من الحرب يجب أن يكون هناك توزيع عادل في أوروبا وفقا للقوة الاقتصادية والإنتاجية وحجم كل دولة". ولم تشاور دول أوروبا فيما فعلته وإنما فتحت الأبواب فجأة مما أثار اعتراض الدول الأوروبية، ولكن هذه الدول اضطرت إلى فتح أبوابها للاجئين بعد الحملة الألمانية.
يبدو أن ألمانيا تريد التصرف كدولة كبرى، وتريد أن تعطي رسالة للعالم بأنها مستعدة لتحمل مسؤولياتها العالمية. وتريد أيضا أن تفرض على أوروبا سياستها في ذلك كما فرضتها في موضوع الاقتصاد والناحية المالية من سياسة التقشف ومراقبة البنوك المركزية وفرضت اتفاقية مشددة على اليونان طلبت منها اتباع سياسة التقشف بحذافيرها منها تخفيض المساعدات (الاجتماعية) وأجور التقاعد. والآن تريد أن تغير قوانين اللاجئين وتفرض على أوروبا قوانين جديدة، وهي بذلك تظهر قيادتها لأوروبا..
وتريد ألمانيا أن تحسن علاقاتها مع العالم الإسلامي المترامي الأطراف والكثيف بالسكان لتحقق مكاسب اقتصادية ومكاسب سياسية ليكون لها وجود وتأثير وهي تسعى لأن تعود دولة كبرى عالميا، وقد وصلت رسالتها للمسلمين، فقالوا "شكرا لألمانيا"، وبدأ المسلمون ينظرون إليها نظرة إيجابية، وكأنها تعيد علاقاتها معهم كما كانت على عهد العثمانيين.
ولا يستبعد أن يكون قد حصل بين ألمانيا وبين أمريكا تنسيق حيث شكرها أوباما على خطواتها. فأمريكا رفضت المناطق الآمنة داخل سوريا لتوطين اللاجئين، لأن ذلك يبقيهم موردا للطاقة البشرية المقاتلة ضد عميلها بشار أسد ونظامه، فتتخلص من دعوة إقامة هذه المناطق، وهي تعمل على إذلال الشعب السوري الذي تمرد على عميلها بتشتيته وإبعاده عن أرضه وإسقاط ثورته، وتريد أن تخضعه لحلها السياسي الذي يتضمن بقاء النظام ومؤسساته الإجرامية. وتوطينهم في بلاد بعيدة عن أرضهم يخفف الضغط لحل معاناتهم بإسقاط بشار، وتجعل الوضع بين النظام الذي يُغطى على جرائمه وبين الفصائل الثائرة التي تُتهم بالتطرف وبارتكاب الجرائم، ومن أجل ذلك فقد بدأ الحديث عن عقد مؤتمر دولي لجعل كل دول العالم تقبل لاجئي سوريا.
إن حل مشكلة اللاجئين ليس في توطينهم في بلاد أخرى، وإنما في إزالة مسببها ألا وهو النظام السوري الذي تدعم أمريكا بقاءه حتى تصوغه من جديد وتحول دون سقوطه تحت مسمى الحل السياسي. فعلى أهل سوريا أن يثبتوا في أرضهم ويتحملوا الأذى حتى يتمكنوا من إسقاط المؤامرات التي تحاك ضدهم. وليعلموا أن أوروبا ليست جنة لهم ولم تقبلهم حبا فيهم ولا من ناحية إنسانية وإن تظاهرت بذلك. والله معهم وناصرهم.
رأيك في الموضوع