الحرب في السودان تخطو نحو النصف الثاني من شهرها الثامن، وما يزال الأمر بين كر وفر سجالاً بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث لا نصر كامل لأي من الفريقين، وإن كانت قوات الدعم السريع تسجل في هذه المرحلة من الحرب بعض المكاسب حتى تؤكد للذين يصرون على الحرب والقضاء على الدعم السريع أنهم قوة لا يستهان بها، وأنه مهما طال أمد الحرب فلن يقضى عليها، وهذا ما تريده أمريكا، فهي لا تريد القضاء على قوات الدعم السريع، بل تريدها رقما في المعادلة السياسية السودانية بالرغم من الفظائع التي ارتكبتها في حق المواطنين العزل، سواء في الخرطوم، أو دارفور، أو في غيرهما. وما يؤكد أن أمريكا لا تريد القضاء على قوات الدعم السريع، ما جاء في البيان الصحفي الصادر عن الترويكا (أمريكا والنرويج والمملكة المتحدة) في 17/11/2023: "... ونعيد التأكيد على أنه ما من حل عسكري مقبول للصراع، وندعو إلى إنهاء الاقتتال كما نحث قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية على الامتناع عن الأعمال التي من شأنها أن تزيد من تقسيم السودان على أسس عرقية، أو تجر قوى أخرى إلى الصراع الدائر بينهما، يتعين أن يخفض الجانبان التصعيد، وينخرطا في مناقشات صادقة تفضي إلى وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية بدون عوائق".
وهذا يعني ليس إنهاء الحرب بصورة كاملة، وإنما يطلب منهما، أي من قوات الدعم السريع والجيش، أن يخفضا التصعيد، وينخرطا في مناقشات عبثية، كالتي تعودنا عليها في السودان، وأسوأ مثال عليها تلك المناقشات والمفاوضات التي استمرت سنوات بين حكومة السودان آنذاك، وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الهالك جون قرنق، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى فصل جنوب السودان.
والآن يراد للصراع أن يطول أمده! "قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث يوم الأربعاء 22/11/2023 إنه لا نهاية تلوح في الأفق للصراع الدائر في السودان منذ أكثر من سبعة أشهر، ووصف الخسائر في صفوف المدنيين بإقليم دارفور بأنها مفزعة" (نبض نيوز).
هذا هو ديدن أمريكا في إدارة الصراعات في بلاد المسلمين؛ ففي مقابلة إبان الصراع في سوريا مع جيمس جيفري، المسؤول عن الملف السوري في عهدي الرئيسين أوباما وترامب، أجراها إبراهيم الحميدي في الشرق الأوسط، سأله الحميدي: هل هناك حل قريب لسوريا؟ فأجابه: نعم، نحن واثقون من استراتيجيتنا على المدى البعيد، فسأله: هل هذا يعني قرب عودة النازحين إلى ديارهم؟ فأجاب جيفري: الشعب السوري عانى كثيرا، ونحن نقف معه ولعله يعود قريبا. فسأله الحميدي: متى يعني؟ فأجابه: "خلال حياتي"! وهذا منتهى الاستخفاف بشعوب المنطقة الإسلامية. فأمريكا تضع استراتيجيتها على المدى البعيد، ولا يضيرها وقوع القتلى أو الجرحى من المدنيين من الأطفال والنساء، ولا يهمها عاد النازحون إلى ديارهم أم هاموا على وجوههم!
ويؤكد ما ذهبنا إليه أنه ومنذ انتهاء ما يسمى بمفاوضات جدة2، التي اختتمت في السابع من هذا الشهر على لا شيء، وإنما انتهت من حيث ابتدأت! فمنذ ذلك التاريخ، أي أكثر من ثلاثة أسابيع، لم نسمع شيئا عن جدة وما يجري فيها! هذا فيما يتعلق بالناحية السياسية في الصراع.
أما في أرض الواقع فإن قوات الدعم السريع تسيطر الآن تقريبا على جل إقليم دارفور ولم يبق من ولايات دارفور الخمس سوى ولاية شمال دارفور، وهي تحاول السيطرة عليها بعد أن أحكمت سيطرتها مؤخرا على حامية الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور، بعد أن انسحبت الحامية التابعة للجيش بالطريقة التي حدثت من قبلُ لحاميتي نيالا في جنوب دارفور، والجنينة في غرب دارفور.
وحتى لا يقال إن قوات الدعم السريع نقلت الحرب إلى دارفور، فإنها ما زالت تقاتل في الخرطوم، بل تسيطر منذ يوم الاثنين 20/11/2023 على معسكر جبل الأولياء جنوب الخرطوم بعد معارك طاحنة استخدمت فيها القوات المسلحة السودانية الطيران، إلا أن قوات الجيش التي كانت بالمعسكر اضطرت للانسحاب وترك المكان لقوات الدعم السريع.
هذا الضغط من جانب قوات الدعم السريع، وبخاصة على إقليم دارفور جعل الحركات المسلحة التابعة لأوروبا وبخاصة بريطانيا تتحسس مواقعها، ويبدو أن بريطانيا أوعزت لهم بتغيير المواقف من الحياد المعلن طوال الشهور السبعة الماضية إلى التحول إلى القتال مع الجيش ضد قوات الدعم السريع؛ فقد أعلنت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة أركو مناوي انحيازهما للقتال مع الجيش، بعد أن كانا يقولان بالحياد، ففي مقابلة لجبريل مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، سأله المذيع لماذا قررتم الدخول في الحرب ضد "قدس" (يعني قوات الدعم السريع)؟ أجاب جبريل: للدفاع عن المدنيين الذين يتم الاعتداء عليهم في السودان عامة، ودارفور بصفة خاصة، حيث التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، حيث يدفن الناس أحياء في الجنينة، أو مكبلين كما في نيالا، أو اغتيال خميس أبكر والي غرب دارفور... هذه الإجابة من جبريل غير مقنعة لانحيازه للجيش، فما ذكره من جرائم واغتيال الوالي خميس أبكر، وغيرها لم تحدث وقت إعلان جبريل الانحياز للقتال مع الجيش، إنما قبل ذلك بكثير، فقد أحس الرجل بالضغط عليهم في عقر دارهم ومكان حواضنهم، أضف إلى ذلك تخبط المدنيين التابعين لأوروبا، وعدم وجود رؤية واضحة لديهم، ومن شدة تخبطهم لا وجهة لهم إلا لعملاء أمريكا في المنطقة، فهم يهيمون بين إثيوبيا ومصر وجنوب السودان!
هذا هو الواقع في السودان، فهو لا يختلف كثيرا عما يحدث في اليمن، وسوريا، وليبيا وغيرها من بلاد المسلمين.
فيا أهل السودان، اعلموا أن أمريكا عدو لكم، ولكل المسلمين، ولن يأتي منها خير، بل هي الشر كله، ودونكم ما يحدث في غزة من قتل للأطفال والنساء بالآلاف، وما نقموا منهم إلا لأنهم مسلمون، فأمريكا هي القاتل الحقيقي لأهل فلسطين، وما كيان يهود إلا رأس الرمح، قال نتنياهو لوفد من أعضاء الكونغرس "إن المجتمع الأمريكي يدركون أن هذا هو صراع الحضارة ضد البربرية. و(إسرائيل) في طليعة هذا الصراع ولكنها لا تقاتل من أجل نفسها فحسب، بل إنها تقاتل من أجل الولايات المتحدة، من أجل العالم الحر ومن أجل أمل التقدم ضد هؤلاء البرابرة". قاتلهم الله أنى يؤفكون!
فلا خلاص للأمة إلا بقيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تحافظ على وحدة الأمة ودماء أبنائها، وتعيد لها مجدها الضائع، وكرامتها المهدرة، لتقود الأمم والشعوب إلى الخير والعدل بإذن الله.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان