أطلق القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير حملة عالمية، يتوّجها بمؤتمر نسائي عالمي بعنوان "المرأة والشريعة: بين الحق والباطل" هذا المؤتمر الفريد من نوعه بالنسبة لما عقده القسم النسائي، وما يعقد من مؤتمرات بشكل روتيني عن المرأة في عالمنا الإسلامي أو في غيره، حيث يعقد بشكل متزامن في خمس دول في خمس قارات في آن واحد؛ في فلسطين وإندونيسيا وبريطانيا وتونس وتركيا، وفي عرضٍ مغاير شكلاً ومضموناً، وفي بث حي مباشر تقدم شابات الحزب الترياق لمشكلات المجتمع في هذه الحقبة الزمنية التي تحكمت فيها الرأسمالية المخادعة التي تضع السم في الدسم فتروج لشعارات براقة لمعالجات لا تلامس واقع المرأة القاسي ومشاكلها الحقيقية لتتربح من وراء ذلك، ويكفي أن حقيقة هذه المعالجات بشرية وضعها إنسان.
وفي الحرب على الإسلام والمسلمين ركز الغرب على الأحكام الخاصة بالمرأة المسلمة، وذلك لتدمير الأمة الإسلامية لأنه يعرف أن المرأة في الإسلام هي عصب المجتمع فشوه صورة الإسلام الناصعة وصور لها الإسلام عبر وسائل الإعلام المأجورة على أنه سجن وقيود وتزمّت وتخلف ورجعية، يجب التحرر منها فخلعت حجابها، فضاع حياؤها وزاحمت الرجل في كل مجالات العمل التي لا تليق بها وأهملت بيتها وضاع أبناؤها وسارت وراء القيم الغربية المنحلة وقلدت المرأة الغربية تلك المظلومة المقيدة بقيود الرأسمالية الظالمة والتي هي الأحق بالتحرر والانعتاق.
مؤتمر المرأة والشريعة هو لعرض معالجة ربِّ الرجل والمرأة التي تحررنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن التبعية العمياء التي تنزلق بنا نحو هوة مظلمة عميقة معالجة تتضمن الرأفه والرحمة.
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ المرأة طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا لاَ وَاللَّهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» رواه مسلم..
هل تقارن هذه الرحمة برحمة الإنسان للإنسان ولنا نحن المسلمات هل نترك رحمة الله وشرعه إلى أرباب المال الرأسماليين (حكام العالم الفعليين) الذين هم أعداء للمسلمين وللبشرية؟ وهذه حقيقة تنطق بها نظرياتهم التي تأذى منها الشجر والحجر فضلاً عن الإنسان ومؤتمراتهم واتفاقياتهم التي تصب في استغلال المرأة لتكون جزءاً من منظومتهم الربحية، فكانت دعوات التمكين والمساواة بالرجل، وما انبثق عنها من أفهام يعلم واضعوها خللها وعدم اتساقها، ولكن نظرتهم النفعية البحتة، وهي مقياس أصيل في حياتهم، التي تخلو فيها من كل قيمة رفيعة إلا القيمة المادية التي جعلتهم ينظرون إلى المرأة على أنها تملك خصائص وصفات يمكن أن يتكسبوا منها وهي صفات خصها بها الله كأنثى فاستثمروا أنوثتها في أعمالهم الاقتصادية للدعاية والإعلان كما استثمروا جسدها فجنوا الأرباح الطائلة.
سؤال يطرح نفسه منذ الالتفات عن شريعة الله، ماذا قاد التشريع البشري؟ وماذا قدم للمرأة في العالم؟ لقد نخر الفساد والانحلال والأمراض العضوية والعصبية والنفسية في جسد البشرية، تبجح الشذوذ العقلي والجنسي في جسم الحضارة، وأصبحت البشرية تعاني من التميع والاستهتار والاستخفاف بكل عقيدة وكل رأي ومذهب، وأضحى العالم على شفا جرف هار، فصارت العودة إلى الله هي وحدها طوق النجاة لكل العالم الذي تلظى بنار الرأسمالية، وما أحوج المرأة لشريعة الله الرحمن الرحيم التي أبعدوها إبعادا وأوهموها أن نجاتها بدواء هو الداء، قالوا يجب أن تتساوى مع الرجل في كل شيء أن تعمل، أن تكون حرة، أن لا تتبع الرجل لتستقل بقراراتها ومالها وهم بهذا حرموها من الحياة الآمنة المستقرة المتضامنة مع أخيها الرجل وأوقعوا بينهم العداوة.
جاء في المسند وغيره من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه أنه سأل النبي r عن حق الزوجة قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» فحفظ الإسلام للمرأة حق الكفالة التامة، فلا تجبر على عمل كما في واقع النظام الرأسمالي الذي تعيش فيه على هامش الحياة بمجرد فقدان عملها، فجاءت الأحكام الشرعية تبين بأنها شريكة للرجل في ماله فيما يخصها في أمرها هي وأبنائها إذا أرادت شيئاً، حتى إذا امتنع الزوج عن النفقة فإن لها أن تأخذ من ماله بالمعروف، وقد جاء عن النبي هذا في جملة من نصوص بينها الصحابة عليهم رضوان الله، منها أن الزوجة لها أن تأخذ من مال الرجل نفقة لها ولذريتها بالمعروف ولو لم يعلم، بينما لو أخذت هذا المقدار من غير إذنه في الوضع الحالي لكانت قضية جنائية، ربما تدخل السجن اذا سخط عليها زوجها. وفي الغرب ظاهرة المرأة المعيلة هي مأساة شاخصة تختزل كل الفكر النسوي في أنه ظلم المرأة ولم ينصفها حين فرق بينها وبين زوجها، فقال لها بالاستقلال عنه في القرارات والمال، ألا تستحي حاملات الفكر الغربي وجمعياتهن النسوية وهن يتحدث عن ظلم المرأة! وهي التي أسست لها بفكرها الذي ترك المرأة وحيدة تكافح أمواج الحياة، وتتعرض للمحن التي لا تقوى عليها لوحدها عندما سلبوها حق الكفالة والولاية التي تجعلها ملكة تحمل على أكف الراحة وجعل الله هذه الواجبات على الرجل تكليفا وليس تشريفاً.
إن الحضارة الغربية مخادعة تدعو بكلام في ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب والفتنة، فإذا نظرنا إلى المواثيق والمعاهدات الدولية، نجدها تكتظ بمسميات جذابة، ولكن ما وراءها في الحقيقة هو نوع من الخديعة تريد أن تسقط المجتمعات في وحلها، وتجعل المرأة في دوامة الرأسمالية التي لا تهدأ..
إننا في مؤتمر المرأة والشريعة سنعرض الفرق بين النور والظلام، بين الحق والباطل، في عرض مفصل يبين شريعة الله سبحانه، والقوانين الوضعية الرأسمالية الجائرة وغيرها.
إن بين أيدينا كتاباً منيراً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لقد برهن لنا هذا الكتاب كماله في التشريع وكونه دستوراً يقود البشرية بما أثبته ذلك مع سلف هذه الأمة حين اتبعوه قادهم إلى المجد، وسيقودنا حتماً إذا ما عدنا إليه إلى العزة والكرامة حيث المرأة بدرعها الحصين شرع الله؛ أم وربة بيت وعرض مصان، تعود إلى مكانها المناسب، وتكون شقيقة الرجل، كريمة مكرمة في حياتها الخاصة، وفي حياتها العامة، لا يجار عليها بفهم خاطئ لشرع الله، فيفرط أو يفرط فيها فتكون حيث أراد لها الله ربها كالدرة المصونة، وهي الفاعلة المنفعلة بالإسلام، مجاهدة كأم عمارة، طبيبة كخولة، وعالمة كست الركب معلمة ابن حجر.
ومن يقول بأننا في عصر مختلف، نقول له قد حدد التشريع السماوي الرباني الخطوط العريضة للقضايا التي تيسر وتسهل للناس حياة عادلة سعيدة مستقرة وكريمة، وترك للبشر الاجتهاد في وضع ما يصلح لدنياهم على هدي القوانين الإلهية، المستمدة من القرآن والسنة وإجماع الصحابة، وقد حقق رسول الله r ذلك النهج السماوي، الشريعة الإسلامية في دولة المدينة، فكانت سنته منهاجاً للمسلمين ليجدوا في رحابها الصراط المستقيم، والوصول بالإنسان إلى سعادة الدنيا والآخرة.
فإلى العمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ننقذ ونحرر بها عباد الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
نسأل الله سبحانه أن يكون مؤتمر المرأة والشريعة آخر مؤتمر تكون أحكام الإسلام للمرأة مجرد نظرية بدون تطبيق، وأن يكون فاتحة خير لتعريف العالم على أحكام الإسلام التي سيطبقها الخليفة مباشرة للحكم بها في دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع