الأمّة الإسلامية أمّة واحدة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92] وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، والإسلام قد جعل المؤمنين إخوة قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات]، وهذه الأمة هي خير أمّة، وإنّما هي خير أمّة لأنها تملك خير عقيدة وخير نظام، وكانت أمّة واحدة بوحدة هذه العقيدة ووحدة هذا النظام، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران].
والأمّة الإسلامية تقوم على الإيمان باللّه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي أوامر اللّه ونواهيه، أي على العقيدة الإسلامية ونظام الإسلام الذي ينبثق عن هذه العقيدة، فالإيمان هو العقيدة، وأوامر اللّه ونواهيه هي النظام الذي ينبثق عن هذه العقيدة، وهذه هي المقوّمات الحقيقية للأمّة الإسلامية.
والإسلام قد وحّد هذه الأمّة حينما وحّد المقوّمات التي تقوم عليها، أي وحّد عقيدتها ونظامها.
أمّا من حيث العقيدة، فالإسلام قد ألزم هذه الأمّة عقيدة تمثل فكرة كليّة عن الكون والإنسان والحياة تعطي الصورة الحقيقيّة عن العالم، وجعل هذه الفكرة واضحة البيان جليّة المعنى بحيث لا جدال فيما تدل عليه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً﴾، وكما جعل هذه العقيدة قطعية الدلالة، جعل كذلك دليلها مقطوعا به، حيث إنّ العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين، وأنّ ما كان دليله ظنّيا لا يدخل في العقائد، فالمسلم يحرم عليه أن يعتقد فيما لم يكن دليله جازما ويجب عليه أخذ عقيدته عن يقين، قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾.
فالإسلام حينما ألزم الأمّة هذه الفكرة القطعية، فقد ألزمها الوحدة والاجتماع عليها وعدم التفرّق فيها، قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
هذا من حيث العقيدة، أمّا من حيث النظام الذي ينبثق عن هذه العقيدة، فالإسلام قد وحّد المصدر الذي يؤخذ منه هذا النظام، وبذلك وحّد النظرة إلى الحياة والغاية منها، كما وحّد الطريقة التي يتحقق بها وجود هذه النظرة وهذه الغاية في واقع الحياة.
فالمصدر الذي يؤخذ منه النظام قد بيّنه الإسلام بدون لبس ولا أدنى غموض، وهو الوحي، أي الكتاب والسنّة، لأنّها وحدها هي الوحي، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، وقال تعالى: ﴿وَما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وقال e: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»، لذلك كان الكتاب والسنّة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس هي الأدلّة القطعية التي أجمعت واجتمعت عليها الأمّة بشكل عام في جميع العصور.
والنظرة إلى الحياة هي من الوضوح بحيث لا يكاد يخلو دليل من الإشارة إليها، فالإسلام يصور الحياة على أنّها الحلال والحرام، فكل ما في هذه الحياة من أشياء وما يقع عليها من أفعال لا يخلو من أن يكون حلالا أو حراما، فالحلال يفعل والحرام يترك، والمسلم إنما يقدم على الفعل أو يحجم عنه بناء على ما يرى فيه من حلال أو حرام، فكان الحلال والحرام هو وجهة نظر المسلم في الحياة ومقياس أعماله الذي يزن به كل أمر قلّ أو جلّ.
والغاية من الحياة هي أكثر وضوحا، فيتم التقيد بمقياس الأعمال، وهو الحلال والحرام، ابتغاء مرضاة الله، وطمعا في ثوابه، وخوفا من عقابه، والذي يباشر هذا الثواب والعقاب هو اللّه تعالى، يثيب من رضي عنه ويعاقب من غضب عليه، لذلك كان نوال رضوان اللّه هو الغاية الحقيقية من الحياة، بل هو غاية الغايات وسعادة الحياة، قال تعالى: ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾.
إن فلسفة الإسلام في وحدة هذه الأمة أنها أمة واحدة في إيمانها بالله وواحدة في طاعتها لله عز وجل، ولكن هذه الوحدة ليست شكلية أو نظرية بل هي عملية ولها طريقة تنفيذ وأحكام شرعية تضبطها ضبطا محكماً.
فالإسلامُ يرى أنَّ نظامَه إنَّما يُنَفِّذُهُ الفردُ المؤمِنُ بدافعِ تقوى اللهِ، وتنفِّذُهُ الدولةُ بشعورِ الجماعةِ بعدالَتِهِ، وبِتَعَاوُنِ الأُمَّةِ معَ الحاكمِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ، وبسلطانِ الدولةِ.
فالطريقة التي تجعل هذه النظرة وهذه الغاية موجودة في واقع الحياة، هي تقوى اللّه في الفرد فيما يخص الفرد، وسلطان الدولة في المجتمع فيما يخص الجماعة، أي السلطان الروحي والسلطان السياسي معا. والإسلام قد وحّد النظرة إلى هذه الأشياء فبيّن بدون لبس أن التقوى هي أساس التفاضل بين الناس مهما كانت أجناسهم وألوانهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقال e: «لاَ فَضْلَ لِعَرَبِىٍّ عَلَى أَعْجَمِىٍّ وَلاَ لِعَجَمِىٍّ عَلَى عَرَبِىٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى»، ومتى وجدت التقوى في النفوس وجد السلطان الروحي وهو أقوى سلطان يجعل الانضباط في سلوك الفرد المسلم أمرا طبيعيا ويجعل التقيد بالحكم الشرعي سجية لديه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
هذا من جهة السلطان الروحي، أما السلطان السياسي - أي الحكم - فقد جعله الإسلام ملازما للقرآن، وهذا في منتهى الوضوح..
يُتبع بإذن الله
بقلم: عبد الله عبد الرحمن (أبو العز)
رأيك في الموضوع