إن مقياس الأعمال في المبدأ الرأسمالي هو النفعية وبالتالي لا يقيم هذا المبدأ أي وزن لأي قيمة أخرى سواء الروحية أو الإنسانية أو الخلقية، بل النفعية والنفعية فقط، فهو يفسد البيئة بهوائها ومائها وتربتها من أجل النفعية ويفسد المجتمع وعلاقاته بالخمور والمخدرات وبأي شيء، فالمهم هو النفعية.
لذلك قام الغرب باستغلال المرأة وأنوثتها أبشع استغلال من أجل تحقيق المنفعة، وعندما انهارت الأسر وشاعت الرذيلة وراجت أمراضها، لم ينتبهوا إلى إصلاح حالهم لأن ذلك يعني التخلي عن مبدئهم بل كابروا وأرادوا نشر هذا الوباء في كل بلد وخاصة في بلاد المسلمين، فنادوا بتحرير المرأة وتلقفها ضعاف النفوس والفاسدون والكلاب الجائعة والمضبوعون بالثقافة الغربية، وهنا لا بد لنا من وقفة، فأي قيد هذا الذي ينادي هؤلاء بتحرير المرأة المسلمة منه؟
وللجواب على هذا السؤال لا بد لنا من معرفة القيود التي وضعها الإسلام على المرأة والتي يسعى أصحاب الشذوذ الفكري إلى تحريرها منها. وهل هي قيود تحط من شأن المرأة؟ أم أنها حصانة لها وحفاظ على أنوثتها؟
فبعد أن عاشت المرأة في زمن الجاهلية تشترى وتباع وتوأد، وتُعد مجلبة للعار والفضيحة، جاء الإسلام ليخلصها من الذل والهوان وليرفع مكانتها ويكرمها ويمنحها جميع حقوقها التي لطالما حرمت منها، فقد جعلها الإسلام شقيقة الرجل في إنسانيّته، لها ما له وعليها ما عليه من تكليف وحساب، فقد ساوى الله بين الرجل والمرأة في الطاعات وفي الثواب عليها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾، وكذلك ساوى بينهما في المعاصي والعقوبة عليها، قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وجعلها صنو الرجل بأن تملك وتتاجر وترث وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحاسب الحكام. وأفردها سبحانه بأحكام راعى فيها فطرتها التي خلقها عليها وهو أعلم بها ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ فأكرمها ورفعها منذ الولادة فأوصى بها وهي بنت، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا، وَلَمْ يُهِنْهَا، وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ - يَعْنِي الذَّكَرَ - عَلَيْهَا، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ» رواه أحمد وأبو داود، ثم زوج، قال ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» أخرجه الترمذي، وأكثر الوصاية بها وهي أم، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». متفق عليه، وهكذا رفع الله منزلة المرأة عندما جعلها أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان وليست سلعة تباع وتشترى كما أرادها الغرب، ولقد أوصى الرسول الكريم ﷺ بها خيرا بقوله: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» رواه مسلم، وبهذا حافظ الإسلام على المرأة فانعكس ذلك على الأسرة والمجتمع.
من هذا يتبين أن دعاة التحرر يريدون تحرير المرأة من عفتها ليُشبعوا شهواتهم البهيمية فيستفرغوا ما عندها من أنوثة ثم يُرمى بها كفضلات الطعام!
أختي المسلمة: إن شياطين الإنس وأصحاب الشذوذ الفكري قد أغاظتهم المنزلة التي رفعك الله إليها، وأغاظهم أن تكوني محتشمة عفيفة لا تصل إليك يد نجسة وعين وقحة وقلب فاسد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾، نعم لقد أغاظهم ذلك فأرادوك مائلة مميلة عارية مبتذلة ليشبعوا شهواتهم وبهيميتهم، ولقد خلقك الله سبحانه وتعالى مختارة ودعاك إلى الاستجابة لشرعه ورتب على ذلك الثواب، ونهاك عن طاعة الشيطان واتباعه وتوعدك بالعقاب، واعلمي أن هؤلاء الذين يقومون بغوايتك سيتبرؤون منك يوم العرض بين يدي الله، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، والحمد لله رب العالمين
بقلم: الأستاذ مازن الدباغ – ولاية العراق
رأيك في الموضوع