بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون*
بعدما كانت سماء الخلافة صافية وشمسها ترسل أشعتها لتضيء للتائهين طريق النجاة، تلبدت السماء بالغيوم وتوارت الشمس وراء الأفق فلا تكاد تسمع بعدها إلا بكاء المظلومين وآهات الحيارى وأنين اليتامى والجرحى والثكالى. بعدما كانت دولة الإسلام منارة للعالم تنشر النور والعدل بين الناس وتحافظ على حياتهم وتعمل على سعادتهم في الدارين، قام أهل الحقد من يهود ونصارى، بمساندة من عملائهم في المنطقة أمثال مصطفى كمال بالكيد لها والعمل على إسقاطها. لقد كان لزوالها مصائب جمة ونتائج خطيرة، ومن أخطر تلك المصائب والمحن على الإطلاق هو سيطرة النظام الرأسمالي المتوحش على العالم ولا سيما بلاد المسلمين.
إن الناظر في كيفية نشوء النظام الرأسمالي وتشكله يرى أنه كان سقيماً في أساسه وفي طريقة معالجاته من أول يوم؛ حيث كان أساسه ردّة فعل غرائزية على الظلم، ثم كان حلاً غير مبنيٍّ على العقل عندما توصل المفكرون ورجال الدين إلى الحلّ الوسط في بناء النظام الجديد، فالحلّ الوسط ليس حلاً مبنياً على عقل سليم، لأنه توسط بين أمرين متناقضين متنافرين متباعدين. إن المبدأ الرأسمالي هو أساس كل المشاكل والجرائم في العالم؛ ذلك أن الأساس الذي يقوم عليه إنما هو فصل الدين عن الحياة، الذي يعني إعطاء الإنسان حقّ التشريع.
لقد كان من أبرز ما في أنظمة هذا المبدأ هو النظام الاقتصادي الذي يهدف إلى تكثير رأس المال في المجتمع بأية وسيلة دون انضباطٍ بأخلاق ولا قيم، وفي الوقت نفسه ينظر إلى توزيع الثروة في المجتمع عن طريق أداةٍ وحيدة هي (جهاز الثمن)، وهذا الأمر ولّد أموراً كثيرة في المجتمع جلبت الدمار والخراب في داخل المجتمعات الرأسمالية وخارجها. حيث كانت الشركات العملاقة والبنوك التي تنهب ثروات الناس تحت عنوان حرية التملك وتنميته والانتفاع بالملك، وكان التفاوت الطبقي الكبير نتيجة سيطرة الأغنياء على الثروات فأصبح 1-2% في المجتمعات الرأسمالية يسيطرون على أكثر من 98% من ثروة المجتمع، و2% الباقية من الثروات توزّع على 98% من باقي الشعب.
فها هي أمريكا صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم، وقعت عام 2008م في أزمة اقتصادية أثرت على العالم بأسره، وأيضا تسلط الكفار على خيرات المسلمين سرقةً ونهباً، وأصبح بترول المسلمين غنيمة لدول الكفر يأخذونه بلا ثمن لخدمة مصالحهم؛ وذلك بمساعدة الحكام الخونة، في حين إن ملايين ملايين المسلمين يعيشون تحت خط الفقر والحرمان ويعانون شظف العيش. وها هي أفريقيا التي كانت من أغنى القارات، يعيش فيها الآن أكثر من 45 مليوناً تحت خط الفقر. وأما ما نهبته فرنسا من أفريقيا فهي أموال ضخمة جداً ويكفي تصريح الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي قال "دون أفريقيا ستنزلق فرنسا إلى مرتبة دول العالم الثالث".
ويكفي شراً هذا المبدأ الرأسمالي المتوحش تشريعاته التي أفقرت الناس كالضرائب والجمارك والاحتكار وسياسة رفع الدعم عن السلع والخدمات. نعم جنت البشرية من المبدأ الرأسمالي كل ما هو قبيح ومستقبح واصطلت البشرية بهذا المبدأ المتوحش الذي أذاق البشرية الويلات من حروب مدمرة، وما قامت به أمريكا وغيرها من الدول الرأسمالية تشيب له الرؤوس.
وبهيمنة هذا النظام الرأسمالي فقدنا رابطة الإسلام العظيم، وحلت محلها الروابط الوطنية والقبلية البهيمية، ودنست مقدساتنا وسُب نبينا الكريم ﷺ بحجة حرية التعبير، وفقدنا المسجد الأقصى المبارك الذي دنسه يهود أرذل خلق الله، وأصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام.
أجرت لجنة التحقيق بالكونغرس في جرائم الحرب العسكرية في الفلبين، حيث قُتل ما يقرب من 1 مليون و500 ألف مدني، والحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة 85 مليوناً. أما في فيتنام فقد بلغت أعداد جرائم الحرب الموثقة لدى البنتاجون 360 جريمة، وقد قدرت بعض الجهات أن قتلى العراق بلغوا 2 مليون، وكشفت تقارير نشرها موقع 'Medium' الأمريكي، عن جرائم بشعة ترتكب في حق مسلمي الإيغور الذين يقبعون في معسكرات الاعتقال في الصين وتحدث التقرير عن انتزاع الأعضاء الداخلية لأشخاص وهم على قيد الحياة لبيعها، وفي البوسنة استشهد على يد الصرب 300 ألف مسلم، واغتصبت 60 ألف امرأة وطفلة، وهجّر مليون ونصف، وجمعوا 12000 من الذكور رجالاً وأطفالاً ومثلوا بهم قبل قتلهم، ومن هذه النماذج من التمثيل والتعذيب كان الصربي يقف على الرجل المسلم فيحفر على وجهه وهو حي صورة الصليب الأرثوذكسي قبل قتله، وما يحدث الآن في سوريا من اغتصاب للنساء والأطفال وحتى الشيوخ.
وأيضا من آثار هذا المبدأ الرأسمالي أن أوهم المرأة بأن لها حقوقاً؛ وحقوقها هي أن تصبح سلعة للبيع وماكينة للربح، وحريتها هي إفسادها، ومن تلك الإحصائيات عن أمريكا وإسبانيا، كنموذجين للدول الغربية، والتي نشرها معهد المرأة ومقره مدريد، ففي عام 1995م 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً. وفي عام 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة: تغتصب امرأة كل 3 ثوان. ومن عام 1980 إلى عام 1990م كان في أمريكا ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
هذه هي حرية المرأة وحقوقها وفق المبدأ الرأسمالي وحضارته الفاسدة المفسدة، وهذه الإحصائيات، وهي غيض من فيض، تؤكد أن السلوك الشائن تجاه المرأة هو نهج حضارة وليس سلوكاً شاذاً لبعض أفرادها. وللأسف انتقل مثل هذا السلوك إلى بلاد المسلمين جراء غياب الخلافة وسيطرة هذا المبدأ الخبيث. فقد تضاعفت نسبة الدعارة في تركيا بنسبة 790%.
هذه نقطة في محيط من آثار ونتائج سيطرة هذا النظام الرأسمالي المتوحش على العالم ولو أردنا حصرها ما كفتنا مئات المجلدات. وبإذن الله تعالى سوف يتلاشى ويندثر هذا المبدأ قريباً ببزوغ فجر الخلافة الصادق وعد ربنا سبحانه وبشرى نبينا عليه الصلاة والسلام، وحينها نطبق شرع ربنا في كل مناحي الحياة فنعيش حياة طيبة كريمة، فلنضاعف الجهد ونغذ الخطا لإقامة ذلك الفرض العظيم بل تاج الفروض، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
سنعودُ نَحْكُمُ بالكتابِ ونعتلي = قِمَم الدُنى، بِئْسَتْ سفوحُ جبالِ
سنعودُ راياتٍ تُعانِقُ مُصْحَفي = وسيوفَ حقٍ تهتدي بهلالِ
سنعودُ زحفاً تحت ظلِّ خلافةٍ = في فَتْحِ غَرْبٍ كافرٍ وشَمالِ
سنعودُ فَلْتَصْحُ النفوسُ لِدِينها = ولتَمْضِ قافلةُ الهدى في الحالِ
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع