فاز محمد بخاري في انتخابات 28 آذار/مارس، وهو مسلم ينحدر من مناطق الشمال النيجيري يبلغ من العمر 72 عامًا. وبهذا الفوز يصبح بخاري أول مرشح للمعارضة يتغلب على خصمه الرئيس المنتهية ولايته غودلاك جوناثان. وقد خاض الانتخابات الرئاسية من خلال حزب معارضة موحد وهو حزب مؤتمر كل التقدميين (APC) الذي قد شكل فقط منذ عامين. أما الرئيس المهزوم غودلاك جوناثان الذي ينحدر من منطقة جنوب النيجر فاعترف بهزيمته في الانتخابات وأجرى مكالمة هاتفية لتهنئة محمد بخاري. وقد صرح الرئيس السابق جوناثان لإذاعة البي بي سي بقوله: "لقد وعدت البلاد بانتخابات حرة ونزيهة، وها أنا قد حافظت على وعدي".
وفي الوقت الذي يأمل فيه الكثير من النيجيريين بتغييرات إيجابية في دولة تعد من أكبر الدول الأفريقية من حيث قدراتها الاقتصادية وعدد سكانها، إلا أنه لا بد من تسليط الضوء على عدد من القضايا لإدراك إلى أين يتجه هذا البلد.
لقد ساهم عاملان رئيسيان في فوز محمد بخاري بالانتخابات:
- الوضع العام في نيجيريا في ظل الرئيس الحالي والذي يبرز فيه تفشي الفساد وانعدام الأمن.
لقد قدم بخاري نفسه على أنه الشخص الذي يمتلك الخبرة "للقضاء" على الفساد المستشري في نيجيريا. وقد عايش الكثير من النيجيريين انتشار الفساد في عموم الأوضاع في ظل الأنظمة السابقة بما فيها النظام في عهد جوناثان. فالثروة الناتجة عن صناعة النفط في البلاد والتي تقدر بنحو 2 مليون برميل نفط يوميًا لم تصل إلى عامة الناس إلا نادرًا، وبهذا فقد فشل جوناثان في توزيع ثروة البلاد على شعبه.
وكذلك أصبح الكثير من قادة الفصائل المسلحة في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط من أصحاب الثروات الضخمة في عهد حكم الرئيس جوناثان وذلك بسبب رعاية الحكومة لهم وتعاقدها معهم، فالبعض من هؤلاء القادة قد حصلوا على عقود أمنية لحراسة المنشآت النفطية. لذلك فقد أوجدت هذه الأحداث انطباعًا بأن جوناثان يدير أعمال الحكومة لتستفيد منها جماعته العرقية.
- القوى العالمية وخاصة بريطانيا.
لقد كانت بريطانيا وهي المستعمر السابق لنيجيريا حريصة جدًا على مراقبة الأوضاع قبل هذه الانتخابات وبعدها وذلك لأن محمد بخاري يعتبر من رجالاتها في نيجيريا. فبريطانيا هي من ساعدته في القيام بانقلاب عام 1983 على حكم شيخو شجاري الذي دام حكمه لعامين.
وبعد أن أُعلن عن فوز بخاري، هنأه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بقوله: "أتقدم بأحَرّ التهاني إلى الجنرال بخاري لانتخابه رئيسًا جديدًا للبلاد. لقد كانت هذه الانتخابات فخرًا للشعب النيجيري وحدثًا تاريخيًا حقيقيًا للديمقراطية النيجيرية. وستبقى بريطانيا شريكًا مخلصًا لنيجيريا لأنها تدرك قوتها الاقتصادية الضخمة كبلد أفريقي ولأنها تعمل على معالجة الإرهاب في المنطقة".
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليبس هاموند في بيانه: "أهنئ محمد بخاري على فوزه بالانتخابات... وأيضًا الرئيس غودلاك جوناثان للحنكة السياسية التي أبداها في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وقبوله للنتيجة" ... "إنه مهم الآن لكلا الطرفين أن يضمنا انتقالاً سلميًا للسلطة إلى الحكومة الجديدة". [المصدر: وكالة فرانس برس]
ويظهر من التصريحات أن الإنجليز يفضلون بخاري، وأن الأوضاع في نيجيريا هي تحت سيطرتهم، ويبدو أن أكثر ما يركزون عليه بشكل رئيسي هو النفط النيجيري الذي سيستخدمونه كوسيلة لتعزيز قوتهم. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الوجود الأمريكي ما زال مؤثرًا لأن الوسط السياسي الرئيسي في نيجيريا ما زال يتبع لها. ومن الواضح أيضًا أن بريطانيا تخشى أن تتدخل أمريكا في شؤون الرئيس الجديد وشؤون حكومته.
أما إلى أين تتجه نيجيريا بعد فوز بخاري، فإنه يمكننا القول إن ما جرى يعتبر تغييرًا شكليًا فقط، فبخاري لن يقدم شيئًا لنيجيريا أو لأهلها فقد خبره معظم النيجيريين من قبل. وسيكون دوره الرئيسي هو إمداد أسياده الاستعماريين بأسباب الحياة الاقتصادية وغيرها، ولن يعمل لخدمة النيجيريين الذين يُعتبر أكثر من 70٪ منهم تحت خط الفقر. والجميع يتذكر دور إدارة بخاري في فضيحة تتعلق بمصير 53 حقيبة يُعتقد أنها كانت تحتوي على 700 مليون نيرا نيجيرية.
أما بالنسبة لبوكو حرام، فإنها تنظر إلى بخاري على أنه جنرال قد قام فعلًا بسحق الجماعة، ولا بد أن يكون واضحًا أن بخاري سيتعرض لضغوط من المسلمين والنصارى من ناحية، وأمريكا وبريطانيا من ناحية أخرى. ولذلك ستكون حملته ضد بوكو حرام متوازنة بشكل كبير وتحت إشراف أسياده الإنجليز الذين تعهدوا بدعمه لمكافحة الإرهاب. ولكن الولايات المتحدة تُعتبر أكثر عدوانية تجاه المسلمين في نيجيريا وخاصة بوكو حرام، وكانت تعمل من أجل مساعدة رجال الأمن في نيجيريا في حماية النفط تحت ستار محاربة بوكو حرام. والجدير بالذكر أن قضية بوكو حرام هي قضية سياسية إلى حد كبير، ويستغلها السياسيون في الداخل وكذلك القوى الأجنبية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. ولذلك فإن المعركة ضد بوكو حرام لا يمكن أن يكسبها أي سياسي نيجيري.
وفي الختام، لا بد أن يدرك النيجيريون أن فشل النظام هو الذي سبّبَ كل المشاكل المستعصية التي تواجههم. فقضايا الفساد وانعدام الأمن وغيرها الكثير إنما هي نتيجة لفساد وجشع الرأسمالية. وقدمت العديد من الأطراف حلولًا ومعالجات مثل اقتراح إصلاحات دستورية وانتخاب وجوه جديدة، إلا أن كل تلك الحلول والمعالجات لا تستطيع التعامل مع الوضع الراهن في نيجيريا، البلد الذي له أهمية تاريخية في نظر الإسلام. إن العلاج والحل الحقيقي إنما هو موجود حصرًا في الإسلام، وهو النظام الذي يوفر معالجات حقيقية لكل مشاكل الإنسان، وفقط في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة سيتم القضاء على كل المشاكل التي تعاني منها نيجيريا.
رأيك في الموضوع