يعاني المسلمون اليوم من غلاء فاحش في كل المواد وبالأساس في الوقود الذي يؤثر ارتفاع سعره على كل شيء، ورغم صرخات استغاثتهم إلا أنه ما من مجيب، بل إن الإجابة هي مزيد من الغلاء. وهذه المعاناة هي أحد مظاهر الضنك الذي حذرنا منه ربنا في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
فعندما نحلل أسباب ارتفاع أسعار الوقود مثلا، نجد أن معظمها مرتبط بمخالفات لأحكام شرعية يجهلها معظم المسلمين، فمثلا:
- البترول الموجود في بلاد المسلمين يجب شرعاً أن يكون ملكية عامة ولا يجوز أن يكون ملكية فردية وذلك لسببين: أولهما أنه يدخل في باب المعادن التي لا يجوز تملكها فردياً، وثانيهما لأنه يدخل في عموم النار التي جعل رسول الله ﷺ المسلمين شركاء فيها لقوله «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» أبو داود وأحمد.
- لا يجوز أن يتملك البترول شركة خاصة سواء أكانت تابعة لمسلمين أو لكفار، أما إذا كان الكفار من فئة المحاربين غير المعاهدين، فالحرمة لا شك آكدة وأولى.
- يندرج تحت حرمة تملك الأفراد للبترول حرمة إعطائهم نصيباً مما يستخرج من باب تعويضهم على التنقيب والاستخراج. نعم يجوز للدولة استئجار الخواص للبحث أو الاستخراج ولكن مقابل أجرة وليس مقابل نسبة معينة.
- عجز الدولة عن تمويل البحث أو عدم امتلاكها من الإمكانيات التقنية ما يمكنها من التنقيب لا يبرر استقدام الخواص مسلمين كانوا أم غير مسلمين والتعاقد معهم على نصيب محدد مما سيجدون، وإنما تحاول الدولة جاهدة بناء القدرة التقنية اللازمة للتنقيب وإن لم تستطع فيبقى مخزون البترول في الأرض إلى أن تملك القدرة على استخراجه.
- يجب على الدولة، من باب رعاية مصالح المسلمين، إنشاء ما يلزم من الصناعات لتحويل المواد الخام إلى الصيغة التي تمكن من استهلاكها، وذلك لتخفيض تكلفة التحويل، وفك الارتباط بالكافر وقطع الطريق عليه لابتزاز المسلمين ونهب أموالهم بغير حق.
- اشتراك المسلمين في البترول يحرم على الدولة التربح من وراء بيعه لهم، لأنه لا يستقيم عقلاً أن يتربح الشخص من البيع لنفسه، وإنما توجد الدولة من الأنظمة ما يمكن الناس من الحصول على حاجاتهم مقابل سعر التكلفة على أقصى تقدير.
- إن المطلعين يعلمون أن ارتفاع أسعار المحروقات لا علاقة له بالحرب في أوكرانيا كما يراد إقناعنا، وإن وجدت علاقة فبأثر بسيط، وأما الغلاء فراجع بالأساس إلى هيمنة الشركات العملاقة على سوق النفط والتكرير وتواطؤ السياسيين المستفيدين، وأكبر دليل على ذلك ما تنشره هذه الشركات العملاقة نفسها عن أرقام أرباحها التي تضاعفت 3 مرات أو يزيد في الثلث الأول من هذه السنة، ولو كان ارتفاع أسعار المحروقات ناتجاً عن ارتفاع في أسعار التكلفة، ما كانت الأرباح لترتفع بهذا الشكل.
- لا يجوز للحاكم وأعوانه الاستئثار بخيرات المسلمين.
- التشريع لله وحده وليس للأهواء والمصالح، ذلك أنه إذا وكل أمر التشريع للبشر، فإن المتنفذين سيسنون من القوانين ما يخدم مصالحهم، وهذا واقع محسوس ومشاهد.
- لا قيمة للمكان الذي وجد فيه البترول (أو أي ثروة أخرى) في كيفية توزيع عوائده على الرعية، فالناس في الحجاز لا يملكون في بترولها نصيبا أكبر منهم في ماليزيا، والناس في المغرب لا يملكون في فوسفاته أكثر مما يملك أهل إندونيسيا، وهكذا، فأيما ثروة وجدت في بلاد المسلمين من شرقها إلى غربها، يجب أن توزع عوائدها على الناس، لا فرق بينهم، ولا قيمة للمكان الذي وجدت فيه الثروة أو غيره في كيفية توزيعها.
أما عن ارتفاع أسعار بعض المواد الزراعية كالقمح أو ما يستعمل كعلف للدواب، فإن بلاد المسلمين تملك من الأراضي الزراعية ما يمكنها من سد حاجات المسلمين وزيادة، ولكن السياسة الزراعية التي انتهجتها بلاد المسلمين بضغط وإيعاز من الغرب كانت تتقصد التركيز على الزراعات الكمالية لإبقاء ارتباط البلاد الإسلامية باستيراد المواد الأساسية من الخارج، وإلا ما معنى أن تعتمد بلادنا على استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا بما يفوق 60% من حاجياتها؟ ما الذي يملكه هذان البلدان من إمكانيات زراعية ولا نملكه نحن؟ اللهم إلا الإرادة والقرار السياسي.
هذه بعض أحكام النظام الاقتصادي في الإسلام، ولو طبقت في دولة كما أمر الله لم يبق فقير ولا محتاج في بلاد المسلمين، بل لفاض الخير على غير المسلمين أيضا حتى يعم الأرض كلها.
سيقول البعض نعم إن طبقت هذه الأحكام فسيحصل الخير كما تقولون، ولكن هذه الأحكام مثالية وأقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، ونقول بل إنها كائنة وقريباً بإذن الله، ولعل هذا الضنك الذي يمر به العالم من مبشرات الفرج العظيم الذي نعمل له جاهدين منذ عشرات السنين ونحثكم للالتحاق بنا فيه، وكأن الله يريد من البشرية أن ترى ظلم الديمقراطية الرأسمالية في أبشع صوره حتى تستيئس منها وتعلم أن ما كانت تظنه المنجاة والحل السحري إنما هو العذاب الأليم الماحق، وحين يأتي الإسلام العظيم بخلافته الراشدة ستتلقفه البشرية، مسلمهم وكافرهم، كما يتلقف الغريق حبل النجاة.
بقلم: الأستاذ محمد عبد الله
رأيك في الموضوع