اتفق قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم ببروكسل يوم 24/4/2015 على زيادة الميزانية المخصصة لثلاثة أضعاف الميزانية الحالية لحماية الحدود "تريتون" (مراقبة الحدود البحرية لمدى 30 ميلا عن السواحل الإيطالية). واتفقوا على وجوب استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز التدخل قبالة السواحل الليبية باعتباره تدخلا عسكريا. وتعهدت بريطانيا وفرنسا العضوان الدائمان في المجلس بتقديم طلب بهذا الخصوص. وجاءت هذه القمة بعدما أكدت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إيطاليا كارلوتا سامي يوم 21/4/2015: "بإمكاننا أن نقول إن 800 شخص قضوا في حادث غرق لسفينة كانت تقلهم قبالة السواحل الليبية يوم 19/4/2014. ويكون عدد الضحايا هذا العام قد ارتفع إلى 1750 مهاجرا وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، بينما غرق 3419 عام 2014 في ارتفاع مطرد لضحايا الهجرة خلال السنوات الأخيرة لا سيما بعد حرب الناتو على ليبيا وتفكك الدولة مما جعلها ممرا سهلا للاجئين الأفارقة والعرب إلى أووربا.
وانتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف يوم 21/4/2015 "التقاعس المعيب لدول الاتحاد الأوروبي في استقبال اللاجئين بطرق شرعية". وكذلك انتقدت إفرنا مكجوان المديرة التنفيذية لمكاتب الاتحاد الأوروبي في منظمة العفو الدولية السياسات الأوروبية لاستقبال اللاجئين مؤكدة أن "هذه الخطط التي سيناقشها قادة دول الاتحاد الأوروبي في قمتهم الخاصة يتم تحفيزها من خلال الدوافع السياسية الأمنية ومكافحة الجريمة فحسب وليس من جانب سياسة حقوق الإنسان".
فكل ذلك يؤكد أن الدول الأوروبية لا تتحرك من زاوية إنسانية، وإنما من زاوية أمنية وسياسية، فهي تخاف من تدفق المهاجرين غير المرغوب فيهم من زاوية أن أكثرهم من المسلمين، فإن كانوا نصارى فلا تتردد في مساعدتهم، ومن جانب آخر خوفها من تأثيرهم على أمنها وعلى تركيبتها الديموغرافية، فلا يندمجوا في المجتمع كما هو حاصل الآن، حيث إن المهاجرين المسلمين الذين تدفقوا على أوروبا منذ ثمانينات القرن الماضي، وكذلك العمال الوافدين الذين شاركوا في إعادة بناء دول أوروبا الصناعية منذ ستينات القرن الماضي وأبناءهم وأحفادهم لم يندمجوا في المجتمع إلا النزر اليسير منهم، بل إنهم تمسكوا بدينهم وبهويتهم الإسلامية رغم الضغوطات عليهم من الدولة ومن المجتمع، حيث إن الدولة شرّعت قوانين تؤدي إلى التمييز ضد المسلمين، وكذلك أحكام القضاء وأنظمة الدوائر والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ونظرة التمييز العنصرية المتجذرة لدى المجتمعات الأوروبية خاصة ضد المسلمين وكراهيتهم واحتقارهم والاستهزاء بهم والنفور منهم بغير وجه حق حتى تصل إلى حد العداء لهم. بل قد تأسست حركات أوروبية تعادي المسلمين وتدعو لطردهم وآخرها "بيغيدا" التي هي اختصار لـ"الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة أوروبا". فتخاف الحكومات المنتخبة في أوروبا على أصواتها إذا هي تساهلت في قبول اللاجئين من المسلمين خاصة، سيما وأنها تعاني من أزمة اقتصادية، فهناك الملايين من الأوروبيين العاطلين عن العمل يرون أن اللاجئين يأخذون منهم أعمالهم، ويرى عامتهم أن اللاجئين سيأخذون من أموال الضرائب التي تحصلها الدولة منهم. ولذلك رأيناها لا تهتم بحياة المهاجرين، بل رمي ببعضهم في البحر أو تركوا بدون إغاثة ليغرقوا.
وتريد أوروبا تحقيق مكاسب سياسية وهيمنة عسكرية على سواحل البلاد الإسلامية، فنراها تسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن ليكون لها وجود عسكري على سواحل ليبيا، وذلك لتعزيز النفوذ الأوروبي في شمال أفريقيا بذريعة منع تدفق اللاجئين إليها. وهي سبب شقاء الناس حيث استعمرت بلادهم ونهبت ثرواتها فأفقرتهم، وأضعفتها بتجزئتها وإثارة الحروب الداخلية، وأهملتها لتنتشر فيها الأمراض الفتاكة، ومنعتها من أن تنهض وتتقدم، فأقامت فيها أنظمة فاسدة تتبعها لتواصل نهب ثرواتها بصورة قانونية. لذلك تعتبر أوروبا هي أس المشكلة.
وهناك المتاجرون بأرواح البشر والسماسرة الذين يستغلون وضع الناس الهاربين من أوضاعهم الأمنية والاقتصادية ويبحثون عن سبل أفضل للعيش والأمن، فيبتزونهم بمبالغ طائلة مقابل أن يقذفوا بهم إلى الموت أو إلى حياة الشقاء والمعاناة في مراكز اللاجئين بأوروبا وفي مجتمعاتها التي تطغى عليها العنصرية، فلا يعبؤون بهم حيث يحملونهم بسفن غير صالحة للإبحار أو تنقصها الصيانة إلى حد كبير.
والمشكلة الحالية تبدأ من الدول الهارب من ظلمها الناس، فهي لا تقوم بالرعاية وإيجاد فرص العمل والعيش الكريم لرعاياها، ولا تقوم بتوزيع الثروات، فأنظمتها يعمها الفساد بكل أنواعه وسرقة الأموال من قبل القائمين عليها وعائلاتهم والمحسوبين عليهم، فيضطر الكثيرون لترك بلادهم والمغامرة في عرض البحر. وكذلك دول المنطقة ترفض اللاجئين وتتبع ضدهم سياسة تعسفية، كما رأينا في الأردن وفي لبنان التي تتبع سياسة ظالمة ضد اللاجئين الفلسطينيين منذ ستين عاما، وبدأت تتبعها ضد النازحين السوريين، الفارين من بطش نظام الأسد. وهناك دول الخليج التي ترفض دخول أي لاجئ إليها، وهي بلاد غنية وواسعة تكاد تكون خالية من السكان وتمنّ على الناس بتقديمها بعض الفتات من المساعدات المالية لرفع العتب بينما هي تضخ أموالا طائلة في المؤسسات الأوروبية.
وعندما تقوم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قريبا بإذن الله سوف لا يكون هناك مشكلة مهاجرين إلى أوروبا ولغيرها، بل مهاجرون إليها حيث سيكون الأمن والرعاية الراشدة وتوزيع الثروات وإيجاد فرص العمل، لأنها ستحدث انقلابا صناعيا وتكنولوجيا وتطور الزراعة، وتنشط التجارة، وتعلم الناس كافة الحرف، وتدربهم في كافة المجالات ليكونوا عاملين مهرة، وتحدّث كافة المؤسسات ومرافق الحياة العامة ووسائل الراحة وتقدم الخدمات الطبية والتعليمية الجيدة إلى كافة رعاياها دون تمييز ليحيوا حياة طيبة هنيئة.
رأيك في الموضوع