الحلف هو العهدُ بين القوم، والحليف هو الصديق الذي يحلف لصاحبه أن لا يغدر به، وتحالفوا أي تعاهدوا...
لقد كان حلف الفضول في الجاهلية أول حلف لنصرة المظلوم وقمع الظالم، وقد حدث حلف الفضول في شهر حرام (ذي القعدة) على أثر حرب الفجار، وقد تداعت إليه قبائل من قريش وهم بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي لسنّه وشرفه. فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا مظلوما في مكة من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه على من ظلمه حتى تُرد إليه مظلمته. وقد جاء في السيرة النبوية لابن هشام أن الرسول r شهد هذا الحلف وقال بعد أن أكرمهُ الله بالرساله «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب لي به حمر النعم ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت». فقد مدح الرسول r هذا الحلف لكونه قام من أجل نصرة المظلوم ورد المظالم وقمع الظالم والأخذ على يديه ورده عن ظلمه، وكان بين أفراد من قبائل مختلفة ولم يكن على أساس الوثنية أو غيرها، وإنما كان له بند واحد تحالفوا عليه هو نصرة المظلوم وردّ مظلمته إليه من الظالم.
أما التحالفات السياسية اليوم فهي تختلف تماماً عن حلف الفضول لأن بنودها تصب في مناصرة الظالم وقمع المظلوم. وعند استعراض بعض التحالفات السياسية في زماننا نجد أنها إما بين دول استعمارية لإحكام السيطرة على الشعوب والأمم ونهب ثرواتهم وتكميم أفواههم ومحاربة أفكارهم ومعتقداتهم كما هو حال الحلف الصليبي الذي تتزعمه أمريكا في حربها الظالمة على المسلمين في العراق والشام تحت ستار مكافحة الإرهاب، والجميع يعلم أن أمريكا هي صانعة الإرهاب وهي أكبر دولة إرهابية في العالم، أو تحالفات بين تنظيمات سياسية داخل الدولة الواحدة لتنفيذ أجندة لدول استعمارية والتخلص من الخصوم وتقاسم السلطة وإزاحة الآخرين منها. وعند فحص ثوابت هذه التحالفات نجد أنها مخالفة لأحكام الإسلام، وأن هذه التحالفات ما وجدت أصلاً إلا لحرب الإسلام وملاحقة حملته وتشويه رايته ودولته ومنهاجه.
الأساس الذي تقوم عليه التحالفات السياسية:
إن الأساس الذي تقوم عليه التحالفات السياسية بين الدول المتحالفة أو عملائهم من التنظيمات السياسية المتفقة أو المختلفة في الولاء هي عقيدة المبدأ الرأسمالي (فصل الدين عن الحياة) المخالفة للعقيدة الإسلامية، ومن يرفض هذا الأساس يصنف في قائمة الإرهاب كالمسلمين الذين تشتاق نفوسهم إلى الالتزام بأحكام الإسلام في ظل دولتهم القادمة (الخلافة) التي تقوم على أساس عقيدتهم الإسلامية التي تنبثق عنها جميع الأحكام الشرعية التي ستطبقها الخلافة الراشدة عند قيامها.
مقياس أعمال التحالفات السياسية:
المقياس الذي يحدد سلوكيات التحالفات السياسية في الحياة هو النفعية (المصلحة) فهي الرابط بين المتحالفين وإذا انتهت المصلحة انتهى التحالف، وهذه رابطة خطيرة جداً؛ لأن فيها مساومة على المصلحة، وبسببها تهدم دول وتسفك الدماء ويصبح الصديق عدواً والعدو صديقاً، وهي مخالفة لمقياس الأعمال في الإسلام وهو الحلال والحرام، وبسببها يخالف المسلم أوامر الله ورسوله لأنها أصبحت هي مقياس أعماله. والتحالفات السياسية ترتكب كل المنكرات من أجل تحقيق مصلحتها.
غاية التحالفات السياسية وهدفها:
للتحالفات السياسية أهداف تسعى إلى تحقيقها منها:
١- تنفيذ أجندة الدول الاستعمارية الكافرة عبر تحالفاتها مباشرة مع الدول التابعة لها أو عبر التنظيمات والأحزاب التابعة لها داخل الدولة التابعة الواحدة.
٢- التخلص من الخصوم على حساب دماء الشعوب والأمم وفي مقدمتها طبعاً دماء المسلمين.
٣- تقاسم السلطة أو الصراع عليها مع آخرين والضحية هم أتباع الحلفاء وغيرهم من أبناء الأمة الذين لا ناقة لهم ولا جمل.
النتائج المؤلمة المترتبة على التحالفات السياسية:
من النتائج المؤلمة التي تخلفها التحالفات السياسية:
١- سفك دماء المسلمين والله تعالى يقول: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، وقال r: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».
٢- تعاون المتحالفين على الإثم والعدوان والله يقول: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
٣- تعميق حب الانتقام عند أتباع العملاء فيشعل نار العصبية والفتنة الطائفية وغيرها والرسول r يقول: «دعوها فإنها منتنة».
٤- شراء الولاءات والذمم من قبل المتحالفين وهذا تدمير لنفسياتهم الإسلامية كي يستعدوا للتضحية من أجل مصلحة أو مال أو منصب ولو على حساب دخول النار.
٥- زرع الأحقاد الدائمة بين المسلمين ليصبحوا أعداء ويصبح أعداء الأمة لديهم أصدقاء.
٦- إفشال الثورات التي كانت تسعى لقلب الأنظمة العميلة كما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن وكما تسعى التحالفات السياسية الرأسمالية الكافرة وعملاؤهم عبر الحلف الصليبي بزعامة أمريكا للقضاء على ثورة الشام الإسلامية التي تسعى لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
٧- إشعال الحرب الأهلية عند تفكك الحلف إذا لم يتفقوا على تقسيم السلطة كما حدث في ليبيا.
مثالان على التحالفات السياسية:
١- التحالف الصليبي لأمريكا وحلفائها وعملائهم في حربهم على الشام والعراق لإفشال الثورة السورية المباركة تحت ستار محاربة تنظيم الدولة و"الإرهاب"، وهم الذين صنعوه لتشويه الإسلام ورايته ودولته القادمة (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) التي سوف تقضي على الحضارة الغربية الرأسمالية الفاسدة التي سببت للعالم المشاكل والأزمات، وليكون ذريعة لتدخل الغرب لملاحقة المخلصين من أبناء الأمة والتخلص منهم.
٢- تحالف صالح مع جماعة الحوثي لإفشال ثورة اليمن والذي سبب سفك دماء آلاف من أهل اليمن وجرّ عليهم الويلات والمصائب والنكبات.
ولذلك فإن هذه التحالفات السياسية محرمة شرعاً ولا تجوز، ويجب على المسلمين وخاصة أتباع المتحالفين رفض هذه التحالفات المشبوهة والعمل مع المخلصين من أبناء الأمة لإقامة شرع الله في الأرض بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بقيادة حزب التحرير لكي تعود الأمة الإسلامية خير أمة كما أراد الله لها، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]
ووعد الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين والاستخلاف لن يتخلف، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ..﴾، وقال تعالى: ﴿... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾
كتبه للراية : الاستاذ شايف صالح - اليمن
رأيك في الموضوع