يُحيي الإعلام الموجَّه في بلاد المسلمين ذكريات ومناسبات كثيرةً، منها السعيد ومنها الحزين، وتتفاوت في أهميتها، لكن الحدث الأكبرَ أهميةً بالنسبة للمسلمين تتغافل وسائل الإعلام بأنواعها المتعددة عن مجرّد ذكره، مع سبق إصرار، ذلك أن الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين ما هي إلا ثمرةٌ مُرّةٌ فَجَّة من ثمار ذلك الحدث الأكبر، وهذه الأنظمة تتحكم تحكماً مباشراً أو غيرَ مباشر في وسائل الإعلام كافةً، فتحول بينها وبين ذكره أو الإشارة إليه.
هذا الحدث الأكبرُ أهميةً بالنسبة للمسلمين هو زوال نظام الخلافة، الذي عاش المسلمون في ظله عزيزين مكرّمين قروناً طويلة متلاحقة، وهو حدث أليم لِما ترتّب عليه من غضب الله سبحانه وتعالى لَمّا ابتعدَ المسلمون عن تحكيم شرع الله سبحانه، وعن سيادةِ الشرع في حياتهم، وهو الحدث الأكثر أهميةً لِما أصابَ المسلمين بعده من تفرّق وتمزّق، وما تبعه من تسلّط لأعدائهم من دول الكفر على رقابهم، فساموهم صنوف الإذلال والإهانة، سلبوا كرامتهم وعزتهم قبل أن يسلبوا ثرواتهم، فها هو حال المسلمين اليوم؛ أرواحٌ تُزهق، ودماء تجري، وأعراض تُنتَهك، وثرواتٌ تُنهب، أينما جال المرءُ بناظريه رأى تلك الحال التي وصفنا، فتلك كشمير وهذه فلسطين، وتلك الشيشان والبوسنة والهرسك، وتلك أفغانستان وهذه العراق، أما عن بلاد (الربيع العربي) فحدّث ولا حرج، فتلك اليمن وهذه سوريا، أما باقي بلاد المسلمين فليست أحسن حالاً، فبلاد المسلمين جميعُها يتحكم بها رويبضات سفهاء، يمكنون دول الكفر من رقاب المسلمين وثرواتهم، ولا همّ لهم إلا البقاء جاثمين على العروش لإشباع شهواتهم ونزواتهم، وليفعل الكفار أعداء المسلمين بالمسلمين ما يشاؤون..!
هذه الحالُ كانت نتيجة حتمية لذلك الحدث الأكبر، زوال من يرعى شؤونهم، ويحمي بيضتهم ويذود عن حياضهم، فلو كان للمسلمين خليفة لَما جرؤ كافر على التفكير بالمساس بالمسلمين أو بشيء يتعلق بهم، والتاريخ شاهد على ذلك، فإجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة المنورة كان رداً على اعتدائهم على امرأة مسلمة وقتل رجل مسلم، وإجلاء يهود بني النضير كان رداً على محاولتهم قتل رسول الله e، وفتح عمورية كان رداً صارخاً من خليفة المسلمين المعتصم على اعتداء كافر على مسلمة، وخطاب هارون الرشيد لنكفور بـ (كلب الروم) وتهديده له بجيش أوله عنده وآخره في بغداد كان رداً على عزم نكفور عدم دفع الجزية لدولة الخلافة، وغير ذلك من الشواهد الكثيرة على ذلك، نعم؛ إنها دولة الخلافة التي تحكم الناس بشرع الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لمّا فقدناها فقدنا كل شيء، فعلى المسلمين أن يدركوا هذه الحقائق، ويوقنوا أنهم ما لم يعودوا إلى تحكيم شرع الله فيهم بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة فسيستمر حالهم من سيئ إلى أسوأ، ومن غضب من الله عليهم إلى غضب، وأنه لن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ومن الواجب عليهم بذل كل ما يستطيعون في سبيل ذلك، وأن يضحوا بالغالي والنفيس للتخلص من هذه الأنظمة التي أقامها عليهم الكافر المستعمر، فيقيموا دولةً للمسملين واحدةً كالتي أقامها رسول الله e، وحكمها الخلفاء من بعده.
وهذا حزب التحرير والعاملون الواعون المخلصون معه، قد كَفَوا الأمة مؤونة البحث والتنقيب والتخطيط والتدبير، فأقام فيهم هذا الحزب النقي التقي، وضَمَّ الكثير الكثير من أبناء الأمة الواعين المخلصين، الذين نذروا أنفسهم وكل ما يملكون لإفهام الأمة قضيتها المصيرية، ووصلوا ليلهم بنهارهم عاملين لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهم للأمة كالنذير العريان يستصرخونها ويستنصرونها لتجعل الأمة من هذه القضية قضيتها المصيرية، قضية حياة بعزة وكرامة، أو موت باستشهاد في سبيلها، فتسخّر الأمة شيبَها وشبّانها، ونساءها وأطفالها، وتسخّر كل طاقاتها وكل ما تملك للالتفاف حول حزب التحرير وقيادته وشبابه، حتى يتحقق الهدف المنشود، ولا يمنعهم من العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة مع حزب التحرير مانع، ولا يثنيهم عن هذا الهدف إلا تَحَقُّقُه، فالمسألة مسألة حياة أو موت، حياة في رضوان الله بعزة وكرامة، أو موت وشهادة في سبيل الله.
ومثلما أن على المسلمين أن يجعلوا من إقامة الخلافة وتحكيم شرع الله قضية مصيرية يُتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت، فإن على عاتق الجيوش في بلاد المسلمين يقع العِبء الأكبر، وهذا الواجب عليهم أوجب، فهم الذين بأيديهم قوة الأمة، وبأيديهم أن يمكّنوا حزب التحرير من سلطان الأمة، ليسوسها ويرعى شؤونها بالإسلام، ويقودها لتحمل رسالته إلى الناس كافة.
وتذكرة لأبناء المسلمين في جيوش المسلمين بأنهم هم الذين يحمون هذه الأنظمة التي أقامها الكافر المستعمر في بلادنا، وهم الذين يحمون أولئك الحكام السفهاء الذين فرّطوا في الأمة وممتلكاتها، ومنعوا الأمة من تطبيق شرع ربها، فهم بهذا يقع عليهم الوزر الأكبر والإثم العظيم بقيامهم بهذا واستمرارهم فيه، فعليهم أن يبادروا بوقف هذا الإثم عن أنفسهم ورفع هذا الوزر عن كاهلهم، وذلك بأن يتوقفوا عن حماية أولئك الحكام، وأن يبادروا بنصرة حزب التحرير، عسى الله أن يكفّر عنهم سكوتهم على الحكام، وحمايتهم في باطلهم، فيتوب الله عليهم، وينالوا شرف نصرة الإسلام وإعادته إلى الحياة، كما ناله الأنصار الأوائل، الذين نصروا رسول الله e واحتضنوه في المدينة المنورة، فأقام دولة الإسلام الأولى.
وأخيراً فوالله إن الأمر جدٌّ لا هزل، وما على المسلمين بعامة، والضباط والجنود بخاصة، إلا أن يرتقوا ببصرهم إلى السماء، إلى جنة عرضها السماوات والأرض، إلى الحياة العليا، فهذه الحياة الدنيا لا تستحق أن تُجعل هدفاً، أو تتخذ قضية مصيرية، ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [سورة الشورى: 36]. فاعملوا مع حزب التحرير أيها المسلمون، وانصروا حزب التحرير أيها الضباط والجنود، فتنالوا الشرف والكرامة، ورضواناً من الله أكبر.
رأيك في الموضوع